الخوف الشديد عند سماع خبر وفاة أحد أو الإتيان على ذكر الموت عموماً وكيفية تجاوزه

تم النشر اليوم 05-12-2025 | الخوف الشديد عند سماع خبر وفاة أحد أو الإتيان على ذكر الموت عموماً وكيفية تجاوزه
السؤال : السلام عليكم والدتي تعاني من مرض الوسواس، وتخاف من الموت، ولا نستطيع ذكر كلمة الموت أمامها، وإذا مات أحد الأقارب فإنها تخاف كثيراً ولا تستطيع رؤية أهله وأقاربه، وخاصة إذا كان شاباً، وإذا زارها أحد من أقاربه فإنها تقوم بتنظيف المكان بشكل غير طبيعي باستخدام المنظفات والماء، وأحياناً تتلف الشيء الذي جلس عليه، وهي تعلم أنها مريضة ولكن هذا الأمر ليس بيدها، فهو يتعبها كثيراً. وقد مات ابن أختها ولا تستطيع رؤية أختها إلى الآن، وقد مرت سنتان على وفاته، وهي تخجل من نفسها ومن أبنائها، وإذا حاولنا فتح الرقية أمامها فإنها تخاف كثيراً، وتخاف كذلك إذا فتحنا الدعاء أمامها، وإذا قرئ القرآن في البيت أمامها فإنها تكون غير طبيعية، فماذا نفعل معها؟! وجزاكم الله خيراً. الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الأخ الفاضل/ مها حفظه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد أحسنت بهذا البر الكريم الذي حملك على أن تبذلي جهدك وتسعي هذا السعي الطيب في نصح والدتك وفي إرشادها وفي الأخذ بيدها، ولك بذلك الأجر العظيم بإذن الله عز وجل فإن هذا من بر الوالدين والتعاون على تقوى الله عز وجل وهو أيضاً من النصيحة الواجبة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من آكد أركان الدين، فقال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أخرجه مسلم في صحيحه، ولا ريب أن أحق من أعنته وبذلت جهدك في نصحه هو والدتك الكريمة التي هي أحق الناس بصحبتك، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا ريب أن والدتك الكريمة قد وصلت إلى مرحلة متقدمة شيئاً ما في الاستجابة لهذه الوساوس، وهي تكاد أن تكون نوعاً من الوساوس المطبقة الشديدة التي أوصلتها إلى حد تصرفات تجعلها تتلف الشيء الذي يجلس عليه بعض الناس ممن تُوفي لهم بعض أهلهم، وهذا من الاستجابة الشديدة للوساوس والتي تجعلها قريبة من الحالة المطبقة والتي تحتاج إلى رعاية قوية قبل أن يتفاقم معها هذا الأمر، فلابد من الانتباه إلى أن الوساوس قد تصل في بعض الأحيان إلى نوع من الإطباق الشديد الذي يجعله يتصرف تصرفات تخرج عن الحد المعتدل السوي الذي عند عامة الناس، فالمطلوب إذن جد وجهد بيِّن في هذا الأمر حتى تعينوها على التخلص من هذه الوساوس. وأول ذلك هو الفزع إلى الله عز وجل واللجوء إليه بدعائه لها وطلب المعونة من ربكم جل وعلا أن يشرح صدرها وأن ييسر أمرها وأن يعافيها من هذا الأمر، فإن الدعاء سلاح المؤمن، ولذلك قال صلوات الله وسلامه عليه: (الدعاء هو العبادة) ثم تلا قوله تعالى: (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))[غافر:60]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) أخرجه الترمذي في سننه، وقد روى الحاكم في المستدرك عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل). الخطوة الثانية: إيجاد فرصة لتصحيح هذا السلوك الذي يقع من والدتك، وذلك بأن تبدؤوا بداية لطيفة وقوية في نفس الوقت، فمثلاً أنتم الآن تتجنبون تماماً ذكر الموت أمام والدتكم أو ذكر الأمراض الفتاكة مثلاً أو ذكر بعض الميتين، وهذا في الحقيقة خطأ قد زاد في هذه الوساوس التي لديها وأصّلها في نفسها، فإنكم لما استجبتم لهذا المعنى الذي لديها تأصل المعنى في نفسها وصار ذكر الموت مرعباً فزعاً لها، بينما لو أنكم تكلمتم بصورة عادية منذ البداية لما وقع هذا، وليس هذا من اللوم ولكنه من إيضاح المعنى الذي أوصلها إلى هذا الوضع، ولذلك فإن فائدة هذا البيان أن تعلموا أن من طرق علاجها أن يكون هنالك قدر من ذكر الموت أمامها، وليس المعنى هو أن يذكر بدون مناسبة ولكن أن يذكر مثلاً بعض الميتين الذين توفاهم الله عز وجل من أقاربكم ثم تترحموا عليه أو أن تسألوا عن الصدقة على الميت هل تصله أم لا، فتقولي أنت: مثلاً نعم تصله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، حتى ولو حصل منها شيء من الكرب أو شيء من الضيق لأجل هذا الكلام فتحملوا ذلك في البداية ثم أعيدوا الكرة من حينٍ إلى حين دون الالتفات إلى خوفها الشديد من هذا المعنى. الخطوة الثالثة: أن يكون بينك وبينها جلسات تركزين فيه على أمر عظيم في نفسها ألا وهو التوكل على الله عز وجل، فإن هذه الوساوس لم تصل إلى حد الإطباق في مثل حال والدتك إلا من الغفلة عن هذا المعنى، فلابد أن يُربط قلبها بالتوكل على الله عز وجل، بحيث تذكرين مثلاً أمر التوكل دون ذكر أمر الموت أمامها، ثم تقولين لها: إن الله عز وجل قد نجاني في بعض الأحيان – ولو كان لك قصة بعيدة – من حادث سيارة ولولا حفظ الله عز وجل لأصابني شيء من الضرر - ونحو هذه المعاني – ثم تذكرين لها أن الحافظ هو الله عز وجل، كما قال تعالى: (( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ))[يوسف:64]، ثم تنقلينها أيضاً إلى التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمور إليه وأن الإنسان في هذه الحياة لابد أن يفوض أمره إلى الله عز وجل وأن يوقن أنه هو المتولي أموره، كما قال تعالى: (( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ))[التوبة:51] فلن يصيبك إلا ما قد قدره الله عليك، وقال تعالى بعدها: (( هُوَ مَوْلانَا ))[التوبة:51] أي هو وليك وناصرك وحافظك، ولذلك قال بعدها: (( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ))[التوبة:51]، فهذه الآية جمعت أصول الشفاء لها لو أمعنت فيها النظر، فإنها أشارت إلى ما يجتث ويزيل أصل الخوف من المستقبل المجهول وذلك بالإيمان المطلق بقضاء الله وقدره (( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ))[التوبة:51]، ثم أشارت إلى التوكل على الله وأنه دواء هذه المخاوف (( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ))[التوبة:51]، ثم أشارت إلى الطمأنينة والركون إلى نصر الله وتأييده (( هُوَ مَوْلانَا ))[التوبة:51]. فلابد من إشاعة هذا المعنى في نفسها وتكراره بصورة بينة أمامها في أوقات متنوعة ليستقر المعنى في نفسها، نعم قد يحصل لها شيء في البداية شيء من الضيق وشيء من الشعور بأن الأمر قد تغير وأن المراعاة الزائدة التي كانت تجدها قد تغيرت وربما أظهرت ضيقها وأظهرت غضبها أو انفعالها أو بكائها في بعض الأحيان، ولكن عليكم بالاستمرار بذكر هذا بالأسلوب الهين اللطيف وبالتدرج حتى تصلوا إلى قدر من التعود عليه، ثم يكون بعد ذلك يكون نوع آخر من الجلسات معها وهو الكلام على حقيقة الموت، بحيث يذكر لها أن طبيعة الإنسان تكره الموت لأنه قد جبل على التشبث بالحياة ولكن المؤمن إذا مات فهو في حياة أعظم من هذه الحياة، فهو في الجنة بإذن الله عز وجل، وهذا يقودك إلى الكلام عن الجنة والترغيب فيها وعلى النار والتحذير منها؛ لأن هذا أيضاً فيه نقلة معنوية إلى معنى الموت لأنها تدرك تماماً أن ذلك إنما يصار إليه بعده؛ فبهذا المعنى تزيلون قدراً ليس باليسير من قلبها من رهبة الكلام عن الموت ونحو ذلك. الخطوة الرابعة: تبينون لها أن تصرفها الآن بعدم لقاء أختها أنه أمر لا ينبغي أن يقع منها؛ وذلك بسؤالها سؤالاً واضحاً: هل لقاؤك لأختك سيجعلك تموتين مثلاً؟ فها نحن نرى خالتنا ونرى كثيراً من الناس الذين قد توفَّ لهم بعض أقاربهم فماذا ضرنا؟ وأنت امرأة مؤمنة يا أمي تعرفين أن الحياة والموت أمر قد كتبه الله فلن يزيدك هذا الأمر عمراً ولن يقدم لك موتاً، كما قال تعالى: (( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ))[النحل:61]، فلابد إذن من عدم الالتفات إلى هذه الوساوس يا أمي وأن تبذلي جهدك في صلة رحمك، بل إن صلة الرحم من الأسباب التي تزيد في العمر كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأنت تعملين بنقيض ما أرشد إليه صلوات الله وسلامه عليه، فبهذا يحصل لها قدر من التصحيح المعرفي العلمي الذي يجعلها شيئاً فشيئاً تدفع هذه الوساوس. الخطوة الخامسة: مضادة هذه الوساوس، فلابد أن تتعاون معكم حتى تصل إلى الشفاء من هذه الحالة وحتى لا تتفاقم لديها، فإن بعض الوساوس قد تصل إلى مرحلة مطبقة قد تصنَّف من جنس الذهانات العقلية - كما هو معلوم - فلابد إذن من مواجهة هذه الوساوس وعدم الاستجابة لها، فمثلاً إذا أرادت أن تتلف بعض الأمور التي يجلس عليها بعض الناس ممن توفي لهم بعض الأقرباء أو أن تغسلها أو نحو؛ فحاولوا أن تمنعوها من هذا برفق وهدوء وبيان أن هذا الأمر إنما هو استجابة لأمر الشيطان وليس استجابة لأمر الرحمن وأن هذا مخالف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن هذا لا يرضي الله عز وجل وأنه من البدع المذمومة، فبهذا الأسلوب يحصل لها قدر من النفور من هذه التصرفات وربما حصل لها استجابة ظاهرة بإذنِ الله تجدون أثرها واضحاً بعد ذلك، وإن أمكن أيضاً أن تطلبوا من خالتكم الكريمة أن تزورها في البيت بعد قدر من المحاولات لها مما أشرنا إليه، فهذا أمر حسن؛ لأن ذلك يعينها على أن تترك هذا التخوف الذي لديها وأن تبتعد عن دائرة هذه الوساوس المغلقة، ثم بعد ذلك تكرر لها الزيارة ثم تخرجون بها إلى بيتها، وهكذا حتى تخرج من دائرة هذه الوساوس وتتلاشى بالتدرج بإذن الله عز وجل. الخطوة السادسة: العناية بتقوية إيمانها لاسيما في أمور الصلاة والمحافظة عليها وكذلك مما يشرع لكم رقيتها وهذا لا يشترط فيها أن تكون عالمة بذلك، بل يمكنكم أن تقرؤوا آيات كريمات من كتاب الله عز وجل في الماء مثلاً ثم سقيها منه دون علمها، فقد قال تعالى: (( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ))[الإسراء:82]، فقوله (( شِفَاءٌ ))[الإسراء:82] يتناول الأمور العضوية والأمور النفسية، فالتمسي الرقية الصالحة لهم وذلك بأن تقرئي سورة الفاتحة وسورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس وآية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة، وتقرئي أيضاً هذه الأدعية: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، أعوذ بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهنَّ بر ولا فاجر، ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن كل ذي شرٍّ لا تطيق شره، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن). وأيضاً فاقرئي عليها ما علمناه صلوات الله وسلامه عليه: (اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً)، ومنه أيضاً أن تضعي يدك على رأسها ثم تقولين: (بسم الله، بسم الله، بسم الله، أعيذك بعزة الله وقدرته من شر ما تجدين وتحاذرين)، وأيضاً: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، ومنها أيضاً رقية جبريل التي رقى بها النبي صلوات الله وسلامه عليه: (بسم الله أرقيكِ من كل داء يؤذيكِ، من شر كل عينٍ أو نفس حاسد الله يشفيكِ، بسم الله أرقيكِ)، فهذا كله ثابت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وطريقة ذلك بأن تنفثي بيديك وأن تمرريها على والدتك. هذا مع الاهتمام بجعلها تعبر عن مكنونات نفسها، وكذلك إن أمكن أن يكون لها بعض الأنشطة الحسنة اللطيفة كالمشاركة في حلقة تجويد لكتاب الله عز وجل وكالمشاركة الاجتماعية وكذلك النزهة البريئة اللطيفة وكذلك رياضة المشي ونحوها من الأمور التي تعين على التفريغ عن طاقاتها النفسية، ونود أن تعيدي الكتابة إلى الشبكة الإسلامية بعد ثلاثة أسابيع لمتابعة التواصل معك مع إمدادنا بالنتائج والثمرات التي توصلتم إليها معها لنمدك بمزيد من الإرشاد والتوجيه، مع التكرم بالإشارة إلى رقم هذه الاستشارة، ونسأل اللهَ لكم التوفيق والسداد وأن يشفيها ويعافيها وأن يبارك فيك ويحفظك ويجزيك كل خير على سعيك هذا. وبالله التوفيق.