أسباب تشوهات الكروموسومات في الأجنة وحكم إجهاض الجنين المشوه بها
السؤال :
السلام عليكم.
أنا متزوجة منذ خمس سنوات، وقد رزقت بطفل، ولكن بعد فترة قصيرة لاحظت أنه ليس طبيعياً، فأخذته إلى الطبيب، فقال لي: إنه مريض، وعنده خلل في الصبغي (17)، وبعد خمسة أشهر توفي ولدي رحمه الله، وبعده حملت وأجهضت في الشهر السادس، ولا أعرف السبب في ذلك، وكان الجنين أنثى، وحملت بعدها بولد، وكان طبيعياً، ولا يوجد عنده أي أمراض ولله الحمد.
ومنذ ستة أشهر ولدت فتاة ولم تكن طبيعية، وقال لي الدكتور: إن عندها خللاً في الصبغي (19)، وهي لا تستطيع فعل الأشياء التي يفعلها الأطفال في عمرها، والآن أخاف من أن أحمل مرة أخرى خشية أن يكون المولود ليس طبيعياً، فهل هناك طريقة لمنع حدوث هذا الخلل في الصبغيات أو هذه التشوهات؟ وقلبي يتقطع على ابنتي، فهل هناك علاج لمرضها؟ وكيف نعرف سبب هذه التشوهات؟ وهل هي وراثية؟ وهل يوجد احتمال كبير في تكرار هذا التشوه؟ وما هي نسبته؟
وجزاكم الله خيراً.
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ الصابرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فعليكم بالصبر على الابتلاء، ونحن لا نعرف من أين يأتي الخير، فقد يكون البلاء والصبر عليه والاحتساب طريقاً للجنة، نسأل الله أن يكتبها لكم ولنا جميعاً.
وبالنسبة لحدوث التشوهات بالصبغيات أو الكروموسومات فأسبابها أن أحد الأبوين قد يحمل عيباً في الصبغيات، لكنه لا يظهر عليه أي أعراض، وينتقل للأبناء؛ لذلك يجب عمل تحليل للصبغيات لكل من الأب والأم (Karyotyping).
ومن الممكن أن يكون هذا العيب الصبغي في بويضات الأم فقط أو الحيوانات المنوية الخاصة بالأب فقط، وقد ينتج هذا من تعرض أحدهما لطفرة وراثية أثناء تكوين الأعضاء التناسلية فتغيرت الخلايا بهذه الأعضاء فقط، وقد يحدث هذا أيضاً أثناء تكوين الجنين وتعرض خلاياه لطفرة وراثية أثناء التكوين.
وعموماً فإن الأسباب كثيرة، وما يمكن تقديمه من علاج للطفل أو الطفلة المصابة ليس علاجاً شافياً، وإنما علاج لما يوجد من أعراض للإصابة بالمتلازمة الوراثية، وقد لا نستطيع في أحيان كثيرة حل تلك المشكلات التي تكون معقدة وصعبة على الطب.
وما يمكن عمله هو تشخيص هذه العيوب في مرحلة الجنين أثناء الحمل، وعمل إجهاض في مرحلة مبكرة إذا اكتشف العيب (سيفيدك المستشار الشرعي عن حكم ذلك)، ويتم هذا بعمل تحليل السائل الأمنيوزي حول الجنين وعمل فحص للصبغيات الخاصة بالجنين فيما يسمى بـ(ِAminocentesis) أو (Chrionic villous sampling).
وهناك طريقة أخرى لعمل تخصيب للجنين في أنبوبة، وعندم يصل لمرحلة (16) خلية يتم أخذ خلية بطريقة ما وعمل تحليل صبغيات، وفي حالة كونها سليمة يتم زرع الجنين في رحم الأم، وهذا يسمى (Preimplantation).
وأنتم تحتاجون لاستشارة وراثية بعد عمل تحليل الصبغيات لك ولزوجك، وعلى حسب ما يمكن تقديمه لك من إمكانات في التقنيات الوراثية المتاحة في المكان الذي أنت فيه، وعليكم بالصبر والله هو اللطيف الخبير.
وبالله التوفيق والسداد.
انتهت إجابة الدكتور حاتم حمدي الكاتب، تليها إجابة الشيخ أحمد الهنداوي المستشار الشرعي للرد على الجانب الشرعي.
___________________________________
فإنك قد اخترت اسماً في هذه الاستشارة ليكون معبراً عن حالك (الصابرة)، فما أحسنه من اسم -يا أختي- أن تكوني من الذين قال تعالى فيهم: (( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ))[البقرة:155-157]، فأنت -بإذن الله عز وجل- محتسبة عند ربك جل وعلا، وحتى ما وقع لك من الإجهاض بعده، كل ذلك من الأمور التي يُبتلى بها المؤمن ولك فيها الأجر العظيم، فقد قال -صلوات الله وسلامه عليه-: (من يرد الله به خيراً يُصبْ منه) أخرجه البخاري في صحيحه، وخرج مسلم في صحيحه عن النبي -صلوات الله وسلامه عليه-: أنه قال: (عجباً لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
فنسأل الله أن يزيدك من فضله وأن يأجرك خير الأجر على هذا الصبر، وكذلك في شأن هذه البنية - حفظها الله تعالى ورعاها – فالأمل بالله عظيم أن يتحسن حالها، وما عليك إلا بالدعاء والصبر، وبذل الأسباب الممكنة في ذلك.
وأما عن السؤال الذي أشار إليه الطبيب المختص الفاضل - حفظه الله تعالى ورعاه – وهو فحص الجنين في حال حمله، فإذا ثبت فيه بعض التشوهات فهل يجوز إسقاطه أم لا؟
فالجواب: أن هذا الأمر في تفصيل، فإذا ثبت التشوه في الجنين بحيث كان تشوهاً واضحاً مؤثراً، كالتشوه الذي يؤدي إلى الخلل العقلي أو التشوه الواضح البيِّن في بعض الأعضاء الأخرى؛ فهذا التشوه الشديد يصح أن يكون عذراً معتبراً لإسقاط الجنين في هذه الحالة ولكن بالشروط الآتية:
1- أن يكون عمر الجنين لم يتجاوز مائة وعشرين يوماً؛ لأنه لا يحل أن يسقط الجنين بعد هذه المدة؛ لأنه قد نُفخ فيه الروح.
2- أن يكون ذلك بالتوافق من كلا الزوجين؛ لأنهما والدا هذا الجنين وكلٌ له حق فيه، فإذا حصل التوافق حصل المقصود في هذا بإذن الله عز وجل، وإذا اعترض أحد الزوجين فله ذلك، وله أن يتمسك بحقه في إنجاب هذا الجنين.
3- أن يثبت وجود هذه التشوهات بطريق طبي معتمد، كأن يشهد طبيبان مختصان مأمونان على هذا الأمر، وخير الأمور وأحسنها أن يكون هنالك لجنة طبية في هذه الحالة، فإن توافرت هذه الشروط فلا حرج في هذه الحالة من إسقاط الجنين للضرورة المبيحة لذلك.
ونسأل الله أن يعافيكم من كل هذا وأن يرزقكم الذرية الصالحة، ونوصيكم بهذا الدعاء العظيم: (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ))[الفرقان:74]، وأيضاً نوصيك -يا أختي- بصلاة الحاجة، وهي صلاة ركعتين نافلتين، ثم بعد ذلك تحمدين الله عز وجل تصلين على النبي صلوات الله وسلامه عليه، وتسألين الله من فضله، فلك أن تسألي الله جل وعلا الذرية الطيبة، كما في دعاء نبي الله زكريا: (( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ))[آل عمران:38]، (( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ))[الأنبياء:89]، وكدعاء عباد الرحمن: (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ))[الفرقان:74]، ومن الدعاء العظيم الذي علمناه -صلوات الله وسلامه عليه-: (اللهم إني أسألك العفو العافية، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي).
ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يزيدك من فضله، وأن يرزقك الذرية الصالحة.
وبالله التوفيق.