شبكة بحوث وتقارير ومعلومات
اليوم: ,Sun 14 Dec 2025 الساعة: 09:24 AM


اخر بحث





- [ مطاعم الامارات ] مطعم شوتا فيلم هندي ... أبوظبي
- [ وسطاء عقاريين السعودية ] عصام ابراهيم احمد ابوالخير ... جازان ... منطقة جازان
- [ تعرٌف على ] محمد مختار باشا المصري
- [ مؤسسات البحرين ] عالم ارجان لمستحضرات التجميل ... المنطقة الشمالية
- [ وسطاء عقاريين السعودية ] محمد عبدالله دبسان السمين ... بيشه ... منطقة عسير
- [ تعرٌف على ] الخط الزمني للعلوم والهندسة في العالم الإسلامي
- [ خذها قاعدة ] أفضل مقياس لنجاح الزوجه , هو صحة زوجها. - مثل انجليزي
- [ جمال ورشاقة الامارات ] هير كت صالون للرجال ... دبي
- [ ثروات طبيعية ] ما هي مصادر الماء
- ابني أصيب بعضة قراض في رأسه منذ سنتين ونصف وتمت ازالته دون مشاكل، ومنذ سنة بدأت عنده حمى متكررة تتكرر كل ثمانية الى عشرة ايام وتستمر في كل مرة يومين،. | الموسوعة الطبية

[ تعرٌف على ] يحيى بن شرف النووي

تم النشر اليوم 14-12-2025 | [ تعرٌف على ] يحيى بن شرف النووي
[ تعرٌف على ] يحيى بن شرف النووي تم النشر اليوم [dadate] | يحيى بن شرف النووي

مولده ونشأته

ولد الإمام النووي في نوى في العَشر الأوسط [أي: 11- 20] من المحرم (وقيل في العَشر الأول [أي: 1- 10من المحرم]) سنة 631هـ، الموافق 16- 26 (تشرين الأول/أكتوبر) 1233، وعاش في كنف أبيه ورعايته، «وكان أبوه في دنياه مستور الحال، مباركاً له في رزقه، فنشأ النووي في ستر وخير وبقي يتعيش في الدكان لأبيه مدةً» كما يقول الذهبي. ولما بلغ النووي من العمر سبع سنين، كان نائماً ليلة السابع والعشرين من رمضان بجانب والده، فانتبه نحو نصف الليل، يقول والده: وأيقظني، وقال: «يا أبتي، ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟» فاستيقظ أهله جميعاً فلم نرَ كلنا شيئاً، قال والده: «فعرفت أنها ليلة القدر». ولما بلغ النووي عشر سنين جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، وفي سنة نيف وأربعين وستمائة مرّ بقرية نوى الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى النووي وهو ابن عشر سنين، والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، يقول الشيخ ياسين: فوقع في قلبي محبته، فأتيت الذي يُقرئه القرآن فوصيته به، وقلت له: «هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به»، فقال لي: «أمنجم أنت؟» فقلت: «لا، وإنما أنطقني الله بذلك»، فذكر ذلك لوالده، فحرص عليه إلى أن ختم القرآن، وقد ناهز الاحتلام. وقد مكث النووي في بلده نوى حتى بلغ الثامنة عشر من عمره، ثم ارتحل إلى دمشق.

كتب عن النووي

غلاف كتاب "المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي" لشمس الدين السخاوي لقد اعتنى العلماء والباحثون قديماً وحديثاً بترجمة الإمام النووي، وأفرده بالترجمة غير واحد في كتب مستقلة، ومنهم: تلميذه علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود ابن العطار الشافعي، في كتاب "تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين". شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، في كتاب "المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي". جلال الدين السيوطي، في كتاب "المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي". محمد بن الحسن اللخمي، في أربع ورقات كما قال السخاوي. كمال الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الشافعي القاهري المعروف بابن إمام الكاملية، في جزء سماه "بغية الراوي في ترجمة الإمام النواوي". أبو الفضل النويري خطيب مكة، في جزء سماه "تحفة الطالب والمنتهي في ترجمة الإمام النووي". شمس الدين محمد بن الفخر عبد الرحمن بن يوسف البعلي. أحمد بن محمد السُّحَيمي المصري الشافعي. عبد الغني الدقر (معاصر)، في كتاب "الإمام النووي: شيخ الإسلام والمسلمين، وعمدة الفقهاء والمحدثين". علي الطنطاوي (معاصر)، في كتاب "الإمام النووي"، ضمن سلسلة أعلام التاريخ. محمود رجا مصطفى حمدان (معاصر)، في أطروحته للدكتوراة بعنوان "الإمام النووي وأثره في الفقه الإسلامي". شحادة حميدي العمري، في أطروحته للماجستير بعنوان "الإمام النووي وجهوده في التفسير". أحمد عبد العزيز قاسم الحداد، في أطروحته للماجستير بعنوان "الإمام النووي وأثره في الحديث وعلومه". يعقوب كوج يغيت، في أطروحته للماجستير بعنوان "محيي الدين النووي: حياته وآثاره ومنهجه في شرح صحيح مسلم". حميد الداودي، له أطروحة بعنوان "الإمام النووي المحدث الفقيه من خلال كتابيه المجموع والمنهاج".

رئاسة دار الحديث الأشرفية

المقالة الرئيسة: دار الحديث الأشرفية تعد دار الحديث الأشرفية أشهر دار في بلاد الشام لعلم الحديث، وقد فتحها الملك الأيوبي الأشرف مظفر الدين موسى بن محمد العادل في ليلة النصف من شعبان سنة 630هـ، وجعل شيخها تقي الدين بن الصلاح، ووقف عليها الملك الأشرف الأوقاف، وجعل بها نعل النبي محمد، ومن شرط واقفها في الشيخ أنه إذا اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قُدّم من فيه الرواية، وظاهرٌ أن من اجتمع فيه الرواية والدراية أولى بمشيختها ممن فيه إحداهما، والمتعارف عليه ألا يلي مشيختها إلا عظيم وقته بالعلم وخصوصاً علمَ الحديث، ومن لُقب بشيخ دار الحديث فقد نال في العلم أجلَّ الألقاب. والظاهر أن النووي لم يطلب رئاسة دار الحديث، بل دفعها عنه، ولم يقبلها إلا بعد جهد، ويدل على ذلك ما كتبه في رسالة لابن النجار حين هدده هذا بإقالته منها قال: «أوما علمتَ لو أنصفتَ كيف كان ابتداءً أمرها؟ أوما كنتَ حاضراً مشاهداً أخذي لها؟». يقول قطب الدين اليونيني: «ونشر بها (أي النووي) علماً جماً، وأفاد الطلبة»، وقال: «والذي أظهره وقدمه على أقرانه ومن هو أفقه منه: كثرة زهده في الدنيا، وعظم ديانته وورعه، وليس فيمن اشتغل عليه من يلتحق به». وقُرئ عليه صحيحا البخاري ومسلم بدار الحديث الأشرفية سماعاً وبحثاً، وقرئ عليه الرسالة للقشيري، وصفة الصفوة، وكتاب الحجة على تارك المحجة لنصر المقدسي بحثاً وسماعاً، يقول ابن العطار: «وحضرت معظم ذلك، وعلقت عنه أشياء في ذلك وغيره، فرحمه الله ورضي عنه». وقال تاج الدين السبكي: قال والدي: «إنه ما دخلها (أي دار الحديث الأشرفية) أحفظ من المزي، ولا أورع من النووي وابن الصلاح»، وقال تاج الدين أيضاً: «ودرّس (أي النووي) بدار الحديث الأشرفية وغيرها ولم يتناول فلساً واحداً».

اسمه ولقبه ونسبه

تقع مدينة نوى شمال غربيّ سهل حوران، وتتبع إدارياً لمحافظة درعا وتبعد عن مدينة دمشق 85 كيلومتراً وعن مدينة درعا 40 كيلومتراً هو أبو زكريا يحيى بن الشيخ أبي يحيى شرف بن مُرِّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حِزام الحزامي النووي، كان هناك من يزعم أن نسبته "الحزامي" إلى الصحابي حزام بن خويلد، وقد صحح ذلك النووي نفسه، فقد ذكر أن بعض أجداده كان يزعم أنها نسبة إلى حزام أبي حكيم الصحابي، قال: «وهو غلط». وأما لقبه: فقد لُقب بمحيي الدين، وكان يكره أن يُلقب به تواضعاً، أو لأن الدين حي ثابت دائم غير محتاج إلى من يحييه، حتى يكون حجة قائمة على من أهمله أو نبذه، قال أبو العباس الإشبيلي: وصح عنه أنه قال: «لا أجعل في حل من لقبني محيي الدين». أما أبوه فهو: شرف بن مُرِّي، كان دُكّانياً بنوى، أي كان له دُكّان يبيع فيها ويشتري، ووصفه تلميذ النووي علاء الدين بن العطار بقوله: «الشيخ الزاهد الورع ولي الله»، وقال الذهبي: «وكان شيخاً مباركاً»، ولما مات سنة 685هـ صُلّي عليه صلاة الغائب، وهذا يدل على شهرة صلاحه، وقد عاش بعد وفاة ابنه تسع سنين وقد جاوز السبعين. يُنسب الناس إلى بلد ما ليتعرفوا به، ونسبة الإمام النووي إلى نوى عكس ذلك، فقد عرفت بلده به، فما ينطلق اسمه على أفواه علماء الفقه والحديث ولا كنيته ولقبه، وإنما تنطلق نسبته فيقولون: "النووي" أو "النواوي"، وكان هو يكتبها بخطه: "النووي". وقد قال الشاعر أبو حفص بن الوردي في بلدة نوى والنووي: لُقّيتِ خيراً يا نوىوحُرستِ من ألم النوى فلقد نشا بكِ زاهدٌفي العلم أخلصَ ما نوى وعلى عداه فضلهفضلَ الحبوب على النوى ونوى كانت في عصر النووي قاعدة الجولان من أرض حوران من أعمال دمشق، وقد نزل "حزام" جد النووي الأعلى فيها على عادة العرب، فأقام بها وصارت له ذرية كثيرة.

ثناء العلماء عليه

أثنى كثير من العلماء والفقهاء والمحدثين والزاهدين على الإمام النووي، فقد وصفه ابن العطار بقوله: «شيخي وقدوتي، الإمام ذو التصانيف المفيدة والمؤلفات الحميدة، أوحد دهره وفريد عصره، الصوّام القوّام، الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، صاحب الأخلاق الرضية والمحاسن السنية، العالم الرباني المتفق على علمه وإمامته، وجلالته وزهده، وورعه وعبادته، وصيانته في أقواله وأفعاله وحالاته، له الكرامات الطافحة، والمكرمات الواضحة، والمؤثر بنفسه وماله للمسلمين، والعالم بحقوقهم وحقوق ولاة أمورهم بالنصح والدعاء في العالمين، مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه، ... قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل، فبعضها للتصنيف، وبعضها للتعليم، وبعضها للصلاة، وبعضها للتلاوة والتدبر، وبعضها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. » وقال الشيخ أبو عبد الرحيم محمد الإخميمي: «كان الشيخ محيي الدين رحمه الله سالكاً منهاج الصحابة رضي الله عنهم، ولا أعلم أحداً في عصرنا سالكاً على منهاجهم غيره». وقال الذهبي: «الشيخ الإمام القدوة، الحافظ الزاهد، العابد الفقيه، المجتهد الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأنام»، وقال ابن كثير: «الشيخ الإمام، العلامة الحافظ، الفقيه النبيل، محرر المذهب ومذهبه، وضابطه ومرتبه، أحد العباد والعلماء الزهاد، كان على جانب كبير من العلم والعمل والزهد والتقشف، والاقتصاد في العيش والصبر على خشونته، والتورع الذي لم يبلغنا عن أحد في زمانه ولا قبله بدهر طويل». وقال الشيخ شمس الدين بن الفخر الحنبلي: «كان إماماً بارعاً حافظاً متقناً، أتقن علوماً جمة وصنف التصانيف الجمة، وكان شديد الورع والزهد، تاركاً لجميع الرغائب من المأكول إلا ما يأتيه به أبوه من كعك وتين»، وأرخه الشيخ قطب الدين اليونيني وقال: «كان أوحد زمانه في العلم والورع والعبادة والتقلل وخشونة العيش، واقف الملك الظاهر بدار العدل غير مرة، فحُكي عن الملك الظاهر أنه قال: أنا أفزع منه». وقال تاج الدين السبكي في ترجمة الإمام النووي: «شيخ الإسلام، أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إِلى سَبِيل السالفين. كَانَ يحيى رَحمَه الله سيداً وَحَصُوراً، وليثاً على النَّفس هصوراً، وزاهداً لم يبال بخراب الدُّنْيَا إِذا صير دينه ربعاً معموراً، لَهُ الزّهْد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة، والمصابرة على أَنْوَاع الْخَيْر، لَا يصرف سَاعَة فِي غير طَاعَة، هَذَا مَعَ التفنن فِي أَصْنَاف الْعُلُوم، فقهاً ومتونَ أَحَادِيث وَأَسْمَاءَ رجال ولغةً وتصوفاً وَغيرَ ذَلِك. » ولعل من أجمع ما قيل في الثناء عليه ما قاله تلميذه الآخر أبو العباس بن فرح: «كان الشيخ محيي الدين قد صار إليه ثلاث مراتب، كل مرتبة منها لو كانت لشخص شدت إليه آباط الإبل من أقطار الأرض، المرتبة الأولى: العلم والقيام بوظائفه، الثانية: الزهد في الدنيا، الثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». ونقل تاج الدين السبكي عن والده تقي الدين السبكي: أنه لما سكن في قاعة دار الحديث الأشرفية في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، كان يخرج في الليل إلى إيوانها ليتهجد تجاه الأثر الشريف، ويُمرغ وجهه على البساط، وهذا البساط من زمان الأشرف الواقف، وعليه اسمه، وكان النووي يجلس عليه وقت الدرس، فأنشدني الوالد لنفسه: وفي دار الحديث لطيفُ معنىعلى بُسط لها أصبو وآوي عساني أن أمس بحُرّ وجهيمكاناً مسّه قدمُ النواوي

وفاته

في الثلث الأخير من ليلة الأربعاء 25 رجب 676 هـ الموافق 22 (كانون الأول/ديسمبر) 1277، [والذي في ترجمته أنه توفي ليلة الأربعاء في 24 من رجب لكن ذلك يصادف ليلة الثلاثاء] توفي الإمام النووي، يقول التاج السبكي: «لما مات النووي بنوى ارتجت دمشق وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون أسفاً شديداً، وأحيوا ليالي كثيرة لسنته». وقال ابن العطار: «... فسار إلى نوى وزار القدس والخليل عليه السلام، ثم عاد إلى نوى، ومرض عقب زيارته لها في بيت والده، فبلغني مرضه فذهبت من دمشق لعيادته، ففرح رحمه الله بذلك، ثم قال لي: «ارجع إلى أهلك»، وودعته وقد أشرف على العافية يوم السبت العشرين من رجب سنة ست وسبعين وستمائة، ثم توفي في ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من رجب، فبينا أنا نائم تلك الليلة إذا منادٍ ينادي على سدة جامع دمشق في يوم جمعة: «الصلاة على الشيخ ركن الدين الموقع»، فصاح الناس لذلك النداء، فاستيقظت فقلت: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، فلم يكن إلا ليلة الجمعة عشية الخميس إذ جاء الخبر بموته رحمه الله، فنودي يوم الجمعة عقب الصلاة بموته، وصلي عليه بجامع دمشق، فتأسف المسلمون عليه تأسفاً بليغاً، الخاص والعام، والمادح والذام». ودُفن الإمام النووي في قريته نوى، وقبره ظاهر يُزار. ومما أُثر من خبره أنه لما دنا أجله ردّ الكتب المستعارة عنده من الأوقاف جميعها. قال قطب الدين اليونيني: «ولما وصل الخبر بوفاته لدمشق، توجه قاضي القضاة عز الدين محمد بن الصائغ وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة على قبره»، قال: «وكان يسأل أن يموت بأرض فلسطين، فاستجاب الله تعالى منه». رثاؤه قال الإمام الذهبي: ورثاه غير واحد، يبلغون عشرين نفساً بأكثر من ستمائة بيت. وممن رثوه أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مصعب، وأول قصيدته: أكتم حزني والمدامع تُبديهلفقد امرئ كل البرية تبكيه ومنهم الأديب نجم الدين أبو العباس أحمد بن عماد الدين محمد بن أمين الدين التغلبي، وأول مرثيته: أعينيّ جودا بالدموع الهواملِوجودا بها كالساريات الهواطلِ ورثاه بعض فضلاء الحنفية وأول مرثيته: مُصاب أصاب القلب والجفن أرّقاوخطب أتى بالحزن والصبر فرّقا ورثاه محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الحنفي الأربلي بقصيدة طويلة أولها: عَزّ العزاءُ وعمّ الحادث الجللُوخاب بالموت في تعميرك الأملُ واستوحشتْ بعدما كنتَ الأنيس لهاوساءها فقدك الأسحار والأصلُ وكنتَ تتلو كتابَ الله معتبراًلا يعتريك على تكراره مللُ قد كنت للدِّين نوراً يُستضاء بهمسدداً فيه منك القولُ والعملُ وكنت في سنّة المختار مجتهداًوأنت باليُمن والتوفيق مشتملُ وكنت زيناً لأهل العلم مفتخراًعلى جديدٍ كساهُم ثوبُك السملُ وكنت أسبغهم ظلاً إذا استعرتهواجرُ الجهل والأظلال تنتقل كساك ربُّك أثواباً مجمَّلةًيضيق عن حصرها التفصيلُ والجملُ أسلى كمالُك عن قومٍ مضوا بدلاًوعن كمالك لا مسلى ولا بدلُ فمثلُ فقدكَ ترتاع القلوبُ لهوفقدُ مثلك جرحٌ ليس يندملُ زهدت في هذه الدنيا وزخرفهاعزماً وحزماً فمضروبٌ بك المثلُ

مؤلفاته

المقالة الرئيسة: قائمة مؤلفات النووي مخطوطة للأربعين النووية في مكتبة تشستر بيتي بإيرلندا مما يميز حياةَ الإمام النووي العلمية غزارةُ إنتاجه، فقد اعتنى بالتأليف وبدأه عام 660هـ، وكان قد بلغ الثلاثين من عمره، وله الكثير من المؤلفات، مع أنه عاش نحو ست وأربعين سنة فقط، فقد ترك من المؤلفات ما لو قُسم على سنيّ حياته لكان نصيب كل يوم كراستين، ولقد حُكي عنه أنه كان يكتب حتى تكل يده فتعجزه، فيضع القلم ثم ينشد: لئن كان هذا الدمعُ يجري صبابةعلى غير سُعدى فهو دمع مُضيّع قال الكمال الأدفوي: «كل ذلك (أي تصنيف مصنفاته) في زمن يسير وعمر قصير»، وقال ابن العطار: «وانتفع الناس بسائر البلاد بتصانيفه، وأكبوا على تحصيل تواليفه، حتى رأيت من كان يشنؤها (يبغضها) في حياته، مجتهداً في تحصيلها والانتفاع بها بعد موته، فرحمه الله ورضي عنه، وجمع بيننا وبينه في جناته». وقد ألف النووي في علوم شتى: الفقه والحديث وشرح الحديث والمصطلح واللغة والتراجم والتوحيد وغير ذلك، وتتميز مؤلفاته بالوضوح وصحة التعبير وانسيابه بسهولة وعدم تكلف، يقول الذهبي: «إن عبارته أبسط من كلامه»، وأسلوبه أسلوب عصره مع عذوبة في الألفاظ، حتى إن ابن مالك النحوي الشهير اشتهى أن يحفظ المنهاج إعجاباً بما يكتب ويؤلف. ومؤلفات النووي ثلاثة أقسام: قسم أنجزه وأتمه، وقسم أدركته الوفاة قبل أن يتمه، وقسم غسل أوراقه أي محاها، وكانوا يغسلونها لأمر ما ولا يتلفونها لحاجتهم إلى ورقها. وما زالت مؤلفاته حتى الآن تحظى باهتمام المسلمين، وينتفعون بها في سائر البلاد. مؤلفات أتمها المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج. روضة الطالبين وعمدة المفتين (في الفقه). منهاج الطالبين وعمدة المفتين (في الفقه). رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين (في الحديث). الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار. التبيان في آداب حملة القرآن. التحرير في ألفاظ التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي (في اللغة). العمدة في تصحيح التنبيه. الإيضاح في المناسك (في الفقه). إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق (في مصطلح الحديث). التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير (في مصطلح الحديث). الأربعون النووية (في الحديث). بستان العارفين (في الرقائق). يعد كتاب شرح صحيح مسلم للنووي أحد أشهر الكتب التي شرحت الصحيحين. مناقب الشافعي. مختصر أسد الغابة (في التراجم). الفتاوى أو المسائل المنثورة. أدب المفتي والمستفتي. وليس هو بكتاب مفرد بل هو قطعة من مقدمة كتاب المجموع أفرده بعضهم بالطبع فاشتهر حديثاً على أنه كتاب مفرد. مسائل تخميس الغنائم. مختصر التذنيب للرافعي. دقائق الروضة. دقائق المنهاج. تحفة طلاب الفضائل (في التفسير والحديث والفقه واللغة). الترخيص في الإكرام والقيام (في الفقه). مختصر آداب الاستسقاء. رؤوس المسائل. مسألة نية الاغتراف. مؤلفات لم يتمها المجموع شرح المهذب لأبي إسحاق الشيرازي (في الفقه). تهذيب الأسماء واللغات (في اللغة والتراجم). قطعة من شرح الوسيط لأبي حامد الغزالي. قطعة من شرح صحيح البخاري. قطعة يسيرة من شرح سنن أبي داود، منشورة باسم: الإيجاز في شرح سنن أبي داود قطعة في الإملاء على حديث الأعمال بالنيات. كتاب الأمالي (في الحديث). الخلاصة في أحاديث الأحكام. مسوّدة من طبقات الفقهاء: وقد بيّضه الحافظ المزي. قطعة من التحقيق (في الفقه): وصل فيه إلى باب صلاة المسافر. تحفة الطالب النبيه (في الفقه). جامع السنة. مهمات الأحكام (في الفقه). الأصول والضوابط (في أصول الفقه). وقد زاد إسماعيل باشا البغدادي في كتابه "هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين" من مؤلفات النووي: الإشارات في بيان الأسماء المهمات في متون الأسانيد، تحفة الوالد ورغبة الرائد، خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام، روح المسائل في الفروع، عيون المسائل المهمة، غيث النفع في القراءات السبع، المبهم من حروف المعجم، مرآة الزمان في تاريخ الأعيان. كتاب المنهاج المقالة الرئيسة: منهاج الطالبين وعمدة المفتين كتاب منهاج الطالبين وعمدة المفتين للنووي. هذا الكتاب في الفقه من أكثر كتب النووي تداولاً بين العلماء والطلبة، اختصره مؤلفه من كتاب "المحرر" للرافعي، وله فيه تصحيحات واختيارات، يقول ابن العطار: وقد حفظه بعد موته خلق كثير. ويقول الشيخ علي الطنطاوي: انتشرت كتب الإمام النووي في الأقطار، وعمّ النفع بها في حياته وبعد مماته، فكتابه المنهاج مثلاً لا يُحصى عدد من حفظه، لحسن اختصاره وعذوبة ألفاظه، وأكثرَ العلماء والناظمون القول في مدحه على ذلك، حتى سارت أقوالهم فيه مسير الأمثال، من ذلك ما قاله البرهان الجعبري: لله دَرُّ إمام زاهد ورعأبدى لنا من فتاوى الفقه منهاجاً ألفاظه كعقود الدر ساطعةعلى الرياض تزيد الحسن إبهاجاً أحيا لنا الدين "محييه" فألبسهبما تنوّع من تصنيفه تاجاً وقال تاج الدين السبكي في أول القطعة التي شرحها منه: «هذا الكتاب في هذا الوقت، هو عمدة الطلبة وكثير من الفقهاء في معرفة المذهب». يقول علي الطنطاوي: «ولا يزال كذلك إلى أيامنا هذه. وقد اشتغل به شرحاً أو تعليقاً أو نظماً أكثرُ من أربعين من فقهاء الشافعية، عدّهم السخاوي، ومن هذه الشروح ما هو موجود معروف، ومنها ما ضاع». رياض الصالحين المقالة الرئيسة: رياض الصالحين يعد كتاب "رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين" للنووي أشهر كتب الحديث النبوي الشريف في الوعظ والاعتبار وأكثرها انتشاراً. وقد جمع فيه النووي ما ذكره في المقدمة، إذ قال: «فرأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة، مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة، ومحصلاً لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعاً للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين: من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك من مقاصد العارفين. وألتزم فيه ألا أذكر إلا حديثاً صحيحاً من الواضحات، مضافاً إلى الكتب الصحيحة المشهورات، وأصدر الأبواب من القرآن العزيز بآيات كريمات، وأوشح ما يحتاج إلى ضبط أو شرح معنى خفي بنفائس من التنبيهات. » الروضة المقالة الرئيسة: روضة الطالبين وعمدة المفتين من الكتب الكبيرة المعتمدة في المذهب الشافعي "الروضة"، اختصرها النووي من كتاب الإمام الرافعي "شرح الكبير"، ولقد أثنى على الروضة الأئمة، فقال الأذرعي: «هي عمدة أتباع المذهب في هذه الأمصار، بل سار ذكرها في النواحي والأقطار، فصارت كتاب المذهب المطول، وإليها المفزع في النقل وعليها المعول، فإليها يلجأ الطالب النبيه، وعليها يعتمد الحاكم في أحكامه والمفتي في فتاويه، وما ذاك إلا لحسن النية وإخلاص الطوية». وقد عُني بالروضة جماعة من العلماء واشتغلوا بها اختصاراً وتعليقاً، ولقد عزم النووي قبل وفاته على غسلها (محوها) كما غسل غيرها، فقيل له: «قد سارت بها الركبان»، فقال: «في نفسي منها أشياء»، وكان يريد مراجعتها وتحريرها فلم يتسع له العمر. شرح صحيح مسلم المقالة الرئيسة: شرح صحيح مسلم يعد كتاب شرح صحيح مسلم للنووي واحداً من أشهر الكتب الإسلامية، حتى قيل: «ما عرف الناس شرحاً لكتاب في الحديث أتقن وأوفى وأبرع - مع اختصار - من كتاب شرح صحيح مسلم للنووي، فإنه لم يدع لقارئه مهما يبلغ علمه سؤالاً في سره أو في علنه إلا ووجد جوابه فيه، من بحث السند إذا كان فيه ما يبحث، ومن لغة وما يتعلق بها، ومن تسمية لما يجهل اسمه، ومن شرح المعنى، ومما يستنبط من الحديث، ومن قال بظاهر الحديث ومن خالف وما حجته، مع فوائد كثيرة وعلوم غزيرة لا تستقصى». ويقول علي الطنطاوي: «وأما شرح مسلم فهو كتاب جليل، لا أعرف في الشروح أجلّ منه إلا شرح ابن حجر على البخاري»، وقال ابن كثير: «إنه جمع فيه شروح من سبقه من المغاربة وغيرهم». وقال السخاوي: «وقد استدرك شيخنا (يعني ابن حجر العسقلاني) على الشيخ مواضع كان غرضُه إقرارَها بالتأليف فما اتفق له، وكان شديد الأدب معه حتى سمعته مراراً يقول: لا أعرف نظيره». المجموع شرح المهذب المقالة الرئيسة: المجموع شرح المهذب كتاب المجموع شرح المهذب للنووي. أما شرح المهذب فقد وُصف بأنه أعظم ما كتب النووي في الفقه، لم يُصنّف في مذهب الشافعية على مثل أسلوبه. قال الإسنوي وابن الملقن: «ليته أكمله ونقصت كتبه كلها». وقال ابن كثير في تاريخه: «إنه لو كمل لم يكن له نظير في بابه، فإنه أبدع فيه وأجاد، وأفاد وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه في المذهب وغيره، والحديثَ على ما ينبغي، واللغة والعربية، وأشياء مهمة، لا أعرف في كتب الفقه أحسن منه. قال: على أنه يحتاج إلى أشياء كثيرة تزداد عليه، وتضاف إليه». وقال العثماني (قاضي صفد): «إنه لا نظير له، ولم يصنف مثله، ولكن ما أكمله ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذ لو أكمله ما احتيج إلى غيره (أي في فقه الشافعية)، وبه عرف قدره واشتهر فضله». وأما الكتاب المطبوع باسم "أدب الفتوى والمفتي والمستفتي" فهو قطعة من مقدمة كتاب المجموع أفرده بعضهم بالطبع فاشتهر حديثاً على أنه كتاب مفرد.

طلبه العلم في دمشق

قدم النووي دمشق سنة 649هـ، إذ قدم به والده أبو يحيى وعمره ثماني عشرة سنة، وكانت مدينة دمشق محجّ العلماء وطلبة العلم من أقطار العالم الإسلامي، وما كان يُرى أنه يمكن أن يستكمل عالم علمه ما لم يؤمَّ إحدى عواصم العالم الإسلامي، وقمر هذه العواصم حينئذ دمشق. وكانت فراسة الشيخ المراكشي في النووي، وبُدوّ النجابة عليه، واشتعال الرغبة فيه لطلب العلم، كل ذلك حدا بأبيه أن يصطحب ولده إلى دمشق ليأخذ العلم عن كبار علمائها. الجامع الأموي في دمشق قديماً كان أول ما اهتم النووي به بعد أن بلغ دمشق أن يصل حبله بأحد العلماء يلازمه ويقرأ عليه، ثم أن يجد له مأوى، ويظهر أن أول ما قصده عند دخوله دمشق جامعها الكبير، وكذلك كانت عادة الغرباء يؤمون قبل كل شيء المساجد، ولقي النووي أول من لقي من العلماء خطيب الجامع الأموي وإمامه الشيخ جمال الدين عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربَعي الدمشقي (المتوفى عام 689هـ)، وما اجتمع إليه حتى عرّفه مقصده ورغبته في طلب العلم، فأخذه وتوجه به إلى حلقة مفتي الشام تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن ضياء الفزاري المعروف بابن الفركاح، فقرأ عليه دروساً وبقي يلازمه مدة، وهذا أول شيخ للنووي. في هذه الفترة التي أمضاها النووي عند شيخه ابن الفركاح يقرأ عليه، لم يكن له موضع يأوي إليه كما يأوي أمثاله من طلبة العلم في المدارس الكثيرة المبثوثة في دمشق، فسأل النووي شيخه ابن الفركاح موضعاً يسكنه، ولكن لم يكن بيد شيخه من المدارس سوى الصارمية، [هامش 1] ولا بيوت لها، فدلّه شيخه ابن الفركاح على الكمال إسحاق بن أحمد المغربي بالرواحية، [هامش 2] فتوجه إليه ولازمه واشتغل عليه، ومنحه الشيخ في هذه المدرسة بيتاً لطيفاً، عجيب الحال، فسكنه واستقر فيه، واستمر فيه حتى مات، قال اليافعي: «وسمعت من غير واحد أنه إنما اختار النزول بها على غيرها لحلها»، إذ هي من بناء بعض التجار، وكان قوته بها جراية المدرسة لا غير، والجراية: خبز يُوزّع على الطلبة كل يوم، بل كان يتصدق منها، ثم ترك تعاطيها. أقام النووي في دمشق نحواً من ثماني وعشرين سنة، ومعنى هذا أنه حين قدم دمشق كان عمره ثماني عشرة سنة. وحين قدمها لم يترك الإقامة بها كل هذه المدة إلا للحج، أو زيارة قبر الإمام الشافعي، أو بلده نوى لصلة أهله، وكل هذه الفترة أمضاها في بيت صغير في المدرسة الرواحية، يتعلّم ويُعلّم ويُؤلف الكتب، إلى أن وافته المنية. حَجّه . ^ المدرسة الصارمية: هي مدرسة داخل باب الجابية قبلي القلعة في حي كان يسمى «حي سيدي عمود» وبانيها هو صارم الدين جوهر، وقد دُرست في زمن بعيد وأصبحت بيوتاً، وحي سيدي عمود كله أحرقه الفرنسيون أيام الثورة السورية سنة 1344هـ، ولا يزال موضعه يقال له الحريقة في هذه الأيام. ^ المدرسة الرواحية: مدرسة مكانها شرقي مسجد ابن عروة الذي هو لصيق الجامع الأموي من ناحية بابه الشرقي شمالي جيرون.

شخصيته وصفاته

الزهد والورع قال ابن العطار: قال لي شيخنا محمد بن عبد القادر الأنصاري: «لو أدرك القشيري صاحب الرسالة شيخكم (يعني النووي) وشيخه (يعني أبا إسحاق إبراهيم بن عثمان المغربي) لما قدّم عليهما في ذكره لمشايخها أحداً، لما جمع فيهما من العلم والعمل والزهد والورع، والنطق بالحكمة وغير ذلك». ويقول الذهبي: «وكان مع تبحره في العلم، وسعة معرفته بالحديث والفقه واللغة وغير ذلك بما قد سارت به الركبان، رأساً في الزهد، قدوةً في الورع»، وقال أيضاً: «كان عديم الميرة والرفاهية والتنعم، مع التقوى والقناعة والورع الثخين، والمراقبة لله في السر والعلانية، وترك رعونات النفس من ثياب حسنة، ومأكل طيب، وتجمل في الهيئة». وقال رشيد الدين إسماعيل بن المعلم الحنفي: «عذلته في عدم دخوله الحمام، وتضييق عيشه في أكله ولباسه وجميع أحواله، وقلت له: «أخشى عليك مرضاً يعطلك عن أشياء أفضل مما تقصده»، فقال لي: «إن فلاناً صام وعبد الله تعالى حتى اخضرّ عظمه»، قال: فعرفت أنه ليس له غرضٌ في المقام في دارنا ولا التفاتٌ لما نحن فيه». ومن ورع النووي أنه كان لا يأكل من فاكهة دمشق، كما اتفق على ذلك من أرخ له، يقول ابن العطار: وسألته عن ذلك فقال: «إنها كثيرة الأوقاف والأملاك لمن هو تحت الحجر شرعاً، ولا يجوز التصرف في ذلك إلا على وجه الغبطة والمصلحة، والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي؟». الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان النووي كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الذهبي: «كان عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وقد أجمع المترجمون له على أنه كان لا يبالي في أمره ونهيه لومة لائم، بل لا يبالي الإهانة والموت، ولا يَكبُر عندَه أحدٌ عن النصيحة، حتى العلماء والأمراء والملوك، يقول ابن العطار: «وكان مواجهاً للملوك والجبابرة بالإنكار، لا يأخذه في الله لومة لائم، وكان إذا عجز عن المواجهة كتب الرسائل، وتوصل إلى إبلاغها». ويقول الذهبي: «وكان يواجه الملوك والظلمة بالإنكار، ويكتب إليهم ويخوفهم بالله تعالى». مناصحته للظاهر بيبرس ومن أشهر قضايا النووي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقوفه في وجه الملك الظاهر بيبرس البندقداري في قضية الحوطة على الغوطة، قال القطب اليونيني: «إنه واقف الظاهر غير مرة بدار العدل بسبب الحوطة على بساتين دمشق وغير ذلك»، وقال ابن كثير: «إنه قام على الظاهر في دار العدل في قضية الغوطة لما أرادوا وضع الأملاك على بساتينها، فرد عليهم ذلك، ووقى الله شرها بعد أن غضب السلطان، وأراد البطش به، ثم بعد ذلك أحبه وعظمه، حتى كان يقول: أنا أفزع منه». عندما خرج الظاهر بيبرس لقتال التتار بالشام طلب فتاوى العلماء بأنه يجوز أخذ مال من الرعية ليستنصر به على قتال العدو، فكتب له فقهاء الشام بذلك، وقتل خلقاً كثيراً من العلماء بسبب إفتائهم له بعدم الجواز، فقال: «هل بقي أحد؟» فقالوا: «نعم، بقي الشيخ محيي الدين النووي»، فطلبه فقال: «اكتب خطك مع الفقهاء»، فامتنع وقال: «لا»، فقال: «ما سبب امتناعك؟» فقال: «أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير بندقدار، وليس لك مال، ثم مَنّ الله عليك وجعلك ملكاً، وسمعت أن عندك ألف مملوك كلهم عنده حياصة من ذهب، وعندك مئتا جارية، لكل جارية حق من الحلي، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود الصوف بدلاً عن الحياصات الذهب وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي، ولم يبق في بيت المال شيء من نقد أو متاع أو أرض، أفتيتك بأخذ المال من الرعية، وإنما يُستعان على الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع آثار نبيه ﷺ»، فغضب السلطان من كلامه وقال: «اخرج من بلدي» يعني دمشق، فقال: «السمع والطاعة»، وخرج إلى نوى، فقيل للملك: «ما سبب عدم قتلك له؟» فقال: «كلما أردت قتله أرى على عاتقه سَبْعَين يريدان افتراسي فأمتنع من ذلك»، أي إن خوفه منه كان بهذه المثابة، وكثيراً ما صرح أنه يخافه. ولما رأى النووي أن المواجهة لم تُجدِ نفعاً عمد إلى الكتابة إليه بأسلوب فيه ترغيب وترهيب، فكتب إليه ووقع معه بعض العلماء، وكان مما كتبه: «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ۝٥٥﴾[الذاريات:55]، وقال تعالى: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ۝٢﴾[المائدة:2]، وقد أوجب الله على المكلفين نصيحة السلطان أعز الله أنصاره، ونصيحة عامة المسلمين، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «الدين النصيحة، لله ولكتابه ورسوله، وأئمة المسلمين وعامتهم»، ومن نصيحة السلطان، وفّقه الله لطاعته وتولاه بكرامته، أن يُنهى إليه الأحكام إذا جرت على خلاف قواعد الإسلام، وأوجب الله تعالى الشفقة على الرعية والاهتمام بالضعفة وإزالة الضرر عنهم، قال الله تعالى: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ۝٨٨﴾[الحجر:88]... وقد أنعم الله تعالى علينا وعلى سائر المسلمين بالسلطان أعز الله أنصاره، فقد أقامه الله لنصرة الدين، والذب عن المسلمين، وأذل له الأعداء من جميع الطوائف، وفتح عليه الفتوحات المشهورة في المدة اليسيرة، وأوقع الرعب منه في قلوب أعداء الدين وسائر المارقين، ومهّد له البلاد والعباد، وقمع بسببه أهل الزيغ والفساد، وأمده بالإعانة واللطف والسعادة، فلله الحمد على هذه النعم المتظاهرة والخيرات المتكاثرة، ونسأل الله الكريم دوامها له وللمسلمين، وزيادتها في خير وعافية آمين. وقد أوجب الله شكر نعمه، ووعد الزيادة للشاكرين، فقال تعالى: ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم﴾، وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة على أملاكهم أنواع من الضرر، لا يمكن التعبير عنها، وطُلب منهم إثبات لا يلزمهم، فهذه الحوطة لا تحل عند أحد من علماء المسلمين، بل من في يده شيء فهو ملكه، لا يحل الاعتراض عليه، ولا يكلف بإثباته. وقد اشتهر من سيرة السلطان أنه يحب العمل بالشرع، ويوصي نوابه به، فهو أولى من عمل به، والمسؤول: إطلاق الناس من هذه الحوطة والإفراج عن جميعهم، فأطلقهم أطلقك الله من كل مكروه...» فغضب السلطان من هذه الجرأة عليه، وأمر بقطع رواتبه وعزله عن مناصبه، فقالوا له: «إنه ليس للشيخ راتب وليس له منصب»، ولما رأى الشيخ أن الكتاب لم يفده، مشى بنفسه إلى السلطان وقابله وكلمه كلاماً شديداً، فأراد السلطان أن يبطش به، «فصرف الله تعالى قلبه عن ذلك وحمى الشيخ، وأبطل السلطان أمر الحوطة، وخلَّص الله تعالى الناس من شرها» على قول المؤرخين المسلمين. صفته الشكلية قال الذهبي في وصف الإمام النووي: «كان أسمر كث اللحية، ربعة مهيباً، قليل الضحك، عديم اللعب، بل جدّاً صرفاً، يقول الحق وإن كان مُراً، لا يخاف في الله لومة لائم»، ووصفه الذهبي أيضاً بأن لحيته سوداء فيها شعرات بيض، وعليه هيبة وسكينة، وقال الإسنوي: «كان في لحيته شعرات بيض، وعليه سكينة ووقار في البحث مع الفقهاء». وأما ملبسه، فيقول الذهبي في "تاريخ الإسلام": «وكان في ملبسه مثل آحاد الفقهاء من الحوارنة لا يؤبه له، عليه شبختانية صغيرة»، وقال في كتاب "تذكرة الحفاظ": «ملبسه ثوب خام، وعمامة شبختانية صغيرة»، وقال أيضاً: «وكان يلبس الثياب الرثة، ولا يدخل الحمام، وكانت أمه ترسل له القميص ونحوه ليلبسه». معيشته كان النووي خشن العيش، قانعاً بالقوت، تاركاً للشهوات، صاحب عبادة وخوف، وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة، وقوته من قِبَل والده، يُجري عليه في الشهر الشيء الطفيف، وكان لا يشرب إلا مرة بالسحر، فقد ترك جميع ملاذّ الدنيا من المأكول، إلا ما يأتيه به أبوه من كعك يابس وتين حوراني، وترك الفواكه جميعها، وكان لا يأكل في اليوم والليلة سوى أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، وإذا شرب فلا يشرب الماء المبرد. قال ابن العطار: «ورأيت رجلاً من أصحابه قشر خيارة ليطعمه إياها، فامتنع من أكلها وقال: أخشى أن ترطب جسمي وتجلب النوم»، وقال السخاوي: «ونحوه عدم تعاطيه البلح على عادة الدمشقيين». والمشهور أن الإمام النووي لم يتزوج قط.

شرح مبسط

أبو زكريا يحيى بن شرف الحزامي النووي الشافعي (631هـ-1233م / 676هـ-1277م) المشهور باسم "النووي" هو مُحدّث وفقيه ولغوي مسلم، وأحد أبرز فُقهاء الشافعية، اشتهر بكتبه وتصانيفه العديدة في الفقه والحديث واللغة والتراجم، كرياض الصالحين والأربعين النووية ومنهاج الطالبين والروضة، ويوصف بأنه محرِّر المذهب الشافعي ومهذّبه، ومنقّحه ومرتبه، حيث استقر العمل بين فقهاء الشافعية على ما يرجحه النووي. ويُلقب النووي بشيخ الشافعية، فإذا أُطلق لفظ "الشيخين" عند الشافعية أُريد بهما النووي وأبو القاسم الرافعي القزويني.[2][3]

شاركنا رأيك