تم النشر اليوم [dadate] | مفهوم شعر النقائض: مع نماذج من القصائد الشعرية

أمثلة من شعراء النقائض وأشعارهم

كان الشعراء يتتبعون تاريخ من يتعرضون له بالهجاء من خلال معرفة تفاصيل حياته وأشعاره حتى يتم لهم السخرية والتهكم من نقاط الضعف، سواء كانت نقاط الضعف ألقابًا أو أحداثًا، ومن أمثلة ذلك ما قاله جرير للأخطل: بكى دوبل لا يرقئ الله دمعه.. ألا إنما يبكي من الذل دوبل، فقال الأخطل: والله ما سمتني أمي دوبلا إلا يومًا واحدًا – فمن أين سقط إلى الخبيث (يعني من أين عرف جرير؟).وبعد أن قال المشركون شعر الهجاء في المسلمين، التمس المسلمون من شعرائهم أن يردوا على هذا الهجاء، ففي الحديث الشريف بصحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اهْجُوا قُرَيْشًا، فإنَّه أشَدُّ عليها مِن رَشْقٍ بالنَّبْلِ فأرْسَلَ إلى ابْنِ رَواحَةَ فقالَ: اهْجُهُمْ فَهَجاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ، فأرْسَلَ إلى كَعْبِ بنِ مالِكٍ، ثُمَّ أرْسَلَ إلى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، فَلَمّا دَخَلَ عليه، قالَ حَسّانُ: قدْ آنَ لَكُمْ أنْ تُرْسِلُوا إلى هذا الأسَدِ الضّارِبِ بذَنَبِهِ، ثُمَّ أدْلَعَ لِسانَهُ (أي أخرجه عن الشفتين) فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فقالَ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لأَفْرِيَنَّهُمْ بلِسانِي فَرْيَ الأدِيمِ (أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد)، فقالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا تَعْجَلْ، فإنَّ أبا بَكْرٍ أعْلَمُ قُرَيْشٍ بأَنْسابِها، وإنَّ لي فيهم نَسَبًا، حتّى يُلَخِّصَ لكَ نَسَبِي فأتاهُ حَسّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، قدْ لَخَّصَ لي نَسَبَكَ، والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لأَسُلَّنَّكَ منهمْ كما تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ العَجِينِ. قالَتْ عائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ لِحَسّانَ: إنَّ رُوحَ القُدُسِ لا يَزالُ يُؤَيِّدُكَ، ما نافَحْتَ عَنِ اللهِ ورَسولِهِ، وقالَتْ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: هَجاهُمْ حَسّانُ فَشَفى واشْتَفي. قالَ حَسّانُ هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فأجَبْتُ عنْه… وعِنْدَ اللهِ في ذاكَ الجَزاءُ هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا… رَسولَ اللهِ شِيمَتُهُ الوَفاءُ فَإنَّ أبِي ووالِدَهُ وعِرْضِي… لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ ثَكِلْتُ بُنَيَّتي إنْ لَمْ تَرَوْها… تُثِيرُ النَّقْعَ مِن كَنَفَيْ كَداءِ يُبارِينَ الأعِنَّةَ مُصْعِداتٍ… على أكْتافِها الأسَلُ الظِّماءُ َظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ… تُلَطِّمُهُنَّ بالخُمُرِ النِّساءُ فَإنْ أعْرَضْتُمُو عَنّا اعْتَمَرْنا… وكانَ الفَتْحُ وانْكَشَفَ الغِطاءُ وَإِلّا فاصْبِرُوا لِضِرابِ يَومٍ… يُعِزُّ اللَّهُ فيه مَن يَشاءُ وَقالَ اللَّهُ: قدْ أرْسَلْتُ عَبْدًا… يقولُ الحَقَّ ليسَ به خَفاءُ وَقالَ اللَّهُ: قدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا… هُمُ الأنْصارُ عُرْضَتُها اللِّقاءُ لَنا في كُلِّ يَومٍ مِن معدٍّ… سِبابٌ، أوْ قِتالٌ، أوْ هِجاءُ فمَن يَهْجُو رَسولَ اللهِ مِنكُمْ… ويَمْدَحُهُ ويَنْصُرُهُ سَواءُ وَجِبْرِيلٌ رَسولُ اللهِ فِينا… ورُوحُ القُدُسِ ليسَ له كِفاءُ ومن معاني أبيات الشعر لحسان بن ثابت (أدلع لسانه) أي أخرجه عن الشفتين يقال دلع لسانه وأدلعه ودلع اللسان بنفسه (لأفرينهم بلساني فري الأديم) أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد (فشفى واشتفى) أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ودافع عن الإسلام والمسلمين (هجوت محمدا برا تقيا) فالبر الواسع الخير والنفع وهو مأخوذ من البر بكسر الباء وهو الاتساع في الإحسان وهو اسم جامع للخير وقيل البر هنا بمعنى المتنزه عن المآثم وأما الحنيف فقيل هو المستقيم والأصح أنه المائل إلى الخير وقيل الحنيف التابع ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم (شيمته الوفاء) أي خلقه (فإن أبي ووالده وعرضي) عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف وقال غيره عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم من نفسه وأسلافه وكل ما لحقه نقص يعيبه (وقاء) هو ما وقيت به الشيء (ثكلت بنيتي) الثكل فقد الولد وبنيتي تصغير بنت فهو بضم الباء وبكسر الباء لأنه قال وبنيتي أي نفسي (تثير النقع) أي ترفع الغبار وتهيجه (كنفى كداء) أي جانبي كداء وكداء ثنية على باب مكة، (لنا في كل يوم من معد) لنا يعني معشر الأنصار وقوله من معد يريد قريشا لأنهم عدنانيون (ليس له كفاء) أي ليس له مماثل ولا مقاوم.

مفهوم النقائض وأشعارها

النقائض هي جمع لكلمة نقيض، وفي اللغة النقض بمعنى الهدم للبناء، وأيضًا بمعنى الإبطال سواء للأحكام السابقة بإلغائها كما في محكمة النقض أو للمعاهدات بإبطالها، وأشعار النقائض تكون إشهارًا للمدح بغرض المناصرة للقبيلة أو الأمراء أو الخلفاء مع التفاخر بأيام البطولات والانتصارات، مع ذم خصومهم بالهجاء والهجوم عليهم بعبارات لاذعة ولغة سهلة وواضحة يسهل تناقلها بين الناس مع التذكير بالنقائص من الأفعال والأقوال التي تنال من اعتبار الخصوم، سواء كانت الأشعار نقلًا عن مقالات السابقين من الشعراء في هجاء الخصوم أو مبادرة من الشاعر في هذا الهجاء، وكثيرا ما كان يحدث تبادل للهجاء بين الشعراء، فكانت المقولة الحاضرة في هذه المواقف – إذا رماك ناقص بمذمة.. فهي شهادة لك بالكمال.

خصائص القصيدة في شعر النقائض

قصائد قصيرة ومباشرة وتعتمد على العصبية والتحزب والاستقطاب مع حدة العبارة واقتباسها للعبارات المتداولة بالمجتمع بلغة العصر في عصر الجاهلية وفي العصر الإسلامي في فترة البعثة النبوية والخلافة الرشيدة وما بعدها في العصرين الأموي والعباسي، ويتضمن الشعر أحداثًا تكون سببا للتفاخر لصالح الحلفاء بينما تكون مادة للهجاء ضد الخصوم، مع استخدام الشعراء لنفس الوزن والقافية لإثبات قدراتهم في استخدام نفس الموسيقى الشعرية لنقض شعر الخصوم بالتفاخر وبالهجاء، ولقد كان شعر النقائض سببًا في قتل بعض الشعراء بالسيف، ومن أمثلة هؤلاء الكميت بن زيد الذي أنشد شعرا يهجو فيه يوسف الثقفي فقتله ضربا بالسيف، ومن صور الهجاء استدعاء أحداث الفرار والهزائم و مواقف الخضوع والانكسار، فكانت هذه القصائد بمثابة مبارزات بين الشعراء.