شبكة بحوث وتقارير ومعلومات
اليوم: ,Mon 15 Dec 2025 الساعة: 01:30 AM


اخر بحث





- [ مؤسسات البحرين ] كاد ورلد للتجارة ... منامة
- [ مرض السكري ] ما هي أعراض ارتفاع نسبة السكر في الدم
- [ مؤسسات البحرين ] لمسة اللمعة أعمال الهدم وتحضير المواقع ... المنطقة الشمالية
- | الموسوعة الطبية
- [ تعرٌف على ] مكتب تنسيق البعثات (الإمارات)
- هل التحميلة ممكن أن تفض غشاء البكارة في الطفلة إذا أدخلت بالخطأ؟
- | الموسوعة الطبية
- [ أركان الإسلام والإيمان ] 10 معلومات عن العشرة المبشرين بالجنة
- [ متاجر السعودية ] مؤسسة وارق للقرطاسية ... الدلم ... منطقة الرياض
- [ وسطاء عقاريين السعودية ] فيصل محمد عبده حمدي ... ابو عريش ... منطقة جازان

[ تعرٌف على ] ابن حجر العسقلاني

تم النشر اليوم 15-12-2025 | [ تعرٌف على ] ابن حجر العسقلاني
[ تعرٌف على ] ابن حجر العسقلاني تم النشر اليوم [dadate] | ابن حجر العسقلاني

وفاته

مرضه ووفاته بدأ المرض بالحافظ ابن حجر في ذي القعدة سنة 852هـ، ومع مرضه إلا أنه كان يواصل أعماله ويحضر مجالس الإملاء وهو ضعيف الحركة، يكتم عن الناس وعكه، وخشي الأطباء أن يناولوه مسهلًا لأجل سنه، فأشير «بلبن الحليب»، فتناوله، فلانت الطبيعة قليلًا، وأدى ذلك إلى نشاط يسيرٍ ونوع خِفَّة، ثم عاد الكتمانُ، وتزايد الألمُ بالمعدة، ولم يستطع أن يؤدي صلاة الأضحى الذي صادف يوم الثلاثاء، وهو الذي لم يترك صلاة جمعة ولا جماعة، وصلى الجمعة التي تلي العيد، وكان آخر ما سمع عليه فضل ذي الحجة لابن أبي الدنيا يوم عرفة، وتوجه إلى زوجته الحلبية، وقد احس بدنو أجله، فاعتذر عن انقطاعه عنها، واستعطف خاطرها واسترضاها، وكان يقول: «اللهم حرمتني عافيتك، فلا تحرمني عفوك»، ثم ينشد: ثاءُ الثَّلاثينَ قد أوهت قُوى بَدَنيفكيف حاليَ في ثاء الثمانينا وقد تزايد المرض واشتد به، وتردد إليه الأطباء، وهرع النَّاسُ مِنَ الأمراء والقُضاة والعلماء والمباشرين والطَّلبة لعيادته، وممَّن حضر إليه: الأمير دولات باي، والقاضي وليُّ الدِّين السَّفطي، والبدر العيني، والقاضي سعد الدين بن الديري. وفي يوم الثلاثاء 14 ذي الحجة، اشتد عليه مرضه، وصار يصلي الفرض جالسًا، وترك قيام الليل، ثم تتابع عليه الصرع من يوم الأربعاء إلى أن توفي ليلة السَّبت في أواخر شهر ذي الحجة سنة 852هـ. وقد اختلف مترجموه في تحديد تاريخ يوم وفاته، كما اختلفوا في تحديد يوم ولادته، مع اتفاقهم على أن وفاته كانت ليلة السبت من ذي الحجة، إلا أنهم اختلفوا أي سبت هو، فقال بعضهم كانت وفاته في الثامن والعشرين من ذي الحجة، وقال آخرون في التاسع عشر منه، وذهب فريق ثالث إلى أن وفاته كانت في الثامن عشر من ذي الحجة.[100][101] جنازته كانت جنازته مشهودة، لم يكن بعد جنازة ابن تيمية أحفل منها،[102] قال السخاوي: «وكانت ساعة عظيمة، وأمرًا مهولًا، ووقع النَّوْحُ في سائرِ النَّواحي مِنْ أصناف الخلق، حتَّى مِنْ أهل الذِّمَّة. واجتمع في جنازته مِنَ الخلق مَنْ لا يحصيهم إلا اللَّه عز وجل، بحيث ما أظن كبير أحد مِنْ سائر النَّاس تخلَّفَ عَنْ شهودها. وقفلت الأسواقُ والدَّكاكين، ويقال: إنَّه حُزِرَ مِنْ مشى في جنازته بنحو خمسين ألف إنسان، وعندي أنَّه لا يتهيأ حصرُهم، ولا يُدْرَك حدُّهم».[103] وشيعته القاهرة كلها وحمل نعشه إلى مصلى المؤمني حيث أمر السلطان جقمق بأن يحضر إلى هناك، ومشى في جنازته الخليفة سليمان المستكفي بالله، والقضاة، والعلماء، والأُمراء، والأعيان بل غالب الناس، حَتَّى قيل عن بعض الأذكياء أنه حزر من مشى في الجنازة أكثر من خمسين ألف إنسان.[104] ولما وصلت جنازته المصلى أمطرت السماء على نعشه مطراً خفيفاً، ولم يكن زمان مطر، وفي هذه الواقعة يقول الشِّهابُ المنصوري:[105] قد بكَتِ السُّحْب على قاضي القضاة بالمطَرْ وانهدم الركنُ الذيكان مشيدًا من حجَرْ وتقدم ليصلي عليه صلاة الجنازة الخليفة العباسي سليمان المستكفي بالله، بإذن من السلطان جقمق، وقيل صلى عليه قاضي القضاة علم الدين البلقيني.[106] وبعد الصلاة حُملت الجنازة إلى المحل الذي عُيِّنَ لدفنه، في القرافة الصغرى، وتزاحم الأُمراء والأكابر على حمل نعشه، وكان ممن حمله السلطان جقمق، ومشى إِلى تربته من لم يمش نصف مسافتها قطّ،[107] وانتهوا إلى تُربة بني الخرُّوبي المقابلة لجامع الدَّيملي، فدفن بين مقام الشافعي، ومقام الشيخ مسلم السلمي.[108] وصُلي عليه صلاة الغائب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، في مكة، وبيت المقدس، وحلب، والخليل، وغيرها من بلاد المسلمين.[106] وصيته ترك ابن حجر عدَّةُ وصايا، اعتمدوا الأخيرة منها، وقد نقل السخاوي نصها عن سبطه يوسف بن شاهين، ومما ورد فيها أنه أوصى لطلبة الحديث النبوي والمواظبين على حضور مجالس الإملاء بجزء من تركته، حيث قال ما نصه:[109] وقد أوصيتُ لكلٍّ مِنْ طلبة الحديث النَّبويِّ المتحقِّقين بطلبه والاشتغال به أكثر مِنَ الاشتغال بغيره مِنْ سائر العلوم الدينيَّة ممَّن شهد لهم بذلك جماعة أهل العلم بالحديث، وهم: القاضي نور الدِّين ابن سالم، وبرهان الدين البقاعي، وتقي الدين القلقشندي، ونجم الدِّين عمر بن فهد المكي، وقطب الدين الخَيضري، وشمس الدين بن قمر إمام المدرسة الرُّكنية بَيبرس، ومحمد بن عبد الرحمن السَّخاوي، وفخر الدين عُثمان الدِّيمي، وزين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي، بمائتي دينار، تقسم بينهم بالسَّويَّة، ولكلِّ مَنْ كان يواظبُ مجلس الإملاء بالسوية بينهم مائة دينار، ولكل مِنْ كان يتعاهد ذلك أحيانًا وأحيانًا منهم مائة دينار بينهم بالسَّوية، يقدَّمُ الأحوجُ فالأحوج. مراثيه أفرد «شمس الدين السخاوي» في «الجواهر والدرر» فصلاً مهماً للشعراء الذين رثوا شيخه ابن حجر، ومن هؤلاء الشعراء:[110] يوسف بن شاهين الكركي سبط ابن حجر، وبرهان الدين البقاعي، ومحيي الدين الكافياجي، وأبو هريرة عبد الرحمن ابن النَّقاش الأصم، والشِّهاب أحمد بن أبي السُّعود المنُوفي، كما رثاه الأديب شهاب الدين الحجازي بقصيدة طويلة تضم أكثر من خمسين بيتاً، مطلعها: كلُّ البَريَّةِ للمَنِيَّةِ صائرَهوقُفُولُها شَيْئًا فَشَيْئًا سَائِرَهْ النَّفْسُ إنْ رَضِيَتْ بِذَا رَبِحَتْ وإنْلَمْ تَرْضَ كَانَتْ عِنْدَ ذَلِكَ خَاسِرَهْ ورثاه المحب ابن القطان بقصيدة مطلعها: يا دُرَّة فُقِدَت وكانت فاخِرَهْفي بَدءِ خَيْرٍ حُوِّلَت لآخِرَهْ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ جاز أكثَرَه، فَرِد بَحْرَ الفَخَارِ تَصِلْ بِحَارًا زاخِرَهْ ورثاه شهاب الدين المنصوري بقصيدة منها: بكاك العلمُ حتى النحوُ أضحىمع التصريف بعدك في جدال وقد أضحى البديعُ بلا بيانٍوقد سلَفَتْ معانيه الغوالي وقد درَسَتْ دروس العلم حزنًا وقد ضل الجوابُ عن السؤالِ تنكَّرت المعارفُ في عيانيوتمييزي غدَا في سوء حالي وما عوضت من بدل وعطف سوى توليد سُقْمي واعتلالي ولِمْ جنَتِ المَنُون على كرام وجَنْدلتِ الكَمِيَّ بلا قتال فيا قبرًا، ثوى فيه تنهى فقد حُزتَ الجميل مع المجال سقاك الله عينًا سلسبيلًا وأسبَغ ما عليك من الظِّلال

الوظائف التي شغلها

الإملاء دار الحديث الكاملية بالقاهرة. شرع الحافظ ابن حجر في عقد مجالس الإملاء(3) في سنة 808هـ، حيث أملى كتاب «الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع»، من حديثه عن شيوخه، في ستة عشر مجلساً بالشيخونية، وبعضها بمنزله بمصر على شاطئ النيل، باستملاء الشهاب البوصيري. ثم أملى بعدها «عشاريات الصحابة المسماة بالإصابة» بالشَّيخونية أيضًا، وبالمدرسة الجمالية المستجدة برحبة العيد، أول مافتحت، وبالمدرسة المنكوتمرية المجاورة لمنزله، وبالخانقاه البيبرسية، حتَّى استكمل بالأمكنة المذكورة من «العشاريات» المشارِ إليها حوالي مائة مجلس في مدة سنتين. وعندما استقر بالقضاء، عقد مجلسه الحافل للإملاء بالخانقاه البيبرسية في يوم الثلاثاء 8 صفر سنة 827هـ، فأملى بها المجالس المطلقة التي لم يتقيِّد فيها بكتاب، بل في الغالب يحرِصُ على المناسبات في الأزمان والوقائع، ثمَّ شرع في إملاء تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في «مختصر ابن الحاجب الأصلي» حتى أكمله في يوم الثلاثاء 17 رجب سنة 836هـ وبلغ عدد مجالسه 230 مجلسا في مجلد واحد. ولم تقتصر أماليه على مصر، ففي أثناء وجوده بدمشق - صحبة الملك الأشرف - عقد مجلساً حافلاً بجامع بني أمية في يوم الثلاثاء 16 شعبان سنة 836هـ، باستملاء برهان الدين العجلوني، كما أملى بحلب سبعة مجالس باستملاء القاضي نور الدين علي بن سالم المارديني، ابتدأ فيها يوم الثلاثاء 15 رمضان من السنة المذكورة وختمها يوم الثلاثاء 12 ذي القعدة من السنة نفسها. وبعد عودته إلى مصر شرع في إملاء تخريج أحاديث «الأذكار» للنَّووي بالمدرسة البيبرسية، وكان الابتداء بها في يوم الثلاثاء 7 صفر سنة 837هـ، واستمر بالإملاء قبيل وفاته، وكان آخر مجلس أملاه سنة 852هـ. بدار الحديث الكاملية، وجملة ما أملاه 1150 مجلساً، وبلغت عدد مجلدات ما أملاه عشرة مجلدات، أملاه من حفظه مهذبة محررة متقنة، وقد أشار هو إلى أماليه في بعض قصائده التي نظمها قبل وفاته بقوله: يقول راجي إله الخلق أحمدمن أملى حديث نبيِّ الحقِّ متَّصلا تدنُو مِنَ الألف إن عُدَّت مجالسه فالسُّدْسُ منها بلا قيدٍ لها حَصَلا يتلوه تخريجُ أصل الفقه يتبعُهاتخريجُ أذكارِ ربِّ قد دنا وعلا التدريس عَنيّ ابن حجر عناية فائقة بالتدريس واشتغل به ولم يكن يصرفه عنه شيء حتى أيام توليه القضاء، وغلب عليه تدريس عدة فنون، أشهرها: التفسير: اشتغل ابن حجر بتدريس التفسير بالمدرسة الحسنيَّة، والقبة المنصورية. الحديث: درّس ابن حجر الحديث بشتي علومه حتى اشتهر به وغلب عليه، ولقد كثرت المدارس التي تولى تدريس الحديث فيها. وكانت الشيخونية هي أوَّل مكان ولي فيه تدريس الحديث، بأمر السلطان فرج بن برقوق وذلك في شوال سنة 808هـ، يليها قبة الخانقاه البيبرسية، والمدرسة الجمالية المستجدَّة، والجامع الطُّولوني، والقبة المنصورية، كما ولي مشيخة الحديث بالمدرسة الزينية سنة 851هـ، ومشيخة إسماع الحديث بالمدرسة المحمودية، وولي أيضًا مشيخة دار الحديث الأشرفية بدمشق. الفقه: درّس ابن حجر الفقه بالشيخونية، والمدرسة الشَّريفية الفخرية، والكهاريَّة، وولي تدريس فقه الشافعية بالمؤيدية أوَّل ما فُتحت في ثالث جمادى الأولى سنة 822هـ، كما درّسه بالمدرسة الخروبية البدرية بمصر، والصَّالحية النجمية، والمدرسة الصلاحية المجاورة لقبة الإمام الشافعي. وكانت طريقته في إلقاء الدروس متميزة عن أقرانه ويظهر فيها جانب الابداع بالنظر لما يثيره من مسائل تقوم على الاستنباط، والتشكيك، والنقد، وقد وصفه تلميذه السخاوي فقال:«إليه المنتهى في إلقاء الدروس على طريقةٍ لم أر نظيرهُ فيها، ويأتي في كل فن مِنْ بنات فكره استنباطًا واستدراكًا وتشكيكًا بما يُبهر عُلماء ذلك الفن، بحيث يقضون له بالسِّيادة فيه». وكان لايبدأ درسه حتى يقرأ سورة الأعلى، ويصلي على رسول اللَّه ﷺ، ويدعو له وللحاضرين والأئمة الماضين، وقد سُئل عن الحكمة في خصوص سورة الأعلى دُون غيرها، فقال: «قد تبعتُ في ذلك شيخنا العراقي، وفيها من المناسبة قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى، وقوله: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى، وقوله: صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى». الإفتاء والخطابة ولِيَ ابن حجر إفتاء دار العدل سنة 811هـ، واستمرت هذه الوظيفة معه حتى وفاته. واتسمت فتاويه بالإيجاز مع حصول الغرض منها، ولا سيما في المسائل التي لا نقل فيها. وبلغ معدل ماكان يكتبه في اليوم الواحد أكثر من ثلاثين فتيا، وقل أن يمضي له يوم لا يكتب في المجلس الواحد على نحو عشرين فتيا. وصنف ابن حجر كتاباً في الفتاوى سماه «عجب الدهر في فتاوى شهر»، وهو مجلد لطيف يشتمل على ثلاثمائة مسألة أجاب عنها في مدة شهر واحد. ولي أيضًَا الخطابة في الجامع الأزهر سنة 819هـ، عوضاً عن خطيبه تاج الدين بن رزين، ثم تولى الخطابة بجامع عمرو بن العاص، كما كان يخطب بالسطان بجامع القلعة أيام تلبسه بالقضاء، على جاري عادة قضاة الشافعية آنذاك، وكذا خطب بالسُّلطان الأشرف برسباي بالجامع الأموي بدمشق، عندما صحبه في سفرة آمد. أما خُطبه فقد وصفها تلميذه السخاوي فقال: «كان لها صدع في القلوب، ويزداد وهو على المنبر مِنَ المهابة والنُّور والخَفَرِ ما لا أستطيع وصفه، بحيث كنتُ إذا نظرتُ إليه وهو على المنبر، يغلبِنُي البكاء»، كما أسندت إليه وظيفة الوعظ بجامع الظاهر بالحسينية، تلقاها عن الشيخ نور الدين الرشيدي بحكم وفاته. القضاء عُرض على ابن حجر النيابة في القضاء قبل سنة 800هـ، وذلك من قِبل القاضي صدر الدِّين المناوي، إلا أنه امتنع، لأنه حينئذ كان لا يؤثر على الاشتغال بالحديث شيئًا. وفوض إليه الملك المؤيد القضاء بالمملكة الشامية مراراً فأبى وأصر على الامتناع وبالغ في الاستعفاء. إلا أن موقفه من القضاء بداء يتغير تدريجياً نتيجة لإسناد بعض المهام المتعلقة بالقضاء إليه، حيث ولَّاه الملك المؤيد الحُكم في قضية خاصَّة، هي الفصل بين ين الهروي قاضي الشَّافعية آنذاك، وبين خصومه الخليليين والمقادسة. ثم ناب في الحكم عن قاضي القضاة جلال الدين البلقيني مدة طويلة، ثم عن القاضي ولي الدين العراقي. وفي السابع والعشرين من المحرم سنة 827هـ ولي قضاء قضاة الشافعية بالدِّيار المصرية، وذلك بتفويض من الملك الأشرف برسباي بعد انفصال القاضي علم الدين صالح البلقيني، ولم تدم مدة ولايته الأولى هذه في القضاء، فقد صرف نفسه في ذي القعدة من نفس العام. وفي أول رجب من سنة 828هـ أعيد للقضاء واستمر في المنصب هذه المرة إلى أن صرف بعلم الدين صالح البلقيني في صفر من سنة 833هـ، وظل يولّى ثم يُصرف في منصب قاضي القضاة، حتى صرف نفسه في جُمَادَى الثانية سنة 852هـ، بعد زيادة مدد ولايته على إِحْدَى وعشرين سنة، وزهد في القضاء زهدا تَاما لِكَثْرة ما توالى عليه من الأنكاد والمحن بسببه وَصرح بأَنّه لم تبْق في بدنه شَعْرَة تقبل اسم القضاء. وظاف أخرى ولي ابن حجر مشيخة البيبرسية ونظرها، رغب له عن ذلك العلاء الحلبي في سنة 813 هـ، وولي ايضاَ وظيفة خزن الكتب بالمدرسة المحمودية، والإشراف على ما فيها من النوادر، فقد كان بها نحو أربعة آلاف مجلد، وعمل ابن حجر لها فهرستًا على الحروف في أسماء التصانيف ونحوها، وآخر على الفنون، وكان يقيم بها في الأسبوع -غالبًا- يومًا واحداً، وتيسَّر على يده عود أشياء مما كان ضاع منها قبله. وقد رشح أيضًَا لبعض الوظائف فلم يقبلها، منها: التوجه إلى اليمن في الرسلية عن الملك المؤيد شيخ المحمودي، وتولي قضاء دمشق، وتولي قضاء اليمن وكتابة سرها للملك الأشرف إسماعيل بن العباس.

الآراء والمواقف حوله

ثناء الأئمة عليه أثنى على الحافظ بن حجر أشياخه، ومعاصروه من أقرانه، وتلامذته، والأئمة الكبار من بعده. ومن ذلك: ما قاله شيخه الحافظ العراقي: «الشيخ العالمُ والكامل الفاضل، الإمامُ المحدِّثُ، المفيدُ المجيدُ الحافظ المتقن، الضابط، الثقة المأمون، شهاب الدين أحمد أبو الفضل». إلى أن قال:«فجمع الرُّواةَ والشُّيوخ، وميَّز بين النَّاسخ والمنسوخ. وجمع الموافقات والأبدال. وميَّز بين الثِّقات والضعفاء مِنَ الرِّجال، وأفرط بجِدِّه الحثيث، حتى انخرط في سلك أهل الحديث، وحصل في الزَّمن اليسير على علم غزير».[131] وقال تلميذه السخاوي في الجواهر والدرر: «فأما ثناء الأئمة عليه فاعلم أن حصر ذلك لا يستطاع وهو في مجموعه كلمة إجماع».[132] وقال في الضوء اللامع: «شهد له القدماء بالحفظ والثقة والأمانة والمعرفة التامة والذهن الوقاد والذكاء المفرط وسعة العلم في فنون شتى وشهد له شيخه العراقي بأنه أعلم أصحابه في الحديث».[133] وقال أيضاً في الضوء اللامع: «شيخي الأستاذ إمام الأئمة».[134] وقال الحافظ السيوطي: «فريد زَمَانه، وحامل لِوَاء السّنة فِي أَوَانه، ذهبي هَذَا الْعَصْر ونضاره، وجوهره الَّذِي ثَبت بِهِ على كثير من الاعصار فخاره، أَمَام هَذَا الْفَنّ للمقتدين، ومقدم عَسَاكِر الْمُحدثين، وعمدة الْوُجُود فِي التوهية والتصحيح، وَأعظم الشُّهُود والحكام فِي بَابي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح». وقال السيوطي أيضًَا في طبقات الحفاظ: «شيخ الإسلام وإمام الحفاظ في زمانه وحافظ الديار المصرية وحافظ الدنيا مطلقًا قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْفضل». وقال الإمام الشوكاني في البدر الطالع: «الحافظ الكبير الشهير الإمام المنفرد بمعرفة الحديث، وعلله في الأزمنة المتأخرة». وقال: «وتصدى لنشر الحديث، وقصر نفسه عليه مطالعة وإقراءً وتصنيفًا، وتفرد بذلك وشهد له بالحفظ والإتقان القريب والبعيد والعدو والصديق؛ حتى صار إطلاق لفظ الحافظ عليه كلمة إجماع ورحل الطلبة إليه من الأقطار، وطارت مؤلفاته في حياته، وانتشرت في البلاد، وتكاتبت الملوك من قطر إلى قطر في شأنها».[135] وقال عنه برهان الدين الأبناسي: «الشيخ الإمام العلامة، المحدث المتقن المحقق الشيخ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ الإمام العالم صدر المدرسين، مفتي المسلمين أبي الحسن علي الشهير بابن حجر».[136] وقال أبو زرعة العراقي تعليقاً على بعض تخاريج ابن حجر: «وقفت على هذا التَّخريج الذي لا مِثْلَ له. ووقفتُ عند ما تضمنَّه مِنَ المحاسن المُجْمَلة والمفصَّلة، واعترفتُ بأنَّه المجموع الجامع للفوائد،والبحر الحاوي للفرائد، وقضيتُ العجب مما حواه، لمَّا أمعنت النظر فيما رواه. وكيف لا يكونُ بهذه الأوصاف الزاهرة، وهو صادرٌ عَنْ صاحب الفضائل الباهرة، الشيخ الإمام، والسيد الهمام، ذي الأوصاف الحميدة، والمناقب العديدة، جمال المحدثين، مفيد الطالبين، شهاب الدين أبي الفضل، أفاض اللَّه عليه مِنْ فضله، وجمع له بين وابِلِ الخير وطَلِّه. فما هي إلا فوائدُ تُضْبَطُ، وما هو إلا مفيد يُغبط. فلقد ظهرت بهذا التَّخريج فوائده الجمَّة، لما أبدى فيه مِنَ الفوائد المهمة. ولقد سلك طريق السَّلف الماضين، والأئمة المتقدمين، فيا حُسْنَ ما انتقى، ويا عُلُوَّ ما ارتقى. لقد حلَّ هذا الشهاب محل الشُّهب الثواقب، وصار فضله في الخافقين مَسِيرَ الكواكب. فكم له محاسن لا تُنكر، وفضائل لا شاذَّ فيها ولا مُنْكَر».[137] وقال سبط بن العجمي: «وهذا الرَّجلُ في غايه ما يكونُ مِنَ استحضارِ الرِّجال والكلام فيهم. وله مؤلفات كثيره في تراجمهم. وله كتاب "لسان الميزان" كتابٌ حَسَنٌ، فيه فوائد. وله "شرح على البخاري" لم يكمله، نظرت فيه بعضَ نظرٍ. وله أخلاقٌ حسنة، ونوادرُ، وسُكُون، ويستحضر أشياء حسنةً مليحةً. وأمَّا الحديثُ، فله معرفةٌ تامَّةٌ برجاله المتقدمين والمتأخرين بتراجمهم وهو جملة حسنة، لا أستحضر أنِّي رأيتُ مثله في معرفة رجاله المتقدِّم والمتأخِّر».[138] وكتب تقي الدين أبو بكر الدِّجْوي على بعض تخاريج الحافظ ابن حجر ما صورته: «فقد وقفت على هذا التخريج البديع مثالًا، المنيع منالًا، الفائق حسنًا وجمالًا، فلم يدع لقائل مقالًا، إلا أن يقول: (هكذا هكذا وإلا فلا لا). فلقد أُوتي هذا بسطةً في العلم واللَّسْن، وكيف لا؟ وهو الإمام ابن الإمام أبو الفضل بن أبي الحسن. لقد بهر ابنُ حجر بفضله العقولَ والأفكار، كما فاق حَجَرُه الياقوت بل غيره من الحجَّار ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ﴾ البقرة: 74. فإنه جمع فأوعى، وأوعب جمعًا، وأبدع لفظًا ومعنى، وجمع إحسانًا وحُسْنًا. فلو شاهد حسنه الجمالُ المِزِّيُّ، لأطنب في الثناء وأسهب، أو الذهبيُّ، لذهب في الإعجاب كلَّ مذهب، أو ابن عبد الهادي، لاهتدى به واقتفى أثره، أو ابن كثير، لكاثر ببعضه واستكثره. فشكرًا لهذا الإمام شكرًا، فلقد جمَّل مصره، وجدد لها في الحفاظ ذكرًا».[139] وقال القاضي قطب الدين الخيضري: «شيخُنا الإمام، شيخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام، إمام الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، قدوة المحدِّثين، أستاذ المحققين، عُمدة المخرِّجين، علم الناقدين، محطُّ رحال الطالبين، ساقي الظِّماء مِنْ صافي الماء المعين، لأنه البحر الذي لو رآه ابن معين، لصار فيه يعوم، أو البخاري، لكان للشُّرب منه يروم، ولو أدركه الدارقطني لحام حول حماه واستقطنه، أو الطبراني، لم يحلل من رحلته إلا عنده وكان استوطنه، لأنه حاملُ راية أهل الحديث بكَلِّها، وفارس ميادين علومه كُلِّها، لو اجتمع به ابن عساكر، لكان بعسكره مِنْ بعض جُنده، أو ابن مأكولا الأمير، لصار مِنْ أنصاره وذوي رفْدِه، ولو سمع به ابن السَّمعاني، لاستمع إلى كلامه، ولو لحقه ابنُ عبد البرِّ، لأقسم بارًّا أنه لا يتمهَّدُ في أحواله إلا بِدُرِّ نظامه. فهو صاحبُ المصنَّفاتِ التي سارت بها الرُّكبان غربًا ومشرقًا، والمؤلفات التي أضحى بها شهاب سعادته في أفق السماء مُشرقًا. إمام المحدثين، كنز المستفيدين، قاضي القضاة، أبو الفضل شهاب الدين».[140] وقال تقي الدين القلقشندي: «قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حامل لواء سنة سيد الأنام، حافظ العصر، علامة الدهر، بليغُ زمانه، واحدٌ أوانه، حُجَّةُ اللَّه على العباد، مُذِلُّ ذوي الباطل والعناد، بقية المجتهدين، محطُّ رحالِ القاصدين، عَلَمُ المسلمين، محيي سُنَّة سيد المرسلين، بغية الطالبين، وليُّ اللَّه، شيخنا وشيخُ شيوخنا».[141] وقال ابن قاضي شهبة: «بقية العلماء الأعلام، قاضي القضاة، وصاحب المصنفات التي سارت بها الركبان. وقال: وبالجملة فهو إمام زمانه، وحافظ وقته أوانه، وعنده من الذكاء والفطنة وصفاء القريحة ما تحيّر فيه الأمصار».[142] وقال عبد الحي العكبري: «انتهى إليه معرفة الرجال واستحضارهم ومعرفة العالي والنازل وعلل الأحاديث وغير ذلك وصار هو المعول عليه في هذا الشأن في سائر الأقطار».[143] وقال البقاعي: «شيخ الإسلام، وطراز الأنام، عَلَم الأئمة الأعلام، حافظ العصر، وأستاذ الدهر، سلطان العلماء، ملك الفقهاء».[144] وقال ابن العماد في شذرات الذهب: «"شيخ الإسلام علم الأعلام أمير المؤمنين في الحديث حافظ العصر». وكتب تقي الدين الكرماني بخطه على الكراس الأول من كتاب «الأوائل» تصنيف ابن حجر ما نصه:[145] يا كاملًا جمع الفواضلَ والفضائلْمسدَّدًا فاقَ الأواخرَ والأوائلْ بأوائلٍ رتَّبتَها وسردتَهامشحونة طُرًّا بأنواع الدَّلائلْ أبديتَ عِلْمًا للأنام مُنوَّعًاقسمًا لقد فُقْتَ الأوائِلَ بالأوائلْ انتقادات ومآخذ التعصب ضد الحنفية: انتقد أنور شاه الكشميري ابن حجر، وقال أنه متعصب ضد الحنفية، حيث قال: «لا يريد أن ينتفع الحنفية من كلامه ولو بجناح بعوضة. فإن حصل، فذلك بلا قصد منه»، وقال «يتطلب دائمًا مواقع العلل، ويتوخى مواضع الوهن من الحنفية. ولا يأتي في أبحاثه ما يفيد الحنفية. ويقول شيئاً، وهو يعلم خلاف ذلك. ولا يليق بجلالة قدره ذلك الصنيع. وحاشايَ أن أغض من قدر الحافظ ابن حجر الذي يستحقه، وإنما هي حقائق ناصعة، ووقائع ثابتة، يجب على الباحث الناقد أن يعرفها. عفا اللّه عنه، وبدّل سيئاته حسنات».[146] التساهل في تصحيح الأحاديث الحسنة: يرى بعض الباحثين مثل مصطفى إسماعيل السليماني وسامر ناجح سمارة ومحمد خلف سلامة أن ابن حجر كان يتساهل في تصحيح الأحاديث الحسنة، قال مصطفى إسماعيل السليماني: «وأما ابن حجر من جهة تصحيح الأحاديث والكلام عليها: فهو إلى التساهل أقرب، وقد بان لي هذا جليًا عند تحقيقي للفتح، هذا، ومما ينبغي التنبه له أن ما كان عند ابن حجر من تساهل في التحسين فذلك وصف لا ينفرد به ابن حجر، بل يشاركه فيه أغلب المتأخرين، أشار إلى هذا المسلك عند المتأخرين، بل صرح به المعلمي اليماني في الأنوار الكاشفة».[147] التناقض في بعض أحكام الجرح والتعديل: مما يؤخذ على ابن حجر، كثرة تناقضه في أحكامه، يقول صاحب كتاب تحرير التقريب: «ابن حجر يتناقض في أحكامه تناقضًا عجيبًا، فهو يوثِّق الرجل هنا أو يضعِّفه، ويضعفه أو يوثقه في كتاب آخر».[148] الميل إلى التفويض والتأويل في الصفات: يأخذ علماء السلفية على ابن حجر الميل إلى التفويض والتأويل في الصفات في كتابه فتح الباري، وقد ألف علي بن عبد العزيز الشبل كتاب «التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري لابن حجر»،[146] وذكرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في فتوى لها أنه من كبار علماء المسلمين لكنه أخطأ فيما تأوله من النصوص.[149]

مذهبه الفقهي

ذكرت العديد من المصادر التي ترجمت لابن حجر أنه كان شافعي المذهب،[116] وله مؤلفات فقهية في المذهب الشافعي، منها شرح الروضة في الفروع للنووي، وقد اختصر ابن حجر «الروضة»، ثم شرحه، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون.[117] وذكر الكتاني أنه انتقل في آخر حياته إلى المذهب المالكي، قال الكتاني: «ومن الغرائب التي تتعلق بترجمته ما في ثبت الشهاب أحمد بن القاسم البوني: أن الحافظ انتقل في آخر عمره لمذهب مالك قال: كما رأيت ذلك بخطه في مكة المكرمة.» ثم استدرك قائلًا: «ولعل رجوعه في مسألة أو مسألتين.».[118] وكان ابن حجر يجتهد ويُرجح بعض الأقوال الفقهية حتى لو كانت مخالفة لمعتمد المذهب الشافعي، ويظهر ذلك في كتابه فتح الباري، مثل ترجيحاته في مسألة عدد من تنعقد بهم الجمعة، ومسألة الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، وقراءة البسملة مع الفاتحة في الصلاة، ومسألة سجود السهو وموضعه قبل السلام أو بعده، وغيرها من المسائل.[116]

كتب ومؤلفات عنه

ما ألف عنه قديمًا من أهم المصنفات التي أفردت الحافظ ابن حجر بالترجمة:[164] الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر - تأليف: شمس الدين السخاوي جمان الدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، تأليف: ابن خليل الدمشقي. القول المختصر في ترجمة ابن حجر، تأليف: البرزنجي. العجر والبجر في ترجمة ابن حجر، تأليف: سراج الدين البلقيني. ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، تأليف: محمد راغب الطباخ. مختصر الجواهر والدرر في ترجمة ابن حجر للسخاوي، تأليف: الشيخ طاهر الجزائري. ما ألف عنه حديثًا المصنفات والرسائل المعاصرة التي أفردت لبيان مناقبه والترجمة لحياته هي:[164] الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث، لعبد الستار الشيخ. ابن حجر العسقلاني - شيخ الإسلام، لكامل محمد محمد عويضة. التاريخ والمنهج التاريخى لابن حجر العسقلانى، لمحمد كمال الدين عز الدين. جهود ابن حجر اللغوية في فتح الباري، لأحمد علي قائد المصباحي. ابن حجر العسقلانى مؤرخًا، لمحمد كمال الدين عز الدين. ابن حجر العسقلانى، مصنفاته ودراسته في منهجه وموارده في كتابه الإصابة، لشاكر محمود عبد المنعم. القياس عند ابن حجر العسقلاني من خلال كتابه فتح الباري، لسعد علي الحداد (رسالة ماجستير - جامعة أم القرى). منهج ابن حجر في كتابه فتح الباري، جمال أحمد منصور (رسالة دكتوراه). الحافظ ابن حجر العسقلاني وجهوده في علم الجرح والتعديل، لحسين آيات سعيد (رسالة دكتوراه -جامعة القاضي عياض).

عقيدته

. من أحمد بن علي بن محمدبن محمد بن علي الكناني المحتدِ ولجد جد أبيه أحمد لقبواحجرا وقيل بل اسم والد أحمدِ وذهب ابن العماد، وابن تغري بردي إلى أن ابن حجر نسبة إلى آل حجر «قوم تسكن الجنوب الآخر على بلاد الجريد، وأرضهم قابس في تونس اليوم». أبوه: «هو نور الدين علي بن قطب الدين محمد العسقلاني، ثم المصري»، كان مولده في حدود 720هـ، وكان موصوفًا بالعقل، والمعرفة والديانة، والأمانة، ومكارم الأخلاق، ومحبة الصالحين، وقد اشتغل بالتجارة وعكف على الدرس وتحصيل العلوم فتفقه على مذهب الإمام الشافعيّ، وحفظ الحاوي الصغير، وأخذ الفقه عن محمد بن عقيل وأجيز بالإفتاء والتدريس والقراءات السبع، وتطارح مع ابن نباتة المصري والقيراطي، وتبادل معهما المدائح، وقال الشعر فأجاد وله عدة دواوين؛ منها «ديوان الحرم» وهو مدائح نبوية ومكية في مجلدة، وله استدراك على الأذكار للنووي فيه مباحث حسنة. توفي في رجب سنة 777 هـ. أمه: «هي تِجَار ابنة الفخر أبي بكر بن شمس محمد بن إبراهيم الزفتاوي، أخت صلاح الدّين أحمد الزفتاوي الكارميّ»، وقد ماتت قبل زوجها والد ابن حجر بمدة. جده: «هو قطب الدين محمد بن ناصر الدين محمد بن جلال الدين علي العسقلاني»، كان تاجراً، ولم تعفه التجارة عن طلب العلم سمع من جماعة وحصل على إجازات من العلماء، وأنجب أولاداً منهم كمال الدين، ومجد الدين، وتقيّ الدين وأصغرهم وليّ الدين ثم نور الدين علي، وهو والد ابن حجر، الّذي انصرف من بينهم لطلب العلم أما إخوته فكانوا تجّارا.

مصنفاته

المقالة الرئيسة: قائمة مؤلفات ابن حجر العسقلاني ابتداؤه في التصنيف مجلدات فتح الباري شرح صحيح البخاري مصفوفة على أرفف مكتبة. بدأ ابن حجر في التصنيف والتأليف في سنة 796هـ، وهو العام الذي عزم فيه على طلب علم الحديث النبوي وفنونه، وظل يصنف ويؤلف حتى قبيل وفاته، وبسبب هذه البداية المبكرة في التصنيف، زادت مصنفات ابن حجر على 150 تصنيفاً، عدد السخاوي منها في الجواهر والدرر 270 مصنفاً أفردها في قائمة مستقلة،[150] وذكر السيوطي له في نظم العيقان 200 مصنفاً،[151] أما الكَتَّاني فعدد منها في فهرس الفهارس 195 مصنفاً.[152] مخطوطة من كتاب "شرح شرح النخبة (نزهة النظر شرح نخبة الفكر)" لابن حجر العسقلاني. مخطوطة من كتاب "تسديد القوس مختصر مسند الفردوس" بخط مؤلفه ابن حجر العسقلاني. مصنفاته أما تصانيفه فكثيرة جليلة، منها:[150][151] تغليق التعليق طبقات المدلسين = تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس نزهة النظر بشرح نخبة الفكر التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير هدي الساري مقدمة فتح الباري فتح الباري تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة العجاب في بيان الأسباب تهذيب التهذيب تبصير المنتبه بتحرير المشتبه الأمالي المطلقة الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع الأمالي الحلبية الزهر النضر في حال الخضر نزهة الألباب في الألقاب الإيثار بمعرفة رواة الآثار الدراية في تخريج أحاديث الهداية نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين سلسلة الذهب القول المسدد في الذب عن مسند أحمد الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة النكت على كتاب ابن الصلاح تقريب التهذيب بلوغ المرام من أدلة الأحكام الأمالي السفرية الحلبية الإصابة في تمييز الصحابة المعجم المفهرس = تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة زوائد مسند البزار على الكتب السِّتَّة. قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج لسان الميزان النكت الظراف على الأطراف إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي رفع الإصر عن قضاة مصر نظم اللآلي بالمائة العوالي انتقاض الاعتراض في الرد على العيني في شرح البخاري موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر المجمع المؤسس للمعجم المفهرس الأحاديث العشرة العشارية الاختيارية توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية إنباء الغمر بأبناء العمر إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة عوالي مسلم الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف الجواب الجليل عن زيارة الخليل. الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة الغُنْية في مسألة الرؤية الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف تسديد القوس على مسند الفردوس المرحمة الغيثية بالترجمة الليثية تخريج أحاديث الأسماء الحسنى جزء في طرق حديث لا تسبوا أصحابي المطالب العالية التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز المشهور بـ التلخيص الحبير منهجه في التأليف كان الإمام ابن حجر العسقلاني باحثاً مدققاً ومحققاً دقيقاً وكان له منهج متميز في التصنيف وتأليف الكتب، وأبرز ما يميز منهجه في التصنيف ما يلي:[153] الإستهلال بمقدمة جامعة في الحديث عن أهمية العلم وفضله عامة وفضل وأهمية موضوع الكتاب على وجه الخصوص: ومن ذلك قوله في مقدمة كتابه المطالب العالية «... فإن الاشتغال بالعلم - خصوصاً الحديث النبوي - من أفضل القربات، وقد جمع أئمتنا منه الشتات على المسانيد والأبواب المرتبات فرأيت جمع جميع ما وقعت عليه من ذلك في كتاب واحد ليسهل الكشف منه على أولي الرغبات». بيان منهجه في كل كتاب: فقد حرص الحافظ ابن حجر على بيان منهجه في التصنيف في مقدمة كل كتاب له ومثال ذلك قوله في مقدمة التقريب «أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به، بألخص عبارة، وأخلص إشارة، بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالبا، يجمع اسم الرجل واسم أبيه وجده، ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته ولقبه، مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف، ثم صفته التي يختص بها من جرح أو تعديل، ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم، بحيث يكون قائما مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يؤمنه لبسه.». الاستخارة عند التصنيف: ومن ذلك قوله في مقدمة الفتح «وقد استخرت الله تعالى في أن أضم إليه نبذا شارحة لفوائده موضحة لمقاصده كاشفة عن مغزاه في تقييد اوابده واقتناص شوارده». سؤال الله عز وجل الإعانة على التصنيف: فقد جاء في مقدمة المطالب العالية «والله أستعين في جميع الأمور كلها، لاإله إلا هو». بيان الباعث على التأليف: ومن ذلك قوله في مقدمة تقريب التهذيب «فإنني لما فرغت من تهذيب (تهذيب الكمال) في أسماء الرجال، الذي جمعت فيه مقصود (التهذيب) لحافظ عصره أبي الحجاج المزي، من تمييز أحوال الرواة المذكورين فيه، وضممت إليه مقصود (إكماله) للعلامة علاء الدين مغلطاي، مقتصرا منه على ما اعتبرته عليه، وصححته من مظانه، من بيان أحوالهم أيضًا، وزدت عليهما في كثير من التراجم ما يتعجب من كثرته لديهما، ويستغرب خفاؤه عليهما: وقع الكتاب المذكور من طلبة الفن موقعا حسنا عند المميز البصير، إلا أنه طال إلى أن جاوز ثلث الأصل، (والثلث كثير). فالتمس مني بعض الإخوان أن أجرد له الأسماء خاصة، فلم أوثر ذلك، لقلة جدواه على طالبي هذا الفن، ثم رأيت أن أجيبه إلى مسألته، وأسعفه بطلبته، على وجه يحصل مقصوده بالإفادة». ذكر مصادره ونقل أقوال العلماء ونسبتها إليهم: ومن ذلك ماجاء في مقدمة كتابه إنباء الغمر «هذا تعليق جمعت فيه حوادث الزمان الذي أدركته منذ مولدي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وهلم جراً مفصلاً في كل سنة أحوال الدول عن وفيات الأعيان مستوعباً لرواة الحديث خصوصاً من لقيته أو أجاز لي وغالب ما أورد فيه ما شاهدته أو تلقفته ممن أرجع إليه أو وجدته بخط من أثق به من مشايخي ورفقتي كالتاريخ الكبير للشيخ ناصر الدين بن الفرات وقد سمعت عليه جملة من الحديث»

هوامش

1: لُقِّب بأمير المؤمنين في الحديث عدد من العلماء، قال أحمد محمد شاكر: «أطلق المحدثون ألقاباً على العلماء بالحديث، فأعلاها: أمير المؤمنين في الحديث، وهذا لقب لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر، الذي هم أئمة هذا الشأن والمرجع إليهم فيه، كشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري والدارقطني، وفي المتأخرين ابن حجر العسقلاني.».[165] 2: يوجد اضطراب في الجد الرابع لابن حجر، فتارة يتقدم (محمود) على (أحمد) وتارة يتأخر (محمود) أو يسقط، وهذا راجع إلى اضطراب ابن حجر نفسه عند ترجمته لنفسه، ولأبيه، فقد قدّم (محمود) على (أحمد) في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه،[166] والمجمع المؤسس،[167] وقدّم (أحمد) على (محمود) في: رفع الإصر،[168] والدرر الكامنة، وجعل (محمود) بين (أحمدين) في إنباء الغمر بأنباء العمر. 3: مجالس الإملاء: هي أن يجلس العالم وحوله تلاميذه، فيتكلم العالم بما فتح الله عليه من العلم وتلاميذه يكتبون عنه، فيصير كتاباً يسمونه الأمالي أو الإملاء.[169] وكان إملاء الحديث قد توقف بعد الحافظ ابن الصلاح، فأعاده الحافظ العراقي ثم أنقطع مرة أخرى، إلى أن أرجعه الحافظ ابن حجر، الذي بلغ جملة ما أملاه 1150 مجلساً.[170] 4: كانت سنة السلف الهجرة إلى الحرمين ومجاورتهما لطلب العلم والتعبد ونيل الثواب والبركة من الله والمجاورة تطلق على الإقامة بمكة مطلقا، من غير الالتزام بشرائط الاعتكاف الشرعي وقد يطلق لفظ مجاروة بقصد الاعكتاف كما ورد في الحديث عن عائشة: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجاوِرُ فِي العَشْـرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، ويَقُولُ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.[171]

شرح مبسط

شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري الشافعي (شعبان 773 هـ/1371م - ذو الحجة 852 هـ/1449م)،[1] مُحدِّث وعالم مسلم، شافعي المذهب، لُقب بعدة ألقاب منها شيخ الإسلام وأمير المؤمنين في الحديث،(1) أصله من مدينة عسقلان، ولد الحافظ ابن حجر العسقلاني في شهر شعبان سنة 773 هـ في الفسطاط،[2] توفي والده وهو صغير، فتربّى في حضانة أحد أوصياء أبيه، ودرس العلم، وتولّى التدريس.[3]

شاركنا رأيك