سؤال وجواب | تسبب في قتل والده فهل يرث أم لا؟
حصل لي حادث وتوفي الوالد رحمه الله وسائق السيارة الأخرى وقرر المرور الخطأ علي كاملا ، وأنا متأكد أنني لست مخطئاً ، وإذا كان علي خطأ فنسبته لا تتعدى ال25% ، هل عليه كفارة أم لا؟ وهل أرث من الوالد رحمه الله.
الحمد لله.
هذه المسألة ترجع إلى أهل الاختصاص وهم الذين يقررون نسبة الخطأ ، وإذا كان لك اعتراض على تقريرهم ، فلك مناقشتهم أو كلام المسؤولين عن ذلك.
وبناء على ما تم تقريره من أن الخطأ كاملاً عليك ، فالذي يلزمك الآتي : 1ـ كفارة قتل الخطأ ، وقد ذَكرت أنه توفي والدك وسائق السيارة الأخرى ، فيلزمك كفارتان ، والكفارة : عتق رقبة ، فإن لم تجد ، فتصوم شهرين متتابعين ، ويدل لهذا قوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ.إلى أن سبحانه ـ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) النساء/92 ، ولا مدخل للإطعام في كفارة قتل الخطأ عند جمهور العلماء رحمهم الله.
2ـ الدية ، عن كل نفس ؛ لما تقدم من الآية الكريمة إلا أن الدية هنا واجبة على عاقلتك ، ـ وهم العصبة ـ ؛ لما رواه المغير بن شعبة رضي الله عنه قال : (ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِيَ حُبْلَى فَقَتَلَتْهَا.
قَالَ : فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ) رواه مسلم (1682).
قال ابن قدامة في “المغني” (8/296) : “ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن دية الخطأ على العاقلة.
قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.
وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة , وأجمع أهل العلم على القول به” انتهى.
فإن عجزت العاقلة تحملها عنك بيت مال المسلمين ، فإن لم يمكن أخذها من بيت المال ، ففي المسألة خلاف ، منهم من قال : لا شيء على القاتل ، وهو المذهب عند الحنابلة ، والأكثر على أنه يتحملها القاتل نفسه ، وهو مذهب الأكثر ، واختاره ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال في الإنصاف (10/123) : ” ومن لا عاقلة له , أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع : فالدية أو باقيها من بيت المال ، فإن لم يمكن أخذها من بيت المال ، فلا شيء على القاتل ، وهو المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب.وهو من مفردات المذهب ، ويحتمل أن تجب في مال القاتل.
قال المصنف هنا [ابن قدامة] : وهو أولى , فاختاره ” انتهى.
ينظر “المغني” (8/311) الفتاوى الكبرى (5/525).
وإذا عفا أولياء القتيل عن الدية ، فالحق لهم وأسقطوه ، ويدل له قوله تعالى : ( وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ.) ثالثاً : أما الميراث ، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن القاتل لا يرث من المقتول شيئاً ، ولو كان قتله خطأ ؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا) رواه أبو داود (4564) وحسنه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود.
قال ابن قدامة في “المغني” (6/245) : ” أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئاً .فأما القتل خطأ , فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يرث أيضاً.
نص عليه أحمد ويروى ذلك عن عمر , وعلي , وزيد , وعبد الله بن مسعود , وعبد الله بن عباس , وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله عنه.
وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وورثه قوم من المال دون الدية ، روي ذلك عن سعيد بن المسيب , وعمرو بن شعيب , وعطاء , والحسن , ومجاهد , واختاره ابن المنذر , وداود.
وروي نحوه عن علي ; لأن ميراثه ثابت بالكتاب والسنة , تخصص قاتل العمد بالإجماع , فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه.”انتهى ، وتوريث القاتل خطأ هو مذهب الإمام مالك رحمه الله.
جاء في “مختصر خليل” (8/223) : ” وأما قاتل الخطأ ، فيرث من المال الذي لمورثه , ولا يرث من الدية.” انتهى.
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى قال : “.فإذا علمنا يقيناً أن هذا الوارث لم يتعمد القتل ، فإننا لا نمنعه ؛ لأنه قد استحق الميراث ، فكيف نحرمه منه ؟ وهذا يقع كثيراً.
، ولهذا كان مذهب الإمام مالك رحمه الله في هذه المسألة أصح المذاهب.
ولكن هل يرث من الدية التي سيبذلها ؟ لا يرث ؛ لأن الدية غرم عليه ، فيرث من المال لا من الدية.انتهى باختصار.
من “الشرح الممتع” (11/143).
وقد اختار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد العزيز بن باز رحمهما الله أن القاتل خطأ لا يرث.
فقد سئل الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى : إذا قتل الرجل أخاه وعفى الأب عن هذا القاتل ، فهل يرث القاتل من المقتول ؟ الجواب : لا يرث القاتل من المقتول إذا كان قتله عمدا عدوانا فإنه لا يرث منه ، وهكذا لو كان خطأ أوجب عليه الدية أو الكفارة فإنه لا يرث منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس للقاتل من الميراث شيء ) ، وقد أجمع العلماء – رحمهم الله – على أن القاتل لا يرث من المقتول إذا كان قتله عدوانا ، لكن لو سمح الورثة الباقون أن يشركوه فلا حرج عليهم إذا كانوا مكلفين مرشدين وسمحوا ؛ بأن يرث معهم هذا القاتل ؛ لأن الحق لهم وقد أسقطوه ” انتهى من “مجموع فتاوى” ابن باز (20/261).
وينظر فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (11/208).
والذي نراه في هذا ـ إذا لم يتفق الورثة على شيء ، وتنازعوا ـ أن يتم رفع القضية إلى القضاء الشرعي ، فيحكم القاضي بما يراه صواباً ، ويكون قوله ملزماً لجميع الورثة.
والله أعلم.