الغناء والملاهي

سؤال وجواب | تسأل عن حكم الرقص ؟

لو سمحت أريد أن أسال هل الرقص حرام فعلا ، وهل رقص الفتاة وحدها في منزلها حرام.

وما الضرر إن تعلمت الرقص أمام المراة وهل لذلك علاقة بالجن وهل حقا ، كما قيل أن الجن يعشق البنت صاحبة الشعر الطويل.

الحمد لله.

أولا : رقص النساء ليس محرما في أصله ، ولم يأت فيه نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بل قد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى امرأة حبشية ترقص وأراها عائشة ، ولم ينهها.

أخرج الترمذي (3691) من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي) فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ المَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لِي: (أَمَا شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ) قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ لَا لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ عُمَرُ، قَالَتْ: فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا: قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ) قَالَتْ: فَرَجَعْتُ “.

قال المباركفوري : ” كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي صُورَةِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَإِلَّا كَيْفَ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَاهُ عَائِشَةَ ” انتهى من “تحفة الأحوذي” (10/124).

ولكنّ الحديث بهذا اللفظ : شاذ ؛ لمخالفة هذه الرواية لجميع الروايات الأخرى في الصحيحين وغيرهما وكلها تدل على أن الراقصين إنما كانوا رجالا ، وَحَمَل الْعُلَمَاءُ رقص الحبشة عَلَى الْوَثْبِ بِسِلاَحِهِمْ، وَلَعِبِهِمْ بِحِرَابِهِمْ.

ومما يقوي شذوذ هذه الرواية – تفرد خارجة بن عبد الله بها ، فقد رواها عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة ، مخالفا بذلك جميع الطرق التي ورد بها الحديث عن عروة عن عائشة.

و”خارجة” متكلم فيه ، فقد ضعفه بعض الأئمة ، وقبل روايته بعضهم ، ينظر “الكامل” لابن عدي (3/50).

ولذلك سأل الترمذي شيخَه البخاري عن هذا الحديث ، فاستغربه.

قال الترمذي رحمه الله : “سألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه واستغربه” انتهى من “علل الترمذي” (ص372).

ثانيا : وسواء صح الحديث في رقص المرأة الحبشية أم لم يصح ، فإن البراءة الأصلية تقوي القول بإباحته.

لكن لما صار الرقص لا يكاد ينفك عن أنغام الموسيقى والغناء ، وإثارة الفتن ، والتفنن في التكسر، وزادت البلية في العصر الحديث : بالتشبه برقصات المجون الغربي والانحلال الأخلاقي ، وشاعت الرقصات المستوردة ، بالألبسة العارية ، وكثر فيه الاختلاط وعظمت به الفتنة ، وصار الإبداع فيه بقدر تقليد الكفرة ورؤوس الفسق والفاجرات ؛ فلذلك حرمه جمع من أهل العلم سدا للذريعة الموصلة إلى هذه المنكرات.

وسبق أن نقلنا المنع منه عن الشيخ ابن عثيمين في جواب السؤال ( 9290 ).

وأهل العلم رحمهم الله يمنعون الأمر المباح في أصله ، إذا كان طريقا مؤديا إلى المحرم غالبا ؛ لأنه يخشى على الذين يدورون حوله ويلابسونه كثيرا : أن يقعوا فيه (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه).

قال المرداوي : ” قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: كُلُّ فِعْلٍ أَفْضَى إلَى مُحَرَّمٍ كَثِيرًا: حَرَّمَهُ الشَّارِعُ ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ.

لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ ” انتهى من “الإنصاف” (6/90).

وقال ابن رجب عن حديث الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيت عائشة رضي الله عنها وتضربان بدفهما يوم العيد : “كان النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يرخص لهم في أوقات الأفراح، كالأعياد والنكاح وقدوم الغياب في الضرب للجواري بالدفوف، والتغني مع ذلك بهذه الأشعار، وما كان في معناها.

فلما فتحت بلاد فارس والروم ، ظهر للصحابة ما كان أهل فارس والروم قد اعتادوه من الغناء الملحن ، بالإيقاعات الموزونة، على طريقة الموسيقى ، بالأشعار التي توصف فيها المحرمات ، من الخمور والصور الجميلة المثيرة للهوى الكامن في النفوس، المجبول محبته فيها، بآلات اللهو المطربة، المخرج سماعها عن الاعتدال ! فحينئذ : أنكر الصحابة الغناء واستماعه، ونهوا عنه وغلظوا فيه.

وليس الغناء والدف المرخص فيهما ، في معنى ما في غناء الأعاجم ودفوفها المصلصلة، لأن غناءهم ودفوفهم : تحرك الطباع وتهيجها إلى المحرمات ؛ بخلاف غناء الأعراب.

فمن قاس أحدهما على الآخر : فقد أخطأ أقبح الخطأ، وقاس مع ظهور الفرق بين الفرع والأصل، فقياسه من أفسد القياس ، وأبعده عن الصواب” انتهى من “فتح الباري لابن رجب” (8/427-431) مختصرا.

ثالثا : والذي يظهر أننا إن رخصنا في رقص النساء ، فينبغي أن نفرق بين نوعين من ذلك : الأول : ما يكون الرقص فيه عفويا لا فتنة فيه ، فهو لا يعدو أن يكون عبارة عن شيء من الاهتزاز مع تمايل واعوجاج ، فهذا يجوز ، للزوج ، أو في الخلوة ، مع أمن اطلاع الرجال عليه.

الثاني : ما اشتمل على محرم كالمعازف ، أو الألبسة العارية ، أو الاختلاط مع الرجال ، أو كان على هيئة رقص الفاجرات ، وأهل المجون والخلاعة ، وتقليدهم ، ونحو ذلك فهذا يمنع تعلمه وتعليمه ؛ لما فيه من المنكر ، وما يؤدي إليه من إثارة الفتن وتهييج الشهوات.

فعلى القسم الأول : يأتي قول القائلين بإباحة الرقص.

وعلى الثاني : يأتي قول القائلين بالمنع.

قال النووي رحمه الله: وَالرَّقْصُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: لَكِنَّ الرَّقْصَ الَّذِي فِيهِ تَثَنٍّ وَتَكَسُّرٌ يُشْبِهُ أَفْعَالَ الْمُخَنَّثِينَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

اهـ وجاء في الموسوعة الفقهية : الرقص مكروه عند الجمهور ، واختار الشافعية إباحته وقيدوها “بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْل الْمُخَنَّثِينَ ؛ وَإِلاَّ حَرُمَ عَلَى الرِّجَال وَالنِّسَاءِ.

أَمَّا مَنْ يَفْعَلُهُ خِلْقَةً مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَلاَ يَأْثَمُ بِهِ.

قَال فِي الرَّوْضِ: وَبِالتَّكَسُّرِ : حَرَامٌ ، وَلَوْ مِنَ النِّسَاءِ” انتهى مختصرا من “الموسوعة الفقهية الكويتية” (23/10).

ولذلك نجد الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مع أنه ممن ينهى عنه ، نجده قد أجازه في بعض الأحوال التي أمِن فيها من المنكر والمحذور.

قال رحمه الله : ” أما رقص المرأة أمام زوجها ، وليس عندهما أحد : فلا بأس به ؛ لأن ذلك ربما يكون أدعى لرغبة الزوج فيها ، وكل ما كان أدعى لرغبة الزوج فيها : فإنه مطلوب ، ما لم يكن محرَّماً بعينه ، ولهذا يسن للمرأة أن تتجمل لزوجها ، كما يسن للزوج أيضاً أن يتجمل لزوجته كما تتجمل له ” انتهى.

” اللقاء الشهري ” ( 12 / السؤال رقم9).

وينظر جواب السؤال ( 103413 ).

رابعا : ما ذكرته السائلة من عشق الجني للمرأة ذات الشعر الطويل ، ودخول الجني في اللاتي يكثرن من النظر في المرآة : لا نعلم له أصلا.

لكن إذا كانت المرآة في بيت الخلاء ، فعليها أن تعجل بالخروج منه ، وأن لا تطيل المكث فيه ؛ لأن الحشوش – وهي أماكن قضاء الحاجة – أماكن الشياطين ، وقد جاء في حديث زيد بن أرقم مرفوعا : ( إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَة ٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ).

رواه أبو داود (6) وصححه الألباني في الصحيحة (1070).

قال شيخ الإسلام : ” ولا يطيل المقام لغير حاجة ؛ لان المقام فيه لغير حاجة مكروه ؛ لأنه مُحْتَضر الشياطين وموضع إبداء العورة “.

انتهى ” شرح العمدة” (1/60).

فينبغي للمرأة أن لا تطيل المكث في الخلاء ، وأن تعتني بالأذكار الشرعية قبل دخوله.

والله أعلم ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى