سؤال وجواب | حكم لقطة الحرم المدني .
أنا أعمل في إحدى الفنادق بالمدينة ، وينزل عندي زوار وحجاج كثر ، وقبل ثلاثة أيام وجد حاج مبلغا من المال ، وتم تسليمه لي بحسب طبيعة عملي في الاستقبال ؛ لأن جميع المفقودات تكون عندنا في الفندق ، وقد مرت ثلاثة أيام ولم يأت أحد يسأل عنها.
هل أتصدق بها ؟ وهل لو اشتريت بها مثل عجل أو ماعز ، ووزعتها على الفقراء والأهل : هل هذا جائز أم لا ؟.
الحمد لله.
أولا : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي لُقَطَةِ الْحَرَمِ ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا كَلُقَطَةِ الْحِل ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً مِنَ الْحَرَمِ عَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لاَ يلْتَقطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا ) متفق عليه.
“الموسوعة الفقهية” (2 /274).
والراجح أن لقطة الحرم لا تحل إلا لمُعرّفها للخبر المتقدم ، قال النووي رحمه الله : ” وَفِي رِوَايَة : ( لَا تَحِلّ لُقَطَتهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ) ، الْمُنْشِد : هُوَ الْمُعَرِّف , وَمَعْنَى الْحَدِيث لَا تَحِلّ لُقَطَتهَا لِمَنْ يُرِيد أَنْ يُعَرِّفهَا سَنَة ثُمَّ يَتَمَلَّكهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَاد , بَلْ لَا تَحِلّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفهَا أَبَدًا.
وَلَا يَتَمَلَّكهَا , وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ وَأَبُو عُبَيْد وَغَيْرهمْ , وَقَالَ مَالِك : يَجُوز تَمَلُّكهَا بَعْد تَعَرُّفهَا سَنَة , كَمَا فِي سَائِر الْبِلَاد , وَبِهِ قَالَ بَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ , وَيَتَأَوَّلُونَ الْحَدِيث تَأْوِيلَات ضَعِيفَة ” انتهى.
ثانيا : وعلى ذلك : فهل لقطة الحرم المدني يكون لها نفس الحكم ؟ جمهور الشافعية ، وهم القائلون بتحريم لقطة حرم مكة ، كما سبق : على أن الحكم السابق من خصائص حرم مكة ، فلا يشركه حرم المدينة فيه.
قال الشيخ زكريا الأنصاري : (فَرْعٌ: لَا يَلْتَقِطُ) أَحَدٌ (بِحَرَمِ مَكَّةَ) لُقَطَةً (إلَّا لِلْحِفْظِ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدٍ أَيْ لِمُعَرِّفٍ عَلَى الدَّوَامِ ، وَإِلَّا فَسَائِرُ الْبِلَادِ كَذَلِكَ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ.
وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ : حَرَمُ الْمَدِينَةِ ؛ فَهُوَ كَسَائِرِ الْبِلَادِ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ أَنَّهُ كَحَرَمِ مَكَّةَ كَمَا فِي حُرْمَةِ الصَّيْدِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ ، لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد فِي الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِهَا “.
انتهى من “أسنى المطالب” للشيخ زكريا الأنصاري (2/494).
وقال الخطيب الشربيني : “وَخرج بحرم مَكَّة حرم الْمَدِينَة الشَّرِيفَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ كحرم مَكَّة ؛ بل هِيَ كَسَائِر الْبِلَاد كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْجُمْهُور” انتهى من “الإقناع” (2/375) وينظر أيضا : “مغني المحتاج” (3/569).
واختار هذا القول : الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، كما في “فتاوى نور على الدرب” (245 /8).
فعلى ذلك : يلزم من وجد لقطة في حرم المدينة : أن يعرفها سنة ، قبل أن يتملكها ، أو يتصرف فيها ، وثلاثة أيام مدة ليست كافية في هذا ؛ بل إما أن يحفظها ، ويعرفها مدة سنة كاملة ، وإما أن يسلمها إلى الجهات المختصة بذلك في المدينة ، وهي تقوم بحفظها ، وتتولى أمانتها ؛ خاصة وأن من أهل العلم من ذهب إلى أن لقطة المدينة لا يحل تملكها لمن التقطها ، ولو بعد سنة.
والله أعلم ..