معنى آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، بالشرح التفصيلي

تم النشر اليوم 11-12-2025 | معنى آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، بالشرح التفصيلي

معنى آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، بالشرح التفصيلي

تحدّثت سورة النور عن كثير من الآداب الاجتماعية التي تحفظ المجتمعات من الانحلال والتفكّك، وأرشدت المسلمين إلى جملة من الفضائل الأخلاقية ومنها غض البصر، حيث قال تعالى مخاطبًا رسوله الكريم: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}، فالمؤمنات مأمورات بغض البصر، وممّا جاء في تفسير هذه الآية الكريمة وبيان معناها؛ أنّ هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات وغيرة منه سبحانه لأزواجهن وهم عباده المؤمنين، وفي هذا تمييز لهنّ عن نساء الجاهلية وصفات المشركات. ومفهوم غض البصر بالنسبة للنساء المؤمنات يعني تحريم النظر إلى الرجال الأجانب ولهذا ذهب الأكثرون من أهل العلم حيث قالوا بحرمة نظر المرأة إلى غير زوجها من الرجال الأجانب سواءٌ بشهوة أم بغير شهوة، ودليلهم حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: "أنَّها كانتْ عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ومَيْمُونةُ ، قالَتْ : فبَيْنا نحن عندهُ أقْبلَ ابْنُ أمِّ مَكتومٍ فدَخَلَ عليه وذلكَ بعدَ ما أُمِرْنا بِالحجابِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- احْتَجَبا مِنهُ فقُلتُ يا رسولَ اللهِ ألَيْسَ هو أعْمَى لا يُبصِرُنا ولا يَعرِفُنا فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أفَعَمْيَاوَانِ أنتُما ألَستُما تُبْصِرانِه"، ولكنّ البعض الآخر قالوا بجواز النظر إلى الأجانب بغير شهوة ودليلهم أنّ رسول الله كان ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد يوم العيد بحرابهم وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنظر من ورائه. كما جاء في تفسير السعدي أنّ غضّ البصر بالنسبة للمؤمنات يشمل العورات والنظر للرجال بشهوة ونحو ذلك من النظر المحرّم الممنوع، وقد تكلّم الإمام القرطبي في تفسيره عن هذه الآية وذكر جملة من اللطائف والأحكام المستفادة منها، منها أنّ الله تعالى قد خصّ الإناث بهذا الخطاب بعد أن أمر الرجال بغض البصر بقوله: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، وقد جاء الخطاب بحفظ الفرج بعد الأمر بغض البصر لأنّ البصر هو المنفذ إلى القلب وهو رائدها وقد استعار هذا المعنى بعض الشعراء العرب وأنشدوا شعرًا في هذا السياق، وممّا جاء في الأثر ويبين خطورة إطلاق البصر وعدم غضه أنّ: "النظر سهم من سهام إبليس مسموم فمن غضَّ بصره أورثه الله الحلاوة في قلبه"، كما قال مجاهد بن جبير: "إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزيّنها لمن ينظر؛ فإذا أدبرت جلس على عجزها فزيّنها لمن ينظر"، وقد تحدّث السلف عن اتباع النظرة بأخرى وبينّوا ما لهذا الصنيع من أثرٍ في القلب، وقد أمر سبحانه المؤمنين والمؤمنات بغض البصر لأنّ علاقة المرأة بالرجل كعلاقته بها وقصدها منه كقصده منها، فلا يحلّ لها النظر إليها ولا يحلّ له النظر إليها. وقد جاء في صحيح مسلم حديثٌ لرسول الله يبيّن أن النظر هو من زنا العينين، وقد قال الزهري بعدم جواز النظر إلى ما يشتهى النظر إليه من الفتاة الصغيرة التي لم تحض، كما كره عطاء بن أبي رباح النظر إلى الجواري اللاتي كنّ يبعن في مكة بقصد الشراء، وقد جاءت امرأة تسأل رسول الله فنظر إليه الفضل بن العباس فقام الرسول الكريم بتحويل وجهه عن النظر إليها، فالغيرة من الإيمان والدين. أمّا عن حديث أم سلمة -رضي الله عنها- في دخول ابن أم مكتوم وهنّ جالسات مع رسول الله فقد قال الإمام القرطبي أنّ البعض قد ضعّف هذا الحديث لأنّ الراوي عن أم سلمة هو نبهان مولاها وهو ممّن لا يحتجّ بحديثه، وعلى فرض صحته فإنّه تغليظٌ من رسول الله على أزواجه لشدّة حرمتهن، كما ورد في صحيح مسلم: "عن فَاطِمَةَ بنْتِ قَيْسٍ، أنَّ أَبَا عَمْرِو بنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا البَتَّةَ، وَهو غَائِبٌ، فأرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فَقالَ: وَاللَّهِ ما لَكِ عَلَيْنَا مِن شيءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذلكَ له، فَقالَ: ليسَ لَكِ عليه نَفَقَةٌ، فأمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قالَ: تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فإنَّه رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي"، وقد قال أهل العلم أنّ هذا الحديث قد خصّص عموم الآية فهو يدلّ على جواز اطلاع المرأة على ما يجوز للرجل اطلاعه عليها كالرأس والعنق أمّا عورة الرجل فلا يجوز نظر المرأة إليها.

سبب نزول آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن

ما سبب نزول هذه الآية الكريمة؟ إنّ سبب النزول هو الحادثة التي وقعت فنزلت بعدها الآية أو السورة، وقد تكون هذه الآيات مبيّنة لحكم الحادثة أو دالّة على ثناءٍ أو ذم كسورة أبي لهب التي وردت في ذمّه والرد عليه، وقد تكون إجابة عن سؤال وقع من أحد الصحابة الكرام، والأمثلة على هذا كثيرة، وممّا جاء في سبب نزول آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ما رواه ابن كثير -رحمه الله- عن مقاتل بن حيان عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- قال: بلغنا -والله أعلم- أنّ جابر بن عبد الله الأنصاري حدّث أنّ أسماء بنت مرثد كانت في نخلٍ لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير مؤتزرات فيبدو مافي أرجلهن -يعني الخلاخل-، ويبدوا صدورهن وذوائبهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا؟، فأنزل الله في ذلك: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وهذه آية جامعة لأحكامٍ عظيمة تخصّ النساء من وجوب غض البصر إلى حفظ الفرج إلى حرمة إظهار الزينة وغير ذلك من الأحكام والآداب.

إعراب آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن

إنّ الحديث عن إعراب آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، يقتضي الإشارة إلى بعض الملامح البلاغية في هذه الآية الكريمة، ومنها أنّ الله تعالى قال: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}، فجاءت من مع الأبصار ولم تأت مع الفروج، وفي هذا يقول أهل البلاغة أنّ النظر واسع ويجوز إطلاقه في رؤية ما يباح للإنسان النظر إليه كالنظر إلى المحارم وغير ذلك، كما قال الزمخشري عن حرف الجر "من" أنّه: للتبعيض والمراد أنّ غض البصر عمّا يحرم والاقتصار عمّا يحل، وجوّز الأخفش أن تكون حرف زائد ولكن سيبويه رفض ذلك، ويمكن أن تكون للبيان أو لابتداء الغاية، وقد يكون وفيما يأتي إعراب آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن: وقل: الواو حرف عطف، وقل فعل أمر وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت ومفعوله محذوف. للمؤمنات: جار ومجرور متعلقان بالفعل قل. يغضضن: فعل مضارع مبني على السكون في محل جزم جواب الطلب والنون ضمير متصل في محل رفع فاعل. من أبصارهن: جار ومجرور متعلقان بالفعل يغضضن وهنّ ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. جملة "قل": لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة "قل" في الآية السابقة. جملة "يغضضن": لا محل لها من الإعراب وهي جملة جواب الشرط المقدر غير مقترنة بالفاء.

معاني المفرادات في آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن

إنّ المفاهيم الخاصّة بالكلمات القرآنية منها ما هو شرعي ومنها ما هو اصطلاحي ومنها ما هو لغوي، وقد يكون المعنى اللغوي مطابقًا للمعنى الشرعي، وقد يُستعمل اللفظ الواحد تارةً بمفهومه الاصطلاحي وأخرى باللغوي، وفيما يأتي معاني المفرادات في آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، في معاجم اللغة العربية: قل: فعل الأمر من الفعل قال ومعناه تكلّم أو تحدّث أو خاطب. للمؤمنات: المؤمنات هو جمع مؤنث سالم ومفرده مؤمنة، ومؤمن هو اسم الفاعل من الإيمان ومعناه التصديق بالأمور الغيبية والاعتقاد بها. يغضضن: فعل مضارع من الغض وهو يدلّ في اللغة على الكسر والخفض والقصر، وعندما يكون التركيب "غض البصر" أو "غض الطرف" فيعني خفضه وقصره. من: حرف جر يُفيد ابتداء الغاية الزمانية أو المكانية، وقد يُفيد التبعيض في بعض الحالات. أبصارهن: جمع بصر وهو حس العين أي نظرها.

الثمرات المستفادة من آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن

ما هي الثمرات المستفادة من هذه الآية؟ حوت سورة النور الكثير من الفوائد وأرشدت إلى جملة من الأحكام المهمّة التي يستغني عنها أي مسلم، فقد تحدّثت هذه السورة الكريمة عن آداب الاستئذان وعن مشروعية السلام وأحكام الدخول إلى بيت الغير إلى غير ذلك من الأحكام التي فيها طهارة المجتمع وسلامته من الآفات والبلايا، وفيما يأتي ذكر لبعض الثمرات المستفادة من آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، وفوائد غض البصر بشكل عام: قال البعض أن شدّة حرمة نظر المرأة للرجل هو بمستوى حرمة نظره إليها، فيما قال آخرون أنّ الأمر في حق النساء أخف ومنهم ابن حجر واستدل على ذلك بوجوب النقاب على النساء دونًا عن الرجال. قال بعض العلماء أنّ المرأة وإن كانت مأمورة بغض البصر كالرجل إلّا أنّه يجوز للنساء النظر وهن لا يقصدنَّ النظر إلى الرجال في الطرقات ومشاهدتهم وهم يلعبون الألعاب المباحة من بعيد. غض البصر فيه استجابة وامتثال لأمر الله تعالى حيث أمر عباده المؤمنين والمؤمنات به وبيّن لهم أجر ذلك. غض البصر أزكى للقلب وأطهر للنفس حيث قال تعالى بعد أن أمر المؤمنين بغض البصر وحفظ الفرج، {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} ، فالمسلم يجب أن يحرص على ما ينفعه في دنياه وآخرته. إنّ غض البصر يجعل الإنسان مطيعًا لأمر الله ملتزمًا بالطاعة في جميع أوقاته. غض البصر هو سبب من أسباب دخول الجنة. يورث غض البصر نورًا في القلب وإشراقًا في الوجه على العكس من إطلاقه فيما لا يجوز فإنّه يُعطي للوجه ظلمة وللقلب ظلامًا. من ثمرات غض البصر محبة الله تعالى ويُكسب الإنسان الخشية لله سبحانه. من فوائد غض البصر أنّه يورث الشجاعة والفراسة ونور البصيرة وغير ذلك من الصفات الحميدة. إنّ غض البصر من العبادة والغاض لبصره من أعبد الناس وأكثرهم تقوى.

غض البصر

إنّ غض البصر هو خلقٌ قويم وهو أحد صفات أهل الإيمان والتقوى حيث إنّ البصر هو منفذ للقلب وفي إطلاقه شرٌّ عظيم ووبال على المسلمين أممًا وأفرادًا، وهو أحد الواجبات التي شرعها الدين الإسلامي وهو خاص بغض البصر وكفّه عن ما فيه فتنة وعن المحرمات أي الأشياء التي يحرم على المسلم النظر إليها، وقد دلّت النصوص الشرعية على وجوب غض البصر وبيّنت أنّ الإنسان إذا نظر لشيءٍ يحرم النظر إليه فيجب عليه أن يصرف بصره ولا يتبع النظرة بأخرى، ومن أهمية غض البصر جعله رسول الله أحد الأسباب المؤدية لدخول الجنة حيث قال: "اضمنوا لي ستًّا من أنفسِكم أضمنُ لكم الجنَّةَ: اصدقوا إذا تحدَّثتم ، وأوفوا إذا وعدتُم، وأدُّوا إذا أوتمنتم، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُم، وغُضُّوا أبصارَكم، وَكفُّوا أَيْدِيَكُمْ"، وفي وجوب غض البصر يستوي الرجال والنساء وقد دلّت الآيات القرآنية على ذلك، وسيبيّن هذا المقال معنى آية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، بالشرح التفصيلي.