أرجو من حضراتكم تخريج هذا الحديث والحكم عليه، وإذا كان هناك أحد من أهل العلم صححه فأرجو ذكره:.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:فهذا الحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة, والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد, وأبو نعيم في معرفة الصحابة, وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ, وابن عساكر في تاريخ دمشق, وغيرهم.
وهذا الحديث لا يصح, قال السمعاني في الأنساب(3/ 376)": ووقع هذا الحديث لنا بأسانيد أكثرها واهية", وفي دلائل النبوة للبيهقي (6/ 199) "باب ما جاء في شهادة الرضيع والأبكم لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة، إن صحت فيه الرواية" مما يدل على عدم تصحيحه لها, وفي البداية والنهاية (6/ 175) "حديث غريب جدًّا, قال البيهقي: أنا علي بن أحمد بن عبدان، فذكره ." وغريب جدًّا يحتمل التضعيف في المتن أو السند, قلت:ـ القائل ابن كثير في البداية والنهاية ـ:" هذا الحديث مما تكلم الناس في محمد بن يونس الكديمي بسببه, وأنكروه عليه, واستغربوا شيخه هذا، وليس هذا مما ينكر عقلاً ولا شرعًا، فقد ثبت في الصحيح في قصة جريج العابد أنه استنطق ابن تلك البغي، فقال له: يا أبا يونس، ابن من أنت ؟ قال: ابن الراعي، فعلم بنو إسرائيل براءة عرض جريج مما كان نسب إليه" وقد تقدم ذلك, وجاء في الصارم المنكي لابن عبدالهادي (1/ 340) في ترجمة الكديمي " محمد بن يونس بن موسى بن سليمان بن عبيد بن ربيعة بن كديم القرشي الشامي الكديمي، أبو العباس البصري، وهو متهم بالكذب، ووضع الحديث, قال ابن عدي: اتهم بوضع الحديث وسرقته، وادعى رؤية قوم لم يرهم، ورواية عن قوم لا يعرفون، وترك عامة مشايخنا الرواية عنه، ومن حدث عنه ينسبه إلى جده موسى لئلا يعرف، وقال ابن حبان: كان يضع على الثقات الحديث وضعًا، ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث.
قال ابن التمار الوراق: "ما أظهر أبو داود تكذيب أحد إلا رجلين: الكديمي، وغلام خليل" وقال ابن عدي: والكديمي أظهرُ أمرًا من أن يحتاج إلى تبين ضعفه، وكان مع وضعه للحديث وادعائه مشايخ لم يكتب عنهم يختلق لنفسه شيوخًا, حتى كان يقول: حدثنا شاصونة بن عبيد منصرفًا عن عدن أبين, فذكر عنه حديثًا, قال: ولو ذكرت ما أنكر عليه وادعائه ووضعه لطال ذلك" اهـ.
قال ابن كثير: " على أنه قد روي هذا الحديث من غير طريق الكديمي إلا أنه بإسناد غريب أيضًا, قال البيهقي: أنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد، فذكره ." وقول ابن كثير: "وليس هذا مما ينكر عقلاً وشرعًا" ليس المقصود به تصحيح الحديث, كيف وهو القائل بأنه غريب جدًّا!.
وإنما مقصوده أن نطق الغلام في يومه الأول ليس بمستنكر؛ لأنه قد وقع شرعًا كما في حديث الراهب جريج, وكذلك ليس هناك ما يمنعه عقلاً لأنه ليس بمستحيل, ولا بممتنع.
قال البيهقي: ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين بإسناد مرسل يخالفه في وقت الكلام.
أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي بالكوفة، أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم، حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي، أنبأنا وكيع بن الجراح, عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن بعض أشياخه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط، قال: من أنا؟ قال: أنت رسول الله.
ثم روى عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن الأعمش، عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه, قال: جاءت امرأة بابن لها قد تحرك, فقالت: يا رسول الله ، إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادنيه مني، فأدنته منه، فقال: من أنا؟ فقال: أنت رسول الله " وهذه الرواية إسنادها حسن، رجاله ثقات عدا زيد بن جعفر العلوي, وهو صدوق حسن الحديث, لكن متن هذه الرواية يخالف الرواية الأولى كما هو ظاهر, وكما قاله البيهقي.
والله أعلم..