مجموعة نيرمي الإعلامية
سؤال وجواب | حول شبهة أن عمر رضي الله عنه شك في الدين يوم الحديبية
اقرأ ايضا
- سؤال وجواب | هل أنا مصابة بالهلع أم الاكتئاب؟- سؤال وجواب | هل يفيدني استخدام القسط الهندي والمردقوش في علاج التكيس؟
- سؤال وجواب | فرحت كثيراً عندما أخبرتني الطبيبة بحدوث التلقيح، وتحطمت فرحتي بنزول الدورة!
- سؤال وجواب | سبل مجاهدة ودفع الوساوس الشيطانية
- سؤال وجواب | الورم الليفي أسبابه وكيفية إزالته
- سؤال وجواب | حكم الصلاة بجورب ممزق أو شفاف
- سؤال وجواب | بيان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بجميع أمته
- سؤال وجواب | صلاة المرأة في حلة رياضية أو حلة للنوم
- سؤال وجواب | مذاهب العلماء فيمن صلت بجورب مثقوب
- سؤال وجواب | هل يفيد الرحم تناول سكر النبات على صفة تحاميل؟
- سؤال وجواب | أعاني من ألم في الرأس مع قلق وعدم التركيز.
- سؤال وجواب | الأولى بالمرأة أن تصلي مستورة عن رؤية الرجال
- سؤال وجواب | حكم الإفرزات المستمرة التي تنزل أثناء الحمل
- سؤال وجواب | مسائل في عورة الرجل والمرأة في الصلاة
- سؤال وجواب | شأن الداعي التبليغ والنتائج موكولة إلى الله
جاء في "صحيح ابن حبان" ج (11/227) وغيره من الكتب زيادة عن قصة الحديبية التي في "البخاري" وفيها قول عمر رضي الله عنه "والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ " فهل شك عمر في نبوة النبي ؟ أم في أمر النبي ؟ أم في ماذا؟ وهل هذا يقدح فيه ؟ مع إن الله سبحانه وتعالى قد قال :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ؟.
الحمد لله.
أولا : من المعلوم المقرر في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة : أن محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دين وإيمان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
وقد أراد قوم أن يطعنوا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ليطعنوا بذلك في دين الله ، والله متم نوره ولو كره المشركون.
ومعلوم أن خير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هم خلفاؤه الأربعة ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، رضي الله عنهم أجمعين.
وقد حاول أهل الضلالة الطعن في الصحابة عموما ، وفي أبي بكر وعمر خصوصا ، فافتروا عليهم الأكاذيب ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وحملوا الروايات ما لم تحتمل ، فكشف الله كذبهم ، وأبان عوارهم.
ثانيا : من الشبه الباطلة ، والأكاذيب المفتراة على الفاروق ، المحدث الملهم ، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : ما ذكر في السؤال.
حيث زعم أهل الزيغ والضلالة : أنه شك في دين الله يوم الحديبية ، والشك في الدين كفر ، حاشاه أن يفعل وهو الفاروق رضي الله عنه.
وحتى يتضح كذب هذه الفرية ، نقول وبالله التوفيق : أن ما نقلوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كذب مفترى ، أو خطأ فاحش ، وذلك لما يلي : أولا : رويت هذه الجملة المنكرة في رواية عبد الرزاق لحديث صلح الحديبية ، ولا تصح لما يلي: هذا الطريق اختُلف فيه على عبد الرزاق : فرواه عبد الله بن محمد الجعفي المسندي ، كما عند البخاري في "صحيحه" (2731) ، وأحمد بن حنبل كما في "المسند" (
18928)
، ، فروياه عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن المسور ومروان ، ولم يذكرا فيه هذه الجملة عن عمر.وخالفهما ( إسحاق بن إبراهيم الدبري ) كما في "مصنف عبد الرزاق" (9720) ، و ( محمد بن المتوكل بن أبي السري ) كما عند ابن حبان في "صحيحه" (4872) ، فروياه عن عبد الرزاق بإثبات هذه الجملة عن عمر.
وهذه الزيادة هنا منكرة ، لا تثبت : فإسحاق بن إبراهيم الدبري قد تكلم أهل العلم فيما انفرد به عن عبد الرزاق.
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/181) :" قال ابن عدي: استصغر في عبد الرزاق.
قلت ( أي الذهبي ): ما كان الرجل صاحب حديث ، وإنما أسمعه أبوه ، واعتنى به ، سمع من عبد الرزاق تصانيفه ، وهو ابن سبع سنين أو نحوها ، لكن روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة ، فوقع التردد فيها ، هل هي منه ، فانفرد بها ، أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق.
قال : وفي مرويات الحافظ أبي بكر بن الخير الإشبيلي : كتاب الحروف الذي أخطأ فيها الدبري وصحفها في مصنف عبد الرزاق ".
انتهى وقد يكون ذلك من عبد الرزاق نفسه ، فإنه اختلط في آخر عمره ، ومعلوم أن إسحاق بن إبراهيم الدبري أخذ عنه في آخر عمره.
قال ابن الصلاح في "مقدمته" (ص248) :" عبد الرزاق بن همام: ذكر أحمد بن حنبل أنه عمي في آخر عمره ، فكان يلقن ، فيتلقن ؛ فسماع من سمع منه بعد ما عمي : لا شيء.
قال النسائي : فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة.
قلت ( أي ابن اصلاح ) : قد وجدت فيما روي عن ( الطبراني ) عن ( إسحاق بن إبراهيم الدبري ) عن ( عبد الرزاق ) : أحاديث استنكرتها جدا ، فأحلت أمرها على ذلك ؛ فإن سماع ( الدبري ) منه متأخر جدا ".
انتهى وأما محمد بن المتوكل بن أبي السري ، فهو لين الحديث.
قال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (8/105) :" لين الحديث ".
انتهى ، وقال ابن عدي كما في "تاريخ دمشق" (55/232) :" كثير الغلط ".
انتهى ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/24) : " ولمحمد هذا أحاديث تستنكر ".
انتهى وقد خالفهما اثنان من كبار الأئمة الثقات : الأول : وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي المسندي ، فهو إمام حجة متقن ثبت ، قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (2/59) :" قال أبو حاتم: صدوق ، وقال الحاكم: هو إمام في الحديث في عصره بما وراء النهر بلا مدافعة ".
انتهى والثاني : أحمد بن حنبل ، وهو الإمام الحجة ، وكفى به ثقة وضبطا.
فإذا كان الأمر كذلك ، فتقدم رواية أحمد بن حنبل وعبد الله بن محمد الجعفي على غيرهما ، وهذا واضح ، لا لبس فيه ، إن شاء الله.
ثانيا : أنه قد تابع محمد بن إسحاق معمرا في هذه الرواية ، ولم يذكر فيه هذه الجملة المنكرة.
أخرج هذه الرواية أحمد بن حنبل في "مسنده" (
18910)
، من طريق محمد بن إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ به.وإسناده حسن ، وهو يقوي طريق معمر الذي لم يذكر فيه هذه الجملة المنكرة.
ثالثا : أنه قد روى هذه القصة سهل بن حنيف أيضا من طريق آخر ، وذكر فيه مراجعة عمر للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر فيه هذه الجملة المنكرة.
أخرجه البخاري في "صحيحه" (3182) ، ومسلم في "صحيحه" (1785) ، من طريق حَبِيب بْن أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: " حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ ، قَالَ: كُنَّا بِصِفِّينَ ، فَقَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ ، فَإِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ ، وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَهُمْ عَلَى البَاطِلِ؟ فَقَالَ: بَلَى فَقَالَ: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى ، قَالَ: فَعَلاَمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا ، أَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الخَطَّابِ ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا.
فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا ! فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ ".
رابعا : أن ابن أبي شيبة روى في "مصنفه" (
36855)
، من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَنْصَارِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ.وساق قصة الحديبية ، ومراجعة عمر ، ولم يذكر فيه كذلك هذه الجملة المنكرة.
وهذا مع كونه مرسلا ، إلا أنه يُعد متابعة لمن لم يذكر هذه الجملة المنكرة عن عمر.
خامسا : أن عمر نفسه قد ذكر أنه في هذه القصة ما شك ، بل هو يشهد أن محمدا رسول الله ، وذك كما في الرواية التي أخرجها أحمد في "المسند" (
18910)
، من طريق مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَا.وفيه : " فَلَمَّا الْتَأَمَ الْأَمْرُ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْكِتَابُ ، وَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَوَلَيْسَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا ؟! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ حَيْثُ كَانَ ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ.
قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ.
ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: " بَلَى "، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي.
ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأَعْتِقُ ، مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ ، مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ ؛ حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا".
وموضع الشاهد فيه أن أبا بكر قال : فإني أشهد أنه رسول الله ، قال عمر : وأنا أشهد.
سادسا : أن عمر نفسه قد صرح في رواية عنه ، أنه لما قال ما قال من مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان قصده بذلك الحق ، ولم يدخر جهدا في ذلك.
وهذه الرواية أخرجها الطبراني في "المعجم الكبير" (1/72) ، من طريق عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، أَنَّهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ:" اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَرُدُّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِي ، اجْتِهَادًا ، فَوَاللهِ مَا آلُو عَنِ الْحَقِّ وَذَلِكَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ ، وَالْكِتَابُ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ مَكَّةَ ، فَقَالَ: اكْتُبُوا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَقَالُوا: تَرَانَا قَدْ صَدَّقْنَاكَ بِمَا تَقُولُ؟ وَلَكِنَّكَ تَكْتُبُ بِاسْمِكَ اللهُمَّ ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَيْتُ ، حَتَّى قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَرَانِي أَرْضَى وَتَأبَى أَنْتَ؟ قَالَ: فَرَضِيتُ".
وإسنادها صحيح ، قال ابن كثير في "مسند الفاروق" (683) :" هذا حديث حسن، وإسناد جيد".
انتهى.
فقوله :" فوالله ما آلو عن الحق " : أي ما أقصر عن الحق ولا أدخر جهدا في سبيله.
ومنه قول الصلتان العبدي كما في "أمالي القالي" (2/141) : فاقسم لا آلو عَنِ الحق بينهم.
فإن أنا لم أعدل فقل أنت ظالع ".
انتهى قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (1/128) :" قال الخليل: يقال ما آلوْتُ عن الجُهْدِ في حاجتك.
أي لم نَدَعْ جُهْدا.
قال أبو زيد: يقال ألَوْتُ في الشيء آلو، إذا قصرت فيه ".
انتهى سابعا : أن أهل العلم ذكروا أن مراجعة عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ، لم تكن عن شك في الدين والرسالة ، وإنما أراد أن يستكشف ما خفي عنه ، من حكمة قبول هذه الشروط الجائرة على المسلمين ، وذلك لما عرف عنه من قوته في دين الله عز وجل.
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (6/155) :" ولم يكن ما كان من عمر - رضى الله عنه - وسؤاله له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما سأله عنه شكاً من عمر ، ولا ريباً ، بل كشفاً لما خفي عنه من ذلك ، وحثاً على إذلال الكفر ، وحرصاً على ظهور المسلمين ، بما كان عليه من القوة والعزة في دين الله ".
انتهى ثامنا : أننا لو سلمنا جدلا بأن هذه اللفظة محفوظة في قصة الحديبية ؛ فذلك الشك المذكور في الحديث ، له عند أهل العلم تفسيران : الأول : أنه شك في وجود المصلحة من قبول هذا الصلح.
قال ابن حجر في "فتح الباري" (5/346) : " وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَلَمْ يَكُنْ شَكًّا ) : فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الشَّكِّ فِي الدِّينِ : فَوَاضِح.
وَقد وَقع فِي رِوَايَة ابن إِسْحَاقَ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا قَالَ لَهُ الْزَمْ غَرْزَهُ فَإِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ عُمَرُ : وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ.
وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الشَّكِّ ، فِي وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ وَعَدَمِهَا : فَمَرْدُودٌ ".
انتهى الثاني : أنه لو ثبت وقوع الشك منه ، فهذا لم يكن شكا وريبا يقدح في أصل التصديق ، وإنما كان من قبيل الخاطر الذي يعرض ثم لم يلبث أن زال سريعا ، وهذا لا يؤاخذ به المرء ، ولا يطعن في إيمانه ، بخلاف الشك المستقر في النفس.
قال السهيلي في "الروض الأنف" (6/490) : " ( وَمَا شَكَكْت مُنْذُ أَسْلَمْت إلّا تِلْكَ السّاعَةَ ) : وَفِي هَذَا : أَنّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَشُكّ ، ثُمّ يُجَدّدُ النّظَرَ فِي دَلَائِلِ الْحَقّ ، فَيَذْهَبُ شَكّهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: هُوَ شَيْءٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ ، ثُمّ ذَكَرَ ابْنُ عَبّاسٍ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ولكن ليطمئنّ قلبي ).
وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَمّا صَمَدْنَا إلَيْهِ فِي هَذَا الكتاب ، لَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي ) ، وَذَكَرْنَا النّكْتَةَ الْعُظْمَى فِي ذَلِكَ ، وَلَعَلّنَا أَنْ نَلْقَى لَهَا مَوْضِعًا ، فَنَذْكُرَهَا.
وَالشّكّ الّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ وابن عباس : مالا يُصِرّ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْوَسْوَسَةِ الّتِي قَالَ فِيهَا عَلَيْهِ السّلَامُ مُخْبِرًا عَنْ إبْلِيسَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي رَدّ كَيْدَهُ إلَى الْوَسْوَسَةِ ".
انتهى ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (15/178) : " وَمَعْلُومٌ أَنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ مُؤْمِنًا، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى ، وَلَكِنْ طَلَبَ طُمَأْنِينَةَ قَلْبِهِ، كَمَا قَالَ: وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالِاطْمِئْنَانِ : سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكًّ.
كَذَلِكَ الْوَعْدُ بِالنَّصْرِ فِي الدُّنْيَا: يَكُونُ الشَّخْصُ مُؤْمِنًا بِذَلِكَ ؛ وَلَكِنْ قَدْ يَضْطَرِبُ قَلْبُهُ ، فَلَا يَطْمَئِنُّ، فَيَكُونُ فَوَاتُ الِاطْمِئْنَانِ ، ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ كُذِّبَ.
فَالشَّكُّ مَظِنَّةُ أَنَّهُ يَكُونُ : مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا تَقْدَحُ فِي الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ.
} ".
انتهى وكل هذا على فرض وقوع الشك وثبوت اللفظ ، وقد بينا أن اللفظ لم يثبت ، والحمد لله.
والثابت أن عمر رضي الله عنه راجع النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصلح ، وراجع أبا بكر ، ثم ندم على ذلك ، حتى قال كما في رواية ابن إسحاق عند أحمد في "المسند" (
18910)
: " مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأَعْتِقُ ، مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ ، مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ ، حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا ".ثم إن عمر رضي الله عنه بشر غير معصوم ، وقد بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حياته ، ومات وهو عنه راض.
فقد روى البخاري في "صحيحه" (3679) ، ومسلم في "صحيحه" (2394) ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَسَمِعْتُ خَشَفَةً ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلاَلٌ ، وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ.
فَقَالَ عُمَرُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ.
وثبت في "صحيح البخاري" (3683) ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه :( إِيهًا يَا ابْنَ الخَطَّابِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ ، إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ).
وأثنى صلى الله عليه وسلم على قوة إيمانه فقال كما في "صحيح البخاري" (3690) : بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا الذِّئْبُ ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهَا حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي ؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَمَا ثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
والحاصل: أن هذه الجملة التي أوردها السائل ، أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه الشك في دين الله ، كلمة منكرة شاذة ، لم تثبت في الحديث الصحيح ، عن صلح الحديبية.
وإنما راجع عمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، على وجه المصلحة فيما وقع ؛ ثم إنه ندم على ذلك ، وعمل لأجل ذلك أعمالا.
وقد بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة والجنة ، ومات وهو عنه راض ، فرضي الله عن عمر ، وعن سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، آمين.
والله أعلم ..
اقرأ ايضا
- سؤال وجواب | كل التحاليل التي أجريتها سليمة، إذاً ما سبب تأخر الحمل عندي؟- سؤال وجواب | حكم ظهور عورة الرضيعة أمام الرجال
- سؤال وجواب | حكم تحويل المصلى إلى مركز لتحفيظ القرآن الكريم
- سؤال وجواب | معنى العورة وأحكامها
- سؤال وجواب | الـوئام في الدعوة قوة والتفرق ضعف
- سؤال وجواب | حكم نظر البنت إلى فخذ والدها، وحكم غسلها ملابسه التي تظهر عورته
- سؤال وجواب | حكم تحويل المسجد إلى مستوصف صحي
- سؤال وجواب | حكم الصلاة في ثوب يظهر منه لون البشرة بعد التأمل
- سؤال وجواب | محتار بين الاستمرار في التخصص الدراسي أو تغييره، فكيف أستخير؟
- سؤال وجواب | هل تجوز السباحة مع شباب يظهرون السرة والركبة
- سؤال وجواب | أحبها لدرجة الجنون ولكنها لم تبد أي مشاعر تجاهي
- سؤال وجواب | الله أحق أن يستحيا منه من الناس
- سؤال وجواب | الركبة ليست من العورة
- سؤال وجواب | إرشاد شاب يشعر بالحرج لترك أمه في رعاية إخوته لإكمال دراسته في الخارج
- سؤال وجواب | ما هي الطريقة الصحية لإعداد مشروبات الأعشاب؟
لم يعلق احد حتى الآن .. كن اول من يعلق بالضغط هنا