الفصام الاضطهادي .. نظرة طبية وشرعية

تم النشر اليوم 10-12-2025 | الفصام الاضطهادي .. نظرة طبية وشرعية
السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:أخت زوجتي طبيبة بشرية، وقد تخرجت من كلية الطب منذ ثمان سنوات ولم تمارس المهنة، ثم تزوجت من رجلٍ طيب إلى حدٍ ما، فانطوت على نفسها وعاشت في بيت الزوجية وصارت لا تخرج من البيت أبداً، وكل الأقارب كان فكرهم أنها تحب البيت، ومرت السنوات على هذه الحال.وقد رزقت بطفلتين، عمر الكبيرة منهما سبع سنوات، وقد سمعنا أنها تُمانع ذهابها إلى المدرسة؛ خوفاً عليها من الاعتداء.وعندما زرناهم أنا وزوجتي بعد ست سنوات إذا بها إنسانة فاقدة العقل، وحسب خبرتي البسيطة أن مرضها ذهان اضطهادي، ومرحلته متقدمة، فهي تخاف من الجميع، والكل عندها أشرار، حتى زوجها لا تعاشره ولا تعطيه حقوقه الزوجية، ومنذ ثلاث سنوات وهو صابر؛ خوفاً على سمعتها، ولم يخبر أهلها ولكن علمه البسيط يجعله يقول أنها ممسوسة.وهي الآن في حالةٍ يرثى لها، ولا تفتح الأبواب لأحد، والكل عندها سوف يفترسونها هي وأولادها، وقد قرر زوجها الآن طلاقها، فماذا نفعل؟!وجزاكم الله خيراً. الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فجزاك الله خير وبارك فيك على اهتمامك بهذه الأخت، وأنا أتفق معك تماماً أن هذه الأخت تعاني من حالة نفسية وربما تكون هي الذهان الاضطهادي أو الفصام الاضطهادي أو ما نسمية بالمرض الظناني، وذلك لأنها أغلقت على نفسها وانقطعت عن العالم الخارجي، ومشاعرها وما تعبر به من أفكار يدل على ذلك.وعليك بأن تنصح زوجها وتحاول إقناعه بأن هذه الأخت الفاضلة مريضة، وعلاجها ممكن ومتوفر، وهذا من فضل الله تعالى، فيجب أن يأخذ بالأسباب ويأخذ بالعلاج الدوائي، فهذا هو المفهوم الصحيح، ومن فضل الله تعالى أن هذه الأدوية متوفرة ومفيدة، وتحسن كثيراً، وأنا على ثقة أنها إن شاء الله سوف تتحسن وتتغير تماماً؛ لأن هذا النوع من المرض يستجيب جداً للعلاج، وفي ذات الوقت لأنها سيدة متعلمة ولديها رصيد من المهارات الحياتية، فسوف تكون استجابتها وتفاعلها مع العلاج أفضل من غيرها بكثير.وهناك أدوية كثيرة جداً تعالج مثل هذه الحالة، منها العقار الذي يعرف باسم رزبريدون أو سيركويل أو أولانزبين أو بيبي فلاي، فكلها أدوية فعالة وممتازة، نسأل الله أن يثيبك على سعيك في الخير.وبالله التوفيق.==========================================انتهت إجابة المستشار النفسي د. محمد عبد العليم، ولإتمام الفائدة واكتمال الجواب تم عرض استشارتك على المستشار الشرعي الشيخ/ أحمد مجيد الهنداوي، فأجاب قائلاً:فقد أحسنت إحساناً عظيماً بهذا السؤال الكريم الذي قصدت به نفع قريبتك، فأنت مأجور بإذن الله عز وجل من عدة وجوه، فإن هذه الأخت الكريمة هي أولاً امرأة مؤمنة، وهذا كافٍ في أن يسعى المؤمن لنصرة أخته المؤمنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) أخرجه مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) متفق عليه. فكيف إذا انضاف إلى ذلك أنها قريبة لك، فإن هذا يجعل هذا يزيد الأمر توكيداً ويجعلك أكثر أجراً بإذن الله عز وجل، مع ما في ذلك من الإحسان إلى زوجتك، فإن هذه الأخت هي أختها، وأنت بذلك تحسن أيضاً إلى زوجتك، بل وتحسن إلى أطفالها، فالحمد لله الذي وفقك لهذا الخلق الكريم، ونسأل الله عز وجل أن يجزيك عليه خير الجزاء وأكمله وأتمه.وأما عن هذه الحالة التي وصفتها فإن ما أشرت إليه من إمكان أن تكون مصابة بذِهان اضطهادي هو أمر وارد، ولكن لابد من الانتباه إلى أن درجة الاضطراب الاضطهادي تتفاوت من حالة إلى أخرى، وقد يعسر في كثير من الأحيان الجزم بأنه قد وصل إلى مرحلة الذهان، فلربما كان من الاضطراب الذي لم يصل بحمد الله إلى درجة أن يكون مرضاً عقليّاً، فلابد من الانتباه إلى هذا. ومما يعين على إيضاح هذا الأمر أن درجات الاضطراب الاضطهادي، خاصة أنه قد تشتبه في كثير من الأحيان هل هي داخلة في اضطراب نفسي أم أنها قد وصلت إلى درجة الذهانات، فهذا أمر لابد من التأمل فيه ولابد من اعتباره؛ لأن هذا يعينكم على أمر عظيم، ألا وهو ألا تنظروا إليها على أنها مريضة عقليا، بل لابد أن تنظروا إليها على أنها الآن امرأة تعاني من اضطراب وجداني، وهذا الاضطراب يحتاج منكم إلى رعاية وقرب منها، وأيضاً يحتاج إلى أن تعاملوها بحسب الظاهر على أنها سليمة وليست بمريضة نفسيّاً، فإن هذا سيعينها على أن تتجاوب معكم، لأنكم لو استقر في معاملتكم إياها على أنها تعاني من ذهان وفصام ونحو هذه المعاني، فإن هذا سيجعلها تشعر أكثر أنكم إنما تعادونها وأنكم تريدون الإساءة إليها، وأنكم تريدون أن تشيعوا عنها أنها مجنونة ونحو غير ذلك من الأمور التي قد تنقدح في نفسها.والمقصود أن خطوات علاج هذه الأخت الكريمة يمكن بحمد الله عز وجل، ولكن بعد النظر في الأسباب التي أوصلتها إلى هذه الحالة، فإن كثيراً ممن يعانون من الاضطراب الاضطهادي قد يصلون إلى مراحل متقدمة منه بسبب الإهمال الذي كان يجدونه ممن حولهم، فلا أحد يزورهم كما ينبغي ولا أحد يعتني بهم كما ينبغي؛ فيتأصل في أنفسهم بعد الناس عنهم وأنهم لا يهتمون بهم وأنهم محل إهمالهم وأنهم لو كانوا صادقين في محبتهم لما أهملوهم هذا الإهمال، خاصة إذا انضاف إلى ذلك بعض المواقف التي تعين ترسيخ هذا المعنى في النفس، لاسيما إن كانت هذه المواقف تصدر من المقربين إلى صاحب هذا الشأن.وأيضاً: فقد يتعرض الإنسان إلى بعض المواقف التي تصدمه صدمة نفسية عنيفة، وذلك كأن يتعرض هو نفسه لبعض المواقف التي يشعر فيها بعدوان بعض الناس وإرادتهم أمراً خبيثاً، كإرادة مثلاً أمراً محرماً يتعلق بالفواحش، أو حصول بعض هذه المواقف لبنتها مثلاً وهي صغيرة ونحو ذلك، فكل هذا يجعلها تشعر بعدوانية الناس وأنهم لا يبغون لها خيراً، وهذا الذي أشرنا إليه ومثَّلنا به قد يكون وارداً في مثل حال قريبتك الكريمة؛ لأن خوفها المتزايد على ابنتها بأن يُعتدى عليها، وكذلك منعها زوجها بأن يعاشرها في الفراش يدل على هذا المعنى، فهي لديها شيء من الخوف والتوجس بهذا المعنى برمته، لأنها قد تكون تعرضت لبعض المواقف التي رسَّخت في نفسها هذا المعنى، فينبغي أن يكون هناك إذن تشمير لمساعدتها وصدقٌ مع الله جل وعلا في رعايتها، وهذا هو دور زوجتك الكريمة التي لابد أن تتقرب إليها، ولابد أن تديم زيارتها، ولابد أن تحرص على الصبر عمَّا يصدر منها، فهذا هو الأسلوب الذي يقام به في هذا الوقت.وأيضاً: فقد أشرت إلى أن هذه المرأة منذ سنوات عديدة وهي بهذه الحالة ولا أحد يعلم عنها هذا الأمر، فهذا دليل على أن هناك نوعاً من عدم الصلة، وأن هنالك شيئاً من الانقطاع عنها، وهذا مما زاد الطين بلة، فصارت أكثر بُعداً عن الناس وأكثر توحشاً منهم.وأيضاً فإننا نتوجه إلى زوجها الكريم بهذا الكلام الذي نود أن تطلعه عليه، فنقول له: إن موقفك الآن ورغبتك في طلاق زوجتك إنما هو خطأ عظيم لو قمت به؛ لأنك بذلك تدمر زوجتك دماراً عظيماً، لأنها سيستقر أكثر في نفسها أن الناس أعداء وأنهم لا ثقة بهم، وأنهم قد تخلوا عنها حتى زوجها الذي هو والد طفلتيها، فعليك أن تكون أقرب إليها، وعليك أن تراعي جانباً عظيماً من الصبر عليها وهو الوفاء لها، فإنها الآن تمر بمرحلة عصيبة تحتاج منك أن تكون أكثر من يراعي أمرها ومن يحرص على شفاءها وعلاجها. وأيضاً: فإن الغالب أنك لو طلقتها أن تزداد حالتها سوءاً وأن تتفاقم معها هذه الحالة، فالله الله في زوجتك، فاحرص على الصبر عليها حتى تكون من المحسنين الذين قال الله تعالى فيهم: (( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ))[يوسف:90]، وهذا يحتاج منك أن تكون قريباً من زوجتك، فلنبتدئ ببعض الأمور السلوكية التي تعينها في هذا الأمر؛ فمن ذلك:إذا دخلت عليها أن تدخل عليها بالهدايا التي تحبها، وبالأطعمة التي تشتهيها، وبنوع خاص من المعاملة، بحيث تقدم بعض الهدايا التي تحبها أو الملابس الجميلة التي تفرح بها، مضافاً إلى ذلك: البسمة المشرقة التي تكون على وجهك، أجلس معها، حدثها عن نفسك، حدثها عما جرى لك في عملك ونهارك في اليوم، بادر في الكلام عن داخلة نفسك وتكلم معها وكأنها سليمة معافاة ليس لديها أي أمر عارض، وكذلك أخت زوجتك الكريمة لابد أن يكون لها مشاركة في هذا الأمر وأن تدخل على زوجتك، أن تشكوا لها بعض ما تتعرض إليه من الأمور في حياتها وأن تحدثها؛ حتى يصبح لدى زوجتك شيء من الرغبة في أن تبادلكم مثل هذه المشاعر، فتعبر عن نفسها وتعبر عن مخاوفها وتعبر عما في داخلة نفسها، فهذا أمر عظيم لابد من الانتباه إليه، ولابد من الصبر حتى تصلوا إليه.مضافاً إلى ذلك أن يكون هنالك توعية في كيفية التعامل معها لأسرتها الكريمة، فإن كان لها والدة مثلاً أو أخوات فلابد أن يكنَّ بجانبها، وأن يحصل هنالك شيء من الزيارة وشيء من الحفلات الأسرية التي تُدعى إليها.. نعم قد ترفض في البداية ولكن مرة على مرة ومحاولة تِلو محاولة ستجدون أن هناك قدراً من التفاعل حصل لديها.وأيضاً فلابد من النظر في أساليب تخرجها من طبيعة الانغلاق الذي هي عليه، فلو نظرتم مثلاً في مشروع عظيم لو أمكنكم القيام به لحققتم بذلك أمراً عظيماً ووجدتم أثر ذلك ملموساً ظاهراً، إنه الخروج بها والسفر بها إلى أداء العمرة أو الحج مثلاً، فإن هذا سيقوي من نفسها ويشرح صدرها ويشعرها بشيء من الخروج من الانغلاق النفسي الذي قد وقع لها، فهذا أمر لو تم لكان فيه خيراً كثيراً.ومضافاً إلى هذا أن تحاولوا إخراجها إلى النزهات الأسرية مع أرحامها بعيداً عن الاختلاط بالرجال الأجانب، فإن هذا مع كونه أمراً واجباً فإنه أدعى أن تنطلق مشاعرها وأن تعود إلى سابق عهدها بالمخالطة الأسرية والاجتماعية، فهذا أمر لابد من إيجاده ولابد من الصبر عليه، وليس الأمر مرده إلى أسبوع أو أسبوعين، ولكن هذا أمر يحتاج إلى شيء من الصبر ويحتاج إلى شيء من تقوى الله جل وعلا، وكذلك النظر إلى ما عند الله جل وعلا من الأجر العظيم على مساعدة هذه المسكينة التي تمر بهذه الحالة العصيبة التي ترونها أمامكم.مضافاً إلى هذا أن تُلتمس الرقية الشرعية ليجتمع أمران اثنان: أمر الرقية الشرعية مع أمر التماس الأسباب المادية الأخرى، فقد أشرنا إلى خطوات سلوكية حسنة ستنفعها النفع العاجل إن شاء الله تعالى، مضافاً إلى هذا الرقية المشروعة، فقد شرع النبي صلوات الله وسلامه عليه لنا الرقية في الأمراض البدنية والأمراض الروحية، وكلاهما يشمله قول الله تعالى: (( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ))[الإسراء:82] فقوله {شفاء} يتناول هذا وذاك.إذا علم هذا فمن الرقية الحسنة النافعة أن تقوموا بقراءة السور التالية: (الفاتحة، والإخلاص، والفلق، الناس، والشرح، وآية الكرسي، والآيات 102-103 من البقرة، وآخر آيتين منها، والآيات 118-121 الأعراف، و81-82 يونس، 69 طه). ومن الأدعية: (أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشيطان وأن يحضروك)، (أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)، (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، وممن شر كل ذي شر لا أطيق شره، ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن). فَتُقْرأ هذه الأدعية والآيات في إناء من ماء وتشرب منه ويُصب على رأسها وتُغتسل منه أيضاً في مكان طاهر، وكذلك ينبغي الحرص على تكرار هذه الرقية كل يوم فإنها لا تكلف جهداً ولا وقتاً.ونؤكد على زوجها الكريم الحرص على الصبر على زوجته، وأن يحتسب أجره عند الله جل وعلا، وأن ينظر إليها على أنه هو أكثر إنسانٍ يمكن أن يقدم لها المساعدة بل يمكن أن تثق فيه، فلابد أن يراعي هذا ا لأمر وأن يحرص على الوفاء لها، وهو أهلٌ لذلك إن شاء الله جل وعلا.ونود أن تعيدوا الكتابة إلى الشبكة الإسلامية بعد ثلاثة أسابيع مع ذكر التفاصيل والنتائج التي توصلتم في هذه المدة، مع التكرم بالإشارة إلى رقم هذه الاستشارة. نسأل الله عز وجل برحمته التي وسعت كل شيء أن يشفيها ويعافيها، وأن يجعلها في عافية دائمة في دينها ودنياها، وأن يرزقكم الأجر العظيم على العناية بها.وبالله التوفيق.