شبكة بحوث وتقارير ومعلومات
اليوم: ,Fri 05 Dec 2025 الساعة: 05:00 PM


اخر بحث





معنى كلمة (معقد) ومدلولاتها اللغوية والعرفية

تم النشر اليوم 05-12-2025 | معنى كلمة (معقد) ومدلولاتها اللغوية والعرفية
معنى كلمة (معقد) ومدلولاتها اللغوية والعرفية السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما القصد عندما نقول عن إنسان أنه معقد؟ وهل ممكن أن يولد الإنسان ولديه صفات معقدة؟ وهل من الممكن إزالتها كي يصبح متزناً؟ جزاكم الله خيراً. الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الأخت الفاضلة/ Layan حفظها الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإن هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل ليظهر لك وجه الصواب فيه، فإن كلمة (معقد) قد يستخدمها كثير من العامة في التعبير عن معانٍ يقصدونها، وقد يستخدمها بعض المختصين أحياناً للإشارة إلى بعض الأمور التي سنورد أمثلتها، ومع هذا فليست هي أمراً قائماً بعينه يمكن أن يُفرد بتشخيص خاص. فأصل كلمة (معقد) مأخذوة من التعقيد وهو الإشارة أن هنالك أموراً تجعل الإنسان عسر المزاج فيصبح منطوياً بعيداً عن مخالطة الناس مثلاً، أو لديه بعض الأفكار التي تجعله يتجه اتجاهاً يضيق فيه على نفسه ويضيق فيه على غيره فتخرج حينئذ هذه الصفة من ألسنة الناس عليه وهو أنه معقد. ولكي يتضح لك الجواب بالتفصيل فلابد أن تعرفي أن أصل (معقد) تارة تورد مورداً يراد به معنىً صحيحاً، وتارة أخرى تورد مورداً ليس بصواب، فمثلاً هنالك بعض الناس الذين قد يصفون من يلتزم بطاعة الله عز وجل ويحرص على اجتناب ما حرم الله عليه بأنه معقد، فقد تجدين من بعض الناس من يصف الفتاة المؤمنة التي التزمت بحجابها والتزمت بعدم الاختلاط بالرجال الأجانب، وأخذت بطاعة ربها، وما أمرها به من الحفاظ على نفسها فقد تجدين من يصفها بأنها معقدة، وإن سألته: لِمَ هي معقدة؟ فسيقول: لأنها ليست منفتحة على المجتمع، ولأنها منقبضة لا تختلط بالمجتمع الاختلاط الذي يجعلها فرحة مسرورة، فها هي لا تخالط الرجال ولا تصافحهم، ولا تخرج مع صديقها إلى بعض الفسحات والنزهات ونحو ذلك من الأمور، فهي معقدة. فهذا الكلام قد يقع من بعض الناس، وقد يقع في أمور أخرى أشد من ذلك، فقد يوصف بعض الناس في المجتمعات الكافرة التي تبيح الزنا والفواحش ولا تنضبط بضابط من دين ولا أخلاق، فقد تجدين من يمتنع عن الفواحش يوصف بأنه معقد، بل ربما يوصف بأنه مريض نفسي، وأنه يحذر من الجنس الآخر، فهذا أيضاً موجود وكلها معانٍ باطلة تورد عليها مثل هذه اللفظة، وما أكثر أن يوصف أهل الخير بأنهم معقدون وأنهم غير منفتحين، وكل ذلك من الباطل الذي فيه التنفير عن اتباع الحق، وفيه أيضاً زخرفة القول لتبرير ما هم عليه من باطل وابتعاد عن دين الله عز وجل. وأما المعنى الصحيح الذي قد تطلق عليه كلمة (معقد) كأن يكون بعض الناس مثلاً لديه بعض التصورات الخاطئة عن معاملة الناس، فمثلاً قد تجدين فتاة تمتنع عن الاختلاط بصاحباتها وأخواتها الصالحات الفاضلات وبمجتمعها من جارتها ومن قريباتها خوفاً من أن تختلط بهم فينالها الأذى منهم، وتتصور تصوراً عاماً عن جميع الناس بأنهم قد يؤذونها أو يحسدونها، وأنه لا يكاد أن يوجد خير في الناس، فحينئذ يصلح أن تُطلق عليها هذه الكلمة (معقدة). ومن هذا المعنى ما قد يقع لبعض الفتيات أن تظن أن كل الرجال فيهم سوء ولا يبحثون إلا على الشهوات والنزوات المحرمة، وكذلك قد يقع هذا من الرجال كأن يظن بعضهم أن كل النساء ليس فيهنَّ أمانة ولا عفة ولا خير نظراً لبعض المواقف التي تعرض لها، فهذا أيضاً قد ينسحب عليه هذا الوصف (معقد). والمقصود أن كلمة (معقد) قد تطلق على بعض الأمراض النفسية التي قد تصيب الإنسان وليست هي اصطلاحاً قائماً بعينه لتشخيص مرضٍ خاص، وإنما قد يُطلق على من يتصف بهذه الصفات التي أشرنا إليها بأنه معقد بهذا الاعتبار وهو اصطلاح فاشٍ بين الناس، وهو يرد على ألسنة بعض المختصين كما أشرنا في أول الكلام. إذا علم هذا فإن الإنسان لا يولد ولديه صفات معقدة - كما قد وقع في سؤالك الكريم – بل إن كل ما يقع للإنسان من الأمراض النفسية التي قد تحصل له إنما هي مكتسبة وليست صادرة من أصل فطرته، فإن الله جل وعلا قد خلق الخلق على أصل الفطرة، ولو تُرك الناس وفطرتهم السليمة لاستقام شأنهم وكانوا على أقوم الأمور وأحسنها وهو اتباع شرع الله جل وعلا الذي من أخذ به فقد خرج من كل سوء وحصَّل كل فضيلة، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فأوضح النبي صلوات الله وسلامه عليه أن كل مولود من بني آدم يولد على الفطرة السليمة، ولكن بالتأثير الاجتماعي، وهو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (فأبواه) لأن الوالدين هم أشد الناس تأثيراً على أولادهم بحكم قربهم وبحكم الأسرة الواحدة التي يعيشون فيها؛ فإنهم ينحرفون عن فطرتهم ويخرجون من فطرتهم السوية إلى الانحراف في عقائدهم وفي أخلاقهم وفي معاملاتهم. وهذا الحديث – الذي أشرنا إليه - وإن كان يورد في فطرة الإيمان أصالة إلا أنه يشمل أيضاً فطرة الناس التي تتعامل بالأخلاق الفاضلة التي جبل عليها الإنسان على محبتها وجبل على النفور مما يضادها، فهذه الصفات تكتسب اكتساباً إما من التأثير الاجتماعي الذي قد يكون في الأسرة والمجتمع المحيط، وإما من بعض ردَّات الفعل التي قد تصدر للإنسان فتغير من مجرى تفكيره فيصبح صاحب تفكير سلبي فيؤدي ذلك إلى حصول صفات لديه قد ينسحب عليها هذا الوصف (معقد) وتعرضه لأمراض نفسية تتفاوت حدتها ودرجتها من شخص إلى آخر كما لا يخفى على نظرك الكريم. وأما عن إمكان إزالتها فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل). أخرجه مسلم في صحيحه. وثبت في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم). فعامة الأمراض العضوية والنفسية لها - بحمد الله عز وجل – دواؤها ولكن قد تُعلم تارة وقد تُجهل تارة، فما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواءً علمه من علمه وجهله من جهله إلا ما استثناه الشرع كما في الحديث الكريم، وقد بسط الجواب على العلاج الأمراض النفسية بالطرق السلوكية الشرعية فيمكنك مراجعته، ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأن يوفقك لما يحب ويرضى. وبالله التوفيق.

شاركنا رأيك