السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالي: أنا طلبت من الله أن يعطيني شخصاً، وأنا بسبب هذا الشخص تقربت من الله كثيراً؛ لدرجة أن الله أصبح يعلمني بشيء من الغيب في منامي، فصرت أرى الشيء قبل حدوثه، ووثقت في الله وأحببته، حتى تحديت الإنس والجن، وقلت إن الله لن يخذلني، وسيعطيني هذا الشخص.

من شدة ثقتي في الله أنام وأنا مطمئنة أن هذا الشخص لي، ولكن في يوم من الأيام الله أعلمني في منامي أنه أعطى الشخص الذي أريده لبنت، وفعلاً بعد هذه الرؤيا بيومين علمت فعلاً أنني خسرت هذا الشخص.

هذا حصل منذ ثلاث سنين، وإلى الآن أنا أتعذب، وحتى بعدت عن الله ، فلم أعد أعبده كما كنت من قبل، أحس أن الله أبعدني عنه، إني أشتاق إلى الأيام التي كنت قريبة فيها من الله ، لأني أحب الله بشدة، ولكن عندما يخذلني الله أحزن، وأقول إن الله لم يحبني يوماً.

أنا ضائعة، لو كان هذا الشخص الذي طلبته من الله سيئاً، فلماذا بعدما فقدته أرى كثيراً في منامي أن هذا الشخص يهدي لي قرآناً؟ إني ضائعة، أرجو أن تجيبوا عن سؤالي، جزاكم الله خيراً...

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك في موقعنا سؤال وجواب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يرعاك، وأن يبصرك الحق ويرزقك السير إليه، وأن يصرف عنك الشر ويبعدك عنه إنه جواد كريم.

بخصوص ما تفضلت به -أيتها الكريمة- فإننا نجيبك من خلال ما يلي: أولاً: نريدك -أختنا- أن تتأملي معنا قول الله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)، ماذا فهمت من هذه الآية؟ أعيدي القراءة مرة أخرى أيتها الفاضلة.

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).

أي: (ومن الناس من هو ضعيف الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه، إما خوفاً وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ أي: إن استمر رزقه رغداً، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير، لا بإيمانه.

هذا ربما أن الله يعافيه، ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ من حصول مكروه، أو زوال محبوب انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ أي: ارتد عن دينه، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، أما في الدنيا، فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأساً لماله، وعوضاً عما يظن إدراكه، فخاب سعيه، ولم يحصل له إلا ما قسم له، وأما الآخرة، فظاهر، حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، واستحق النار، ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ أي: الواضح البين).

أختنا الفاضلة: هل يصح أن يتقرب العبد إلى ربه ويجعل معيار التعامل معه أن يحقق له مصلحة يراها كذلك ولا يدري كنهها؟! لقد تقربت إلى الله بقصد غير محبته وامتثال أمره، وقد ذكرت ذلك في بداية حديثك حين قلت: (بسبب هذا الشخص تقربت) وهذا -أختنا- ما لا ينبغي أن تكون عليه علاقة المسلم بخالقه ورازقه، ومن بيده ملكوت كل شيء، كان ينبغي عليك ابتداء أن تُقبلي على الله حباً في الله وخوفاً منه، لا أن يكون التقرب بمقصد إن حدث رضيت عن الله ، وإن لم يحدث ابتعدت وسخطت! ليس هذا هو حسن أدب العبد مع سيده ومولاه.

ثم تقولين: (عندما خذلني الله أحزن، وأقول إن الله لم يحبني يوماً)! وهذه والله كلمة عظيمة ما كنا نحب أن نسمعها من مسلمة تعلم يقيناً فضل ربها عليها من كل وجه، ولكن البعض متى ما كان في مشكلة أغلق عينه عن كل عطايا سيده عليه، ونظر إليه من هذا الباب الصغير.

أختنا: لو نظرت إلى مريض السرطان لعلمت نعمة العافية عليك، ولو نظرت إلى الكفيفة لعلمت نعمة البصر لديك، ولو نظرت إلى من شردت من بلادها، وباتت تفترش الأرض وتلتحف السماء؛ لعلمت فضل الأمن عليك، ولو أخذنا نعدد نعم الله ما استطعنا (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم).

أختنا الكريمة: إن الخلل دخل لك من وجهين: الأول: أنك فهمت من الأحلام أنها رسالة من الله ، وما علمت -أيتها الفاضلة- أنها استدراج من الشيطان إليك! نعم أختنا: إن الشيطان يستدرج ابن آدم، بما يظنه الخير وهو الشر، مثلما حدث معك! قد تقولين كيف يكون من الشيطان، وأنا أراه بالمصحف؟ ونقول لك -أختنا الكريمة- هذه من أساليب الشيطان لخداع ابن آدم.

نحن نقول لك -أختنا- إن الله ما صرفه عنك إلا لأنه يريد لك الخير، ولو قرأت معاناة كثير من أخواتنا بعد الزواج لعلمت أنك منعم عليك، وقد تدركين ذلك اليوم أو غداً، لكن اعلمي أن الله ما صرف عنك شيئاً إلا وهو يريد لك الخير، ثم ما يدريك لعل الله ادخر لك من هو خير لك من هذا الشاب وأنت لا تعلمين؟ أختنا الكريمة: إننا ننصحك بطرد كل الأفكار التي يقذفها الشيطان، واعلمي أن العبد قد يقبل على الشر يظنه خيراً ولا يعلم، وقد ينصرف عن الخير يظنه الشر ولا يدري، وهذا دليله قول الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

المعنى كما قال أهل العلم: إن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة، التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة، لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة في ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب! والعكس صحيح: فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد.

أختنا الكريمة: اعلمي -وفقك الله - أن الله عز وجل غني عن العالمين، لا ينفعه شكر الشاكرين ولا صبر الصابرين، كما لا يضره كفر الكافرين ولا جزع الجازعين، قال جل وعلا: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) {الفرقان:77}.

في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

رواه مسلم.

الخير كل الخير مرده على من عبد وتوكل على الله ورضي بالقدر، ومن سلك غير هذا الطريق فد خسر وضل، ولن يربح إلا ما قدره الله عليه، تأملي هذا الحديث أختنا، يقول صلى الله عليه وسلم: (من كانت الدُّنيا همَّه، فرَّق الله ُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينَيْه، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه، جمع الله ُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ).

إننا ندعوك إلى قراءة باب القضاء والقدر أو الاستماع إليه وهو موجود في موقعنا، كما ندعوك إلى إحسان الظن بالله والتوبة إليه، والإقبال عليه تعبداً وتذللاً وانقياداً له سبحانه، فهذا هو الطريق.

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، والله الموفق..