مجموعة نيرمي الإعلامية

اخر المشاهدات
مواقعنا
الاكثر بحثاً

مجموعة نيرمي الإعلامية




سؤال وجواب | هل يشرع بيان تفاصيل مسائل الأسماء والصفات ؟ وما حكم العامي إذا جهل شيئا من ذلك ؟

اقرأ ايضا

-
سؤال وجواب | أعاني من الارتجاع، فهل ما يصيبني من أعراض أمر طبيعي؟
- سؤال وجواب | كيف أتخلص من غازات المعدة المحرجة؟
- سؤال وجواب | نخزات في صدر والدي تمتد للظهر بعد وقوعه على الأرض، فما السبب؟
- سؤال وجواب | أعاني من ألم شديد بكعب القدمين ومن الأسفل، ما العلاج؟
- سؤال وجواب | أعاني من وجود وخز في منطقة الشرج، فهل هي علامة على الإصابة بالبواسير؟
- سؤال وجواب | عندي انتفاخات أو تورمات في الشرج تصعب عليّ التبرز
- سؤال وجواب | أعاني من كثرة الغازات وصعوبة التبرز ومشاكل أخرى، فما الحل؟
- سؤال وجواب | ألم في فتحة الشرج أثناء نزول المنى في الاحتلام، فما العلاج؟
- سؤال وجواب | لا أرتاح إلى للصديقات اللاتي يكبرنني سنا، فهل الأمر طبيعي؟
- سؤال وجواب | حكم لعبة كونكر
- سؤال وجواب | أجريت عملية بواسير لكني ما زلت أعاني منها
- سؤال وجواب | حكم مشاهدة ألعاب فيها رجال يظهر فيها جزء من أفخاذهم
- سؤال وجواب | أعاني من غازات ومشاكل في المعدة مع خوف ووسواس، فما العلاج؟
- سؤال وجواب | أريد معرفة نوع مرض الروماتيزم الذي أعاني منه
- سؤال وجواب | أصبحت أراقب نفسي وتصرفاتي وكلماتي. فما سبب ذلك؟
آخر تحديث منذ 1 ساعة
2 مشاهدة

هل العلم بمسائل الأسماء والصفات من الواجبات المطلوبة من المسلم ؟ أليس من الأولى أن نصرف أوقاتنا في أمور أكثر أهمية ونفعا ؟ أنا أتفهم أن معرفة مثل هذه الجزئيات قد يكون أمراً مهماً بالنسبة للعلماء والمشايخ ، فما شأن العامّة بها ؟! كثير من الإخوة يتناقشون هذه الأيام حول مسألة الموقع الفعلي الحسي لله تعالى.

ولو أن المسلم مات دون معرفة المكان الفعلي الحسي لله تعالى هل يُقال : إنه آثم ؟!.

الحمد لله.

أولا : سبق بيان أهمية العلم بباب أسماء الله وصفاته ، وأن ذلك أشرف العلوم ، وأجلها قدرا ، وهي من أعظم أبواب الدخول على الله جل جلاله ، والتوسل إليه ، والتقرب منه سبحانه وتعالى ؛ وقد قال الله تعالى : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأعراف /180.

وفي صحيح البخاري (7392) ، ومسلم (2677) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ.

ثانيا : وأما ما ذكرته من نقاش الإخوة في مسائل العلو ونحوه ، فليعلم أن الناس في هذا الباب ونحوه : طرفان ، ووسط.

أما الطرف الأول : فطرف من يتكلف التنقير عن دقائق هذه الأبواب ، ثم لا يقف عند هذا الحد ، حتى يظن أن نشر مثل هذه التدقيقات على العامة : هو من أصول الاعتقاد ، ومن واجبات الدين ، ومهمات الدعوة.

وأما الطرف الثاني : فطرف من يزهد في هذا الباب كله ، ويميل عنه كل الميل ، أو لا يعتني بتقرير وجه الحق فيه ، ورد البدعة والخطأ الذي شاع في الناس ، ويرى السكوت عن ذلك ، والاشتغال عنه ، إما بأمور علمية أخرى ، أو عملية ، أو سياسية ، أو نحو ذلك من توجهات الناس ، وميولهم ، يرى أن ذلك كله أوجب ، أو هو الواجب ، دون تعليم الناس أمور اعتقادهم ، وفتح باب المعرفة في أسماء الله وصفاته.

وأما الوسط : فيعمل على تقرير الباب ، من حيث الأصل ، ثم يتفاوت الناس بعد ذلك ، بحسب هممهم ، ومقامهم من العلم والإيمان ، وما أعطوا من العلم والعقل ، والآلة التي تؤهله للفهم عن الله ورسوله في مثل هذا الباب ، وإدراك ما يتحدث الناس فيه ، ويتنازعون حوله.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَلْزَمَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةَ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ.

وَمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ ، وَتَفَرَّقَتْ فِيهِ : إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَفْصِلَ النِّزَاعَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ ؛ وَإِلَّا اسْتَمْسَكَ بِالْجُمَلِ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَأَعْرَضَ عَنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ، فَإِنَّ مَوَاضِعَ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ عَامَّتُهَا تَصْدُرُ عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى.

وَالْوَاجِبُ أَمْرُ الْعَامَّةِ بِالْجُمَلِ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ الْخَوْضِ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي يُوقِعُ بَيْنَهُمْ الْفُرْقَةَ وَالِاخْتِلَافَ ؛ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ وَالِاخْتِلَافَ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/237).

ثالثا : المسائل التي لم يبلغ العبد فيها علمها مفصلا ، أو لم تمكنه آلته من النظر فيها : لا يحل له أن يتكلم فيها بغير علم ، كما لا يحل له أن يعرض عما بلغه تفصيل علمه من كتاب الله وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، كما لا يحل له أن يسكت عن بيان الحق فيما تنازع الناس فيه ، وبلغه علمه من الخبر الصادق.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِالْإِيمَانٍ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مُجْمَلًا ، مُقِرًّا بِمَا بَلَّغَهُ مِنْ تَفْصِيلِ الْجُمْلَةِ ، غَيْرَ جَاحِدٍ لِشَيْءٍ مِنْ تَفَاصِيلِهَا : أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؛ إذْ الْإِيمَانُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ تَفْصِيلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَأَمَرَ بِهِ غَيْرَ مَقْدُورٍ لِلْعِبَادِ ، إذْ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ.

وَلِهَذَا يَسَعُ الْإِنْسَانَ فِي مَقَالَاتٍ كَثِيرَةٍ ألَا يُقِرُّ فِيهَا بِأَحَدِ النَّقِيضَيْنِ ، لَا يَنْفِيهَا وَلَا يُثْبِتُهَا ، إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ الرَّسُولَ نَفَاهَا أَوْ أَثْبَتَهَا.

وَيَسَعُ الْإِنْسَانَ السُّكُوتُ عَنْ النَّقِيضَيْنِ فِي أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ ، إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ بِوُجُوبِ قَوْلِ أَحَدِهِمَا.

أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ هُوَ الَّذِي قَالَهُ الرَّسُولُ دُونَ الْآخَرِ ، فَهُنَا يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْ ذَلِكَ وَكِتْمَانُهُ : مِنْ بَابِ كِتْمَانِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ، وَمِنْ بَابِ كِتْمَانِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ مِنْ اللَّهِ ، وَفِي كِتْمَانِ الْعِلْمِ النَّبَوِيِّ مِنْ الذَّمِّ وَاللَّعْنَةِ لِكَاتِمِهِ مَا يَضِيقُ عَنْهُ هَذَا الْمَوْضِعَ.

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مُتَضَمِّنًا لِنَقِيضِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ لَا يَتَضَمَّنُ مُنَاقَضَةَ الرَّسُولِ ، لَمْ يَجُزْ السُّكُوتُ عَنْهُمَا جَمِيعًا ، بَلْ يَجِبُ نَفْيُ الْقَوْلِ الْمُتَضَمِّنِ لِمُنَاقَضَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ عَلَى الْوَاقِفَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ حِينَ تَنَازَعَ النَّاسُ ، فَقَالَ قَوْمٌ بِمُوجَبِ السُّنَّةِ ، وَقَالَ قَوْمٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ ، وَتَوَقَّفَ قَوْمٌ فَأَنْكَرُوا عَلَى الْوَاقِفَةِ ، كَالْوَاقِفَةِ الَّذِينَ قَالُوا لَا نَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.

هَذَا مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْوَاقِفَةِ يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ مُضْمِرًا لِلْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِلسُّنَّةِ ، وَلَكِنْ يُظْهِرُ الْوَقْفَ نِفَاقًا وَمُصَانَعَةً ؛ فَمِثْلُ هَذَا مَوْجُودٌ ! ".

انتهى من "التسعينية" (1/210-212).

رابعا : لا يلزم أن يكون كل من جهل شيئا في هذا الباب ، أو أخطأ فيه : أن يكون آثما ؛ كما لا يلزم من كون الشخص معذورا ، أو مأجورا ، أن يكون غيره كذلك ؛ بل هذا يتفاوت بحسب حال الشخص ، وما بلغه من نور النبوة ، وهدي الرسالة.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله : " الْمَسَائِلَ الْخَبَرِيَّةَ الْعِلْمِيَّةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةَ الِاعْتِقَادِ ، وَقَدْ تَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ، وَعَلَى قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ؛ وَقَدْ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً غَيْرَ وَاجِبَةٍ ، وَقَدْ تُسْتَحَبُّ لِطَائِفَةِ أَوْ فِي حَالٍ كَالْأَعْمَالِ سَوَاءً ، وَقَدْ تَكُونُ مَعْرِفَتُهَا مُضِرَّةً لِبَعْضِ النَّاسِ ، فَلَا يَجُوزُ تَعْرِيفُهُ بِهَا كَمَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ؛ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَا مِنْ رَجُلٍ يُحَدِّثُ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلَّا كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ ".

وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ.

الْآيَةَ فَقَالَ: مَا يُؤَمِّنُك أَنِّي لَوْ أَخْبَرْتُك بِتَفْسِيرِهَا لَكَفَرْت؟ وَكُفْرُك تَكْذِيبُك بِهَا.

وَقَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ هُوَ يَوْمٌ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ؛ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ عَنْ السَّلَفِ.

فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ " بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ " قَدْ يَكُونُ نَافِعًا ، وَقَدْ يَكُونُ ضَارًّا لِبَعْضِ النَّاسِ ، تَبَيَّنَ لَك أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يُنْكَرُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ، وَمَعَ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ؛ وَإِنَّ الْعَالِمَ قَدْ يَقُولُ الْقَوْلَيْنِ الصوابين كُلَّ قَوْلٍ مَعَ قَوْمٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَنْفَعُهُمْ ؛ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ صَحِيحَانِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ؛ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ قَوْلُهُمَا جَمِيعًا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ ؛ فَلَا يَجْمَعُهُمَا إلَّا لِمَنْ لَا يَضُرُّهُ الْجَمْعُ.

وَإِذَا كَانَتْ قَدْ تَكُونُ قَطْعِيَّةً ، وَقَدْ تَكُونُ اجْتِهَادِيَّةً: سَوَّغَ اجْتِهَادِيَّتَهَا مَا سَوَّغَ فِي الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ ؛ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي كَثِيرٍ مِنْ التَّفْسِيرِ هُوَ مِنْ بَابِ الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ الْخَبَرِيَّةِ لَا مِنْ بَابِ الْعَمَلِيَّةِ ؛ لَكِنْ قَدْ تَقَعُ الْأَهْوَاءُ فِي الْمَسَائِلِ الْكِبَارِ كَمَا قَدْ تَقَعُ فِي مَسَائِلِ الْعَمَلِ ، وَقَدْ يُنْكِرُ أَحَدُ الْقَائِلِينَ عَلَى الْقَائِلِ الْآخَرِ قَوْلَهُ إنْكَارًا يَجْعَلُهُ كَافِرًا أَوْ مُبْتَدِعًا فَاسِقًا يَسْتَحِقُّ الْهَجْرَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ وَهُوَ أَيْضًا اجْتِهَادٌ.

وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ التَّغْلِيظُ صَحِيحًا فِي بَعْضِ الْأَشْخَاصِ أَوْ بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِظُهُورِ السُّنَّةِ الَّتِي يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَهَا؛ وَلِمَا فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّذِي يُبَدَّعُ قَائِلُهُ؛ فَهَذِهِ أُمُورٌ يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَهَا الْعَاقِلُ؛ فَإِنَّ الْقَوْلَ الصِّدْقَ إذَا قِيلَ: فَإِنَّ صِفَتَهُ الثُّبُوتِيَّةَ اللَّازِمَةَ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلْمُخْبِرِ.

أَمَّا كَوْنُهُ عِنْدَ الْمُسْتَمِعِ مَعْلُومًا أَوْ مَظْنُونًا أَوْ مَجْهُولًا أَوْ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا أَوْ يَجِبُ قَبُولُهُ أَوْ يَحْرُمُ أَوْ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ أَوْ لَا يَكْفُرُ؛ فَهَذِهِ أَحْكَامٌ عَمَلِيَّةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ.

فَإِذَا رَأَيْت إمَامًا قَدْ غَلَّظَ عَلَى قَائِلِ مَقَالَتِهِ أَوْ كَفَّرَهُ فِيهَا فَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا حُكْمًا عَامًّا فِي كُلِّ مَنْ قَالَهَا إلَّا إذَا حَصَلَ فِيهِ الشَّرْطُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ وَالتَّكْفِيرَ لَهُ؛ فَإِنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ الشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ وَكَانَ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَاشِئًا بِبَلَدِ جَهْلٍ لَا يَكْفُرُ حَتَّى تَبْلُغَهُ الْحُجَّةُ النَّبَوِيَّةُ.

وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ إذَا رَأَيْت الْمَقَالَةَ الْمُخْطِئَةَ قَدْ صَدَرَتْ مِنْ إمَامٍ قَدِيمٍ فَاغْتُفِرَتْ؛ لِعَدَمِ بُلُوغِ الْحُجَّةِ لَهُ ؛ فَلَا يُغْتَفَرُ لِمَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ مَا اُغْتُفِرَ لِلْأَوَّلِ فَلِهَذَا يُبَدَّعُ مَنْ بَلَغَتْهُ أَحَادِيثُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهَا إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَا تُبَدَّعُ عَائِشَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ بِأَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ.

فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ نَافِعٌ.

وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي " شَيْئَيْنِ : فِي الْمَقَالَةِ " هَلْ هِيَ حَقٌّ؟ أَمْ بَاطِلٌ؟ أَمْ تَقْبَلُ التَّقْسِيمَ فَتَكُونُ حَقًّا بِاعْتِبَارِ بَاطِلًا بِاعْتِبَارِ؟ وَهُوَ كَثِيرٌ وَغَالِبٌ؟.

ثُمَّ النَّظَرُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا أَوْ تَفْصِيلًا ، وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ ؛ فَمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ أَصَابَ الْحَقَّ قَوْلًا وَعَمَلًا ، وَعَرَفَ إبْطَالَ الْقَوْلِ وَإِحْقَاقَهُ وَحَمْدَهُ ، فَهَذَا هَذَا ، وَاَللَّهُ يَهْدِينَا وَيُرْشِدُنَا إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ ".

انتهى من " مجموع الفتاوى " (6/59-61).

وقال أيضا : " وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ خَالَفَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الِاعْتِقَادِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَالِكًا فَإِنَّ الْمُنَازِعَ قَدْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا يَغْفِرُ اللَّهُ خَطَأَهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا تَقُومُ بِهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ ، وَإِذَا كَانَتْ أَلْفَاظُ الْوَعِيدِ الْمُتَنَاوَلَةُ لَهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا الْمُتَأَوِّلُ وَالْقَانِتُ وَذُو الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَغْفُورُ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ: فَهَذَا أَوْلَى، بَلْ مُوجِبُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ نَجَا فِي هَذَا الِاعْتِقَادِ وَمَنْ اعْتَقَدَ ضِدَّهُ فَقَدْ يَكُونُ نَاجِيًا وَقَدْ لَا يَكُونُ نَاجِيًا كَمَا يُقَالُ مَنْ صَمَتَ نَجَا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/179).

خامسا : وأما أن العبد سيسأل عن ذلك ، أو لا يسأل ، فقد تبين شيء من جواب ذلك من مسألة التأثيم وعدمه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، في جواب له عما يجب على المكلف اعتقاده : " أَمَّا قَوْلُهُ: مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ اعْتِقَادُهُ فَهَذَا فِيهِ إجْمَالٌ وَتَفْصِيلٌ.

أَمَّا الْإِجْمَالُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُقِرَّ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ: مِنْ أَمْرِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَنَهَى ، بِحَيْثُ يُقِرُّ بِجَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ ، وَمَا أَمَرَ بِهِ ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ؛ وَالِانْقِيَادِ لَهُ فِيمَا أَمَرَ.

وَأَمَّا التَّفْصِيلُ : فَعَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يُقِرَّ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ؛ مِنْ أَنَّ الرَّسُولَ أَخْبَرَ بِهِ ، وَأَمَرَ بِهِ.

وَأَمَّا مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ ؛ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ ؛ فَهُوَ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْإِقْرَارِ بِهِ مُفَصَّلًا ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي إقْرَارِهِ بِالْمُجْمَلِ الْعَامِّ.

ثُمَّ إنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا : كَانَ مُخْطِئًا يُغْفَرُ لَهُ خَطَؤُهُ ؛ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ وَلَا عُدْوَانٌ ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنْ الِاعْتِقَادِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى آحَادِ الْعَامَّةِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ نَشَأَ بِدَارِ عِلْمٍ وَإِيمَانٍ مِنْ ذَلِكَ ، مَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ نَشَأَ بِدَارِ جَهْلٍ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ ؟ فَهَذَا أَيْضًا يَتَنَوَّعُ ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، فَيَعْلَمَ مَا أمرَ بِالْإِيمَانِ بِهِ ، وَمَا أمرَ بِعِلْمِهِ ؛ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ لَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ عِلْمِ الزَّكَاةِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ عِلْمِ الْحَجِّ ، وَكَذَلِكَ أَمْثَالُ ذَلِكَ.

وَيَجِبُ عَلَى عُمُومِ الْأُمَّةِ عِلْمُ جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ، بِحَيْثُ لَا يَضِيعُ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي بَلَّغَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ شَيْءٌ ، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ؛ لَكِنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُعَيَّنُ : فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ؛ إذَا قَامَتْ بِهِ طَائِفَةٌ ، سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ .
" انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/327-329).

والله أعلم .
.



شاركنا تقييمك




اقرأ ايضا

- سؤال وجواب | حكم مشاهدة ألعاب فيها رجال يظهر فيها جزء من أفخاذهم
- سؤال وجواب | أعاني من غازات ومشاكل في المعدة مع خوف ووسواس، فما العلاج؟
- سؤال وجواب | أريد معرفة نوع مرض الروماتيزم الذي أعاني منه
- سؤال وجواب | أصبحت أراقب نفسي وتصرفاتي وكلماتي. فما سبب ذلك؟
- سؤال وجواب | هل أنا مخطئة فيما آلت إليه علاقتي بصديقتي؟
- سؤال وجواب | الفترة اللازمة لتعاطي إبر هرمون التستوستيرون والأعراض الجانبية المصاحبة لاستخدامها.
- سؤال وجواب | عملت حقنة شرجية بملح البحر لعلاج الغازات فسببت لي مشاكل
- سؤال وجواب | كيف أتخلص من وساوس الرياء ومراقبة الناس؟
- سؤال وجواب | هل يسبب الريسبيردون والزيبركسا حرقة المعدة وارتجاع الحمض؟
- سؤال وجواب | زوجي يقصر في نفقته عليّ لأني موظفة، فما توجيهكم؟
- سؤال وجواب | ما هو علاج الإمساك والبواسير؟
- سؤال وجواب | حكم موجودات محل أصلها أو بعضها من تجارة حرام
- سؤال وجواب | أعاني من التهاب أوتار الكتف والعلاج لم يفدني
- سؤال وجواب | حياتي بين تأنيب الضمير وتذكر الماضي. ساعدوني
- سؤال وجواب | ما سبب ارتفاع الحرارة بدون معرفة السبب؟
 
شاركنا رأيك بالموضوع
التعليقات

لم يعلق احد حتى الآن .. كن اول من يعلق بالضغط هنا


أقسام مجموعة نيرمي الإعلامية عملت لخدمة الزائر ليسهل عليه تصفح الموقع بسلاسة وأخذ المعلومات تصفح هذا الموضوع ويمكنك مراسلتنا في حال الملاحظات او التعديل او الإضافة او طلب حذف الموضوع ...آخر تعديل اليوم 2024/09/22




كلمات بحث جوجل