أحيانا أطلب من أمي مالا فتعطيني إياه، مع العلم أنني لست في حاجة إليه، فهل هذا يدخل في باب الهبة المحرمة، سواء كان المال قليلا أو كثيرا، مع العلم أنها لا تعطيني إياه بنية الهبة، وإنما بناء على طلبي مع ذكر الدليل؟ وإن كان يجوز لها أن تعطيني إياه، فكيف أفرق بين هذا وبين الهبة؟.
.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:فإن كنت تقصد بالهبة المحرمة الهبة التي يفضل بها بعض الأبناء عن بعض، فنقول: إنه ما دمت مستغنياً غير محتاج للنفقة، فما تعطيه لك أمّك من المال بناء على طلبك، فهو هبة، يجب عليها أن تسوي فيه بينك وبين سائر إخوتك ـ إن كان لك إخوة ـ قال ابن قدامة: والأم في المنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب.
لكن إذا كانت لك حاجة دون إخوتك تقتضي تفضيلك بالهبة، فهي جائزة، قال ابن قدامة: فإن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله ، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والعطية في معناه.
وكذلك يجوز التفضيل إذا رضي جميع الإخوة وأذنوا في ذلك بطيب نفس، قال الرحيباني رحمه الله : وَحَلَّ لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَغَيْرِهِمَا تَفْضِيلٌ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ بِإِذْنٍ بَاقٍ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ التَّخْصِيصِ كَوْنُهُ يُوَرِّثُ الْعَدَاوَةَ وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْإِذْنِ.

وهذا كله في المال الذي تتبعه النفوس ولا يتسامح الناس في مثله، أما اليسير الذي يتسامح الناس به في العادة، ويسير الطعام والشراب ونحو ذلك، فلا تجب التسوية فيه، قال البهوتي رحمه الله : ولا يجب التعديل بينهم في شيء تافه، لأنه يتسامح به، فلا يحصل التأثر.

والله أعلم.
.