[ تعرٌف على ] أهل السنة والجماعة
تم النشر اليوم [dadate] | أهل السنة والجماعة
مفهوم كلمة السنة
.
لا تذهبن في الأمور فرطالا تسألن إن سألت شططاوكن من الناس جميعا وسطا
ووسط الوادي: خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء. ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم. وفي الحديث: «خير الأمور أوسطها»، وفيه عن علي رضي الله عنه: «عليكم بالنمط الأوسط، فإليه ينزل العالي، وإليه يرتفع النازل».[112] قال الشاطبي في معنى قول الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٥٣﴾[الأنعام:153]: فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه، وهو السنة، والسبل هي سبل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع، وليس المراد سبل المعاصي؛ لأن المعاصي من حيث هي معاص لم يضعها أحد طريقا تسلك دائما على مضاهاة التشريع، وإنما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات. وعن مجاهد في قوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾[الأنعام:153]، قال: البدع والشبهات. وسئل مالك عن السنة؟ فقال: هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153]. فهذا التفسير يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع، لا تختص ببدعة دون أخرى. ومن الآيات قول الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ٩﴾[النحل:9]. فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائر عن الحق أي: عادل عنه وهي طرق البدع والضلالات.[113] والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه هو سبيل الله الذي دعا إليه، ومهمة الأنبياء والرسل هداية الناس إلى صراط الله المستقيم هداية دلالة وإرشاد، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد، والضلال والضلالة: ضد الهدي والهدى، وهو الخروج عن الطريق، فالضال يلتبس عليه الأمر حيث لم يكن له هاد يهديه، وهو الدليل، فصاحب البدعة لما غلب الهوى مع الجهل بطريق السنة توهم أن ما ظهر له بعقله هو الطريق القويم دون غيره، فمضى عليه، فحاد بسببه عن الطريق المستقيم، فهو ضال وإن كان بزعمه يتحرى قصدها. فالمبتدع من هذه الأمة، إنما ضل في أدلتها، حيث أخذها مأخذ الهوى والشهوة لا مأخذ الانقياد تحت أحكام الله، وهذا هو الفرق بين المبتدع وغيره؛ لأن المبتدع جعل الهوى أول مطالبه، وأخذ الأدلة بالتبع.[114] وقد جاء النهي عن كثرة السؤال والمغالات فيه لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾[المائدة:101] وفي الحديث: «عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"».[115] ولمسلم بلفظ: «ذروني» وهي بمعنى دعوني وذكر مسلم سبب هذا الحديث من رواية محمد بن زياد فقال: «عن أبي هريرة خطبنا رسول الله ﷺ فقال: يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال ذروني ما تركتكم..».[116] قال ابن حجر: والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه، والنهي عن كثرة السؤال لما فيه غالبا من التعنت، وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل، فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة. قال ابن فرج: معنى قوله ذروني ما تركتكم لا تكثروا من الإستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظهر ولو كانت صالحة لغيره، والنهي عن التنقيب عن ذلك لأنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل، إذ أمروا أن يذبحوا البقرة فلو ذبحوا أي بقرة كانت لامتثلوا ولكنهم شددوا فشدد عليهم.[115] وفيه دليل النهي عن كثرة المسائل والمغالاة في ذلك، قال البغوي في شرح السنة: المسائل على وجهين أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾[النحل:43] … الآية، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما. ثانيهما: ما كان على وجه التعنت والتكلف، وهو المراد في هذا الحديث والله أعلم، ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف، فعند أحمد من حديث معاوية أن النبي ﷺ نهى عن الأغلوطات قال الأوزاعي: هي شداد المسائل، وقال الأوزاعي أيضا: «إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقل الناس علما» وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: «المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل»[115] وقال ابن العربي: «كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية أن ينزل ما يشق عليهم، فأما بعد فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع» قال: «وإنه لمكروه إن لم يكن حراما إلا للعلماء فإنهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك، ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم» انتهى. ملخصا.[115] وفي الحديث: «إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم».[117] قال الشاطبي: فمن نصوص القرآن الدالة على ذم البدعة: قول الله تعالى: ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله... الآية﴾[آل عمران:7]، فالمحكمات بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد من الناس،[118] والمتشابهات تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد. وفي رواية للبخاري بلفظ: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». وفي رواية: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». وفي رواية: «قد حذركم الله فإذا رأيتموهم فاعرفوهم».[119][120][121] روى ابن كثير عن الإمام أحمد: في قوله: ﴿فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه﴾ قال: «هم الخوارج»، وفي قوله: ﴿يوم تبيض وجوه وتسود وجوه﴾،[122] قال: «هم الخوارج». ورجح الطبري أنه وإن كان نزول الآية في نصارى نجران إلا أنه يشمل جميع أصناف المبتدعة كان من النصرانية أو اليهودية أو المجوسية أو كان سبئيا أو حروريا أو قدريا أو جهميا وغيرهم ممن يجادلون فيه.[123] وهذا بخلاف استخدام العقل وسيلة للتفكر في المخلوقات المؤدي إلى الإيمان، حيث دلت نصوص الشريعة على استخدام البرهنة العقلية في إثبات العقائد،[° 12] قال ابن خلدون: «وأمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية وأدلتها من الكتاب والسنة كثير وهي معلومة ومقررة، وما وقع من الخلاف في العقائد أكثره من اتباع المتشابه». الجدول التالي يعرض وجهة النظر السنية من ناحية أن أهل السنة والجماعة هم أهل الوسطية في المعتقدات. القضاء والقدر الجبرية: غلوا في إثبات القدر، فنفوا فعل العبد أصلا، وجعلوا الإنسان مقسورا ومجبورا وليس له اختيارات أبدا. أهل السنة والجماعة: فتوسطوا وجعلوا له اختيارا، ولكن اختياره مربوط بمشيئة الله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وقالوا: إن العباد فاعلون والله خالقهم وخالق أفعالهم، كما ذكر القرآن: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ. فهذا توسطهم في باب القضاء والقدر. القدرية: فرطوا في القضاء والقدر، وقالوا إن الإنسان هو الذي يخلق أفعاله وليس لله قدرة على هداية العبد أو على إضلاله.
مسالة الإيمان والدين الحرورية والمعتزلة: فالحرورية يسمون مرتكب الكبيرة كافرا ويستحلون دمه وماله، وأما المعتزلة فقالوا: إن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر فهو بمنزلة بين المنزلتين؟. أهل السنة والجماعة: جعلوا الإنسان مستحقا اسم الإيمان واسم الإسلام، ولو كان معه شيء من الذنوب وشيء من المعاصي، فمرتكب الكبيرة عندهم ناقص الإيمان، قد نقص إيمانه بقدر ما ارتكب من معصيته، فلا ينفون عنه الإيمان أصلا ولا يخرجونه من الإسلام بالكلية، ولم يجعلوا المذنب كامل الإيمان بل جعلوه مؤمنا ناقص الإيمان. المرجئة والجهمية: فالمرجئة قالوا: أن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يستحق دخول النار، وقالوا لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فعندهم أن من صدّق بقلبه ولو لم يعمل فهو مؤمن كامل الإيمان.
علي بن أبي طالب النواصب والخوارج: النواصب قالوا: بفسق علي بن أبي طالب، والخوارج قالوا: بكفر علي بن أبي طالب. أهل السنة والجماعة: قالوا أن علي بن أبي طالب خليفة راشد وأنه أفضل من ألوف من الصحابة إلا ثلاثة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وكلهم ذوي فضل، ولكنه ليس معصوما كعصمة الأنبياء. الشيعة: فالإثناعشرية قالوا: بأنه معصوم كعصمة الأنبياء وأنه أفضل من كل الأنبياء إلا النبي محمد.
التسمية
رسم لفظ الجلالة
أهل السنة والجماعة لقب جرى استعماله منذ فترات متقدمة من تاريخ الإسلام للدلالة على أصحاب الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث ومن تبعهم وسار على طريقتهم،
ولم يكن لقب أهل السنة والجماعة اصطلاحا متعارفا عليه في بداية التاريخ الإسلامي، حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق بين المسلمين، فلم يكونوا بحاجة لتسمية تميزهم حيث لم يكونوا متفرقين ولا مختلفين في أصول الدين وكلياته، وإن وقع اختلاف بين الأئمة المجتهدين في غير ذلك من المسائل الفرعية فهو أمر أقره الشرع، وغالبا ما كان ينتهي بالإجماع، وكلهم مجتمعون على هدي النبوة، وكان يطلق على عموم المؤمنين بدين الإسلام اسم: «المسلمين» أو أهل الإسلام، وكان يطلق على الأئمة منهم أهل العلم أو القراء أي: المتعلمون أو الفقهاء بمعنى علماء الدين، وإنما بدأت التسمية تظهر تدريجيا بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسميات مختلفة، فالأمة الإسلامية أمة واحدة منذ نشأتها وهذا ما أكده الله في القرآن بقوله: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ٥٢﴾[المؤمنون:52]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٥٣﴾[الأنعام:153]. وصراط الله المستقيم طريق دين الإسلام الذي لا اعوجاج فيه، والسبل المتفرقة طرق الضلال. وأصل التسمية قبل أن تكون لقبا متعارفا عليه قد جرى استعمالها عند أئمة أهل السنة في عصر السلف، حيث كانوا يستعملون عبارة: أهل السنة بمعنى: أصحاب الطريقة المتبعة في الدين وهم الأئمة أهل العلم الشرعي الذي يحمله من كل خلف عدوله، وكانوا يستعملون كلمة: السنة بمعنى العلم في الدين عموما، فيقولون مثلا: فلان أعلمهم بالسنة، والمقصود من هذا هو العلم بالشريعة، ولما وقعت الفتنة التي ظهرت أحداثها بالخروج على الخليفة عثمان بن عفان ثالث الخلفاء وأدت إلى مقتله بدء ظهور استعمال تسمية أهل السنة في تلك الفترة، وبحسب ما جاء عن ابن سيرين أن لقب أهل السنة يراد به أئمة علماء الدين وحملة الشريعة، تمييزا لهم عن المخالفين لهم، وكان سبب ذلك أن وقوع تلك الفتنة المشار إليها حمل ظواهر غريبة تمثلت فيمن انتسب إلى علم الشريعة من غير أهلها، وجرى استنكار ذلك ووضع شروط معينة لنقل ورواية الحديث من أهمها الإسناد والعدالة، ففي صحيح مسلم: عن محمد بن سيرين قال: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم»
عن ابن سيرين قال: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم».
وفي رواية للترمذي في العلل:
عن ابن سيرين قال: «كان في الزمان الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد، لكي يأخذوا حديث أهل السنة، ويدعوا حديث أهل البدع». روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم»". فالسنة التي جاءت في كلامه بمعنى الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان في الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وأهل السنة هم أهل العلم في الدين رواية ودراية، فالرواية نقل نصوص القرآن والحديث وأقوال الأئمة، والدرية العلم في الدين، فأهل السنة يراد بهم أهل العلم المشتمل على الرواية والدراية معا، وقد ذكر ابن سيرين أهل السنة في مقابل أهل البدعة، وأهل السنة كانوا في حينها يفسرون أهل البدعة بأنه يشمل جميع أهل الزيغ والأهواء الذين ابتدعوا في الدين ما ليس منه مما لا أصل له في الشريعة، كالخوارج والقدرية وغيرهم من الفرق التي ظهرت في العصور السابقة، فإنهم تكلموا في الدين بأهوائهم، روى البخاري في صحيحه تعليقا في وصف الخوارج ما نصه: «وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين». من المهم جدا معرفة الألفاظ المستعملة عند أئمة السلف، ففي عبارة ابن سيرين عند قوله: «حديث أهل السنة» تفيد أن رواية الحديث لم تكن مقصورة على أهل السنة، بل إن من وصفهم بالبدعة كذلك يروون الحديث، وأن الحديث جزء من تعريف أهل السنة، إذ المراد بهم أهل العلم الشرعي، وهو ما دلت عليه نصوص أئمة السلف من أنهم لا يقصدون بأهل السنة رواة الحديث، بل يقصدون بذلك أهل العلم المشتمل على رواية الحديث. كان أئمة الصحابة والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان مرجعا للمسلمين بعد عصر النبوة في أمور الدين، من حيث أنهم نقلوا الدين وعلم الشريعة بعمومه، فلا يقتصر علمهم على النقل فقط بل يشمل كل ما نقلوه وتعلموه وما اختصوا به من المعرفة بتفسير الدين وفهم الشريعة واستنباط الأحكام الفقهية لما لديهم من أهلية الاجتهاد ومعرفة الناسخ والمنسوخ وغير ذلك ولكونهم أعلم من غيرهم بالشريعة، وقد جاء عن أئمة أهل السنة في عصر السلف أنهم كانوا يسمون هؤلاء الأئمة بـ أهل السنة أي: أصحاب الطريقة المسلوكة في الدين التي كانوا عليها من الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وهذه الطريقة عندهم قائمة على اتباع منهاج النبوة من حيث أنهم نقلوا علم الدين وفهموه واستنبطوا منه، والصحابة لم يكونوا كلهم أهل فتيا، بل كان مختصا بعلماء الشريعة منهم الذين تخصصوا منذ عصر النبوة للعلم في الدين، وكان يطلق عليهم في صدر الإسلام لقب: القراء أي: المتعلمين، وكان المتعلم منهم يقال له قارئ، وبعد انتشار التعليم أصبح يطلق عليهم: الفقهاء أي: أئمة الدين وعلماء الشريعة، وبحسب ما ذكر ابن خلدون أن لقب القراء كان يطلق في صدر الإسلام على المختصين بعلم الشريعة، وبعد توسع التعليم وتمكن الاستنباط الفقهي عند الأئمة المجتهدين حيث أصبح الفقه صناعة وعلما بدلوا لقب: القراء باسم: الفقهاء والعلماء. وانتقل فقه الأئمة المجتهدين من الصحابة والتابعين إلى الأئمة المجتهدين من بعدهم، وصار الفقيه لقبا لأئمة المذاهب الفقهية، ثم اشتهر من ذلك طريقتان للمنهج الفقهي حسب ما ذكر ابن خلدون هما: منهج فقهاء أهل الرأي والقياس في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة، ومنهج فقهاء أهل الحديث في الحجاز وإمامهم مالك بن أنس والشافعي من بعده. ثم إن الإمام الشافعي وضع علم أصول الفقه في كتابه: الرسالة وجمع بين الطريقتين، والفرق بينهما أن طريقة أهل الرأي توسعوا في القياس أكثر، وهاتان الطريقتان هما اللتان اشتهرتا بعد ذلك عند فقهاء أهل السنة، باعتبار أنه منهج فقهي. بعد تمايز الفرق التي ظهرت في تاريخ الإسلام وكشف مقولاتها في عصر المتقدمين جمع العلماء مخالفات هذه الفرق وبينوا مسمياتهم ومقولاتهم، وحصروا عدد تلك الفرق ودونوا تواريخها وجمعوها في كتب الفرق، وذكر في كتاب الفرق بين الفرق أن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الثالثة والسبعون من فريقي الرأي والحديث،[° 1] وكان منهم أئمة القراء والمحدثون والفقهاء وأهل النظر، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا على هذه الأصول وبينوها ودونوها وأخذها عنهم المتأخرون، واختلاف الأئمة المجتهدين في فروع الأحكام لا يدخل في هذا التفرق بالاتفاق، ولا يلحق بسببه تفسيق ولا تبديع ولا تكفير، وبحسب ما جاء في كلامه أن هذه التسمية كانت تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفرق المخالفة لهم في أصول الدين.
شرح مبسط
التعليقات
لم يعلق احد حتى الآن .. كن اول من يعلق بالضغط هنا