توفي والدي وأنا صغير ـ عمري 4 سنوات ـ فقام عمي ببيع محل من المنزل بدون موافقة والدتي بداعي أن والدي عليه دين له، فهل هذا البيع جائز أم لا؟ مع العلم أن هذا الموضوع مضى عليه أكثر من 32 سنة..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:فأمر التركات وسائر الحقوق المشتركة، وكذلك الحكم على الغائب والميت ونحو ذلك، أمور خطيرة وشائكة للغاية، ولا بد من رفعها للمحاكم الشرعية أو ما ينوب منابها، للنظر والتحقيق والتدقيق والبحث في الأمور الخفية العالقة بالقضية، وإيصال الحقوق لذويها، ولا يمكن الاكتفاء في مثل هذه الأمور بمجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، خاصة إذا كانت متشابكة ومتطاولة الزمان ومتعددة الأطراف وذات أبعاد لا يمكن أن يحاط بها عن طريق سؤال مكتوب ـ كما هو الحال هنا ـ ولذا، فإننا سنكتفي ببيان أصول الموضوع في هذه المسألة من خلال النقاط الآتية: أولا: أكل أموال اليتامى ظلما كبيرة من الكبائر، بل هو من السبع الموبقات، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 8423.ثانيا: كفالة اليتيم والقيام على شئونه وتدبير أموره من الفضائل التي لها ثواب جسيم ومقام عظيم، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 3152
ثالثا: من الضروري حفظ مال اليتيم والقيام عليه، والأولى بذلك وصيه فإن لم يكن والده أوصى به، فالقاضي هو الذي يتولى أموره بنفسه أو بإسناد أمره إلى من هو أهل لذلك، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها:
والثاني: أن يكون له في بيعه غبطة وهو أن يطلب منه بأكثر من ثمنه فيباع له ويشتري ببعض الثمن مثله.
اهـ.خامسا: يلزم القائم على مال اليتيم أن يتصرف بالأصلح له، ولا ينفق عليه منه إلا بالمعروف، وراجع في ذلك الفتويين رقم:
رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
وراجع في ذلك الفتوى رقم:
رواه الترمذي، وصححه الألباني.ثامنا: ليس للأخ نصيب من التركة مع وجود الابن.تاسعا: استرداد العين هو الأصل لما يجب فيه الرد، كالمغصوب والمبيع بيعا فاسدا، فما دام قائما بعينه، فإنه يجب رده، وقد يحدث في العين ما يمنع ردها وذلك باستهلاكها أو تغيرها تغيرا يخرجها عن اسمها، وعندئذ يثبت الحق في الضمان: المثل أو القيمة.عاشرا: التصرفات الباطلة لا تنقلب صحيحة بتقادم الزمان، فإن ثبوت الحق وعودته، كل ذلك يعتبر قائما في نفس الأمر، ولا يحل لأحد الانتفاع بحق غيره نتيجة تصرف باطل ما دام يعلم بذلك؛ كما جاء في الموسوعة الفقهية.فإذا تقرر ما تقدم، فهذا العم إما أن يكون من حقه أن يتصرف بهذا البيع المذكور ـ كأن يكون وصيا على ابن أخيه ـ وتصرف بهذا الاعتبار، دون أن يقصر في مراعاة مصلحة اليتيم، وكان هذا الدين الذي قضاه عن أخيه ثابتا ببينة صحيحة، ولا يجد له قضاء إلا ببيع هذا العقار، فتصرفه ـ عندئذ ـ صحيح نافذ، جاء في مجمع الضمانات: قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ شَمْسُ الأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ: لا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ الْعَقَارِ إلا بِشَرَائِطَ: أَنْ يَرْغَبَ إنْسَانٌ فِي شِرَائِهَا بِضَعْفِ قِيمَتِهَا، أَوْ يَحْتَاج الصَّغِيرُ إلَى ثَمَنِهَا لِنَفَقَتِهِ، أَوْ يَكُون عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لا وَفَاءَ لَهُ إلا بِثَمَنِهَا.
اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: إن كان مال الصغير عقارا، فلا يجوز للوصي بيعه إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة كنفقة الصغير وكسوته، وأداء دين الميت، أو كان في البيع مصلحة ظاهرة كأن يرغب المشتري في العقار بضعف الثمن.
اهـ.وأما إن كان تصرف هذا العم دون وجه حق، بل باع ما لا يملك بيعه دون إذن مالكه، فهذا البيع فاسد مفسوخ، يشبه بيع الغاصب، ولو كان ذلك بغرض قضاء دين الميت، فإن هذا راجع للورثة ولوصي الصغير منهم، فهم الذين يختارون كيفية قضاء دين ميتهم، هل يكون من أموالهم أو ببيع شيء من التركة، وفي هذه الحال يثبت للورثة حق استرداد هذا المحل ممن اشتراه، ويرجع من اشتراه بثمنه على من باعه له، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: