سؤال و جواب . كوم
سؤال وجواب | هل أوّل البخاري صفة الوجه بأنه الملك والضحك بأنه الرحمة ؟
اقرأ ايضا
- سؤال وجواب | التزمت بالدين، غير أني لم أستطع ترك معصية بعينها. ساعدوني- سؤال وجواب | أريد علاجاً بديلاً للسترال وله نفس المفعول!
- سؤال وجواب | أخطأت في حق صديقي وأريد مصالحته لكنه يرفض!
- سؤال وجواب | مال قلبي له لكني أخشى أن يكون طامعاً في راتبي!
- سؤال وجواب | سبب عدم الاشتياق والرغبة في الجماع
- سؤال وجواب | علاج من يعود للنظر الحرام بعد توبته عند تصفح الإنترنت
- سؤال وجواب | الطرق التي يجب أن أسلكها لكي أكون زوجة صالحة
- سؤال وجواب | هل يجب على الآباء تعليم أبنائهم الرماية والسباحة وركوب الخيل؟
- سؤال وجواب | لدي تردد في الموافقة على الخاطب بسبب تسلط أمه، ما توجيهكم؟
- سؤال وجواب | كل لعبة تخص عبادات شركية أو وثنية يحرم اللعب بها
- سؤال وجواب | آلام البطن وارتفاع حرارة الجسم . ما علاجها؟
- سؤال وجواب | بيع وشراء الإضافات الزائدة في الألعاب
- سؤال وجواب | أختي تسيء للناس من خلال الفيسبوك، فكيف أتصرف معها؟
- سؤال وجواب | هل يلزم الزوج بالنفقة على أم زوجته ؟
- سؤال وجواب | هل تخرج للعمرة بدون إذن زوجها الذي لا ينفق عليها ؟
هل أوّل الإمام البخاري بعض صفات الله تعالى، كالضحك ، قيل : إنه أوّله بالرحمة، والوجه أوّله بالمُلك؟.
الحمد لله.
أولا : بالنسبة لصفة الضحك : فلا يعرف نص ثابت للبخاري يؤول فيه هذه الصفة بأنها الرحمة.
لكن نسب هذا التأويل إلى صحيح البخاري : 1- الخطابي في " أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري " ( 3 / 1921 ) فقال : " قال أبو عبد الله : معنى الضحك الرحمة " انتهى.
2- نسبه أيضا البيهقي في " الأسماء والصفات " ( 2 / 72 ) فقال : " فقد روى الفربري عن محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله أنه قال: معنى الضحك فيه الرحمة " انتهى.
والبيهقي لعله أخذه من الخطابي لأنه ينقل عنه عادة.
إلا أن هذه النسبة مشكوك فيها ، فهذا الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى رغم سعة اطلاعه على نسخ صحيح البخاري ينفي وجود هذا النص في النسخ التي اطلع عليها.
قال الحافط ابن حجر رحمه الله تعالى : " قال – أي الخطابي - وقال أبو عبد الله : معنى الضحك هنا الرحمة قلت – أي ابن حجر - : ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري " انتهى من " فتح الباري " ( 8 / 632 ).
فالحاصل ؛ هو أنه لا نستطيع الجزم بنسبة هذا التأويل للإمام البخاري رحمه الله تعالى ، لأن نسخ صحيح البخاري التي وصلت إلينا والموثوق بها خالية من هذا التفسير ، والله أعلم.
ثانيا : صفة الوجه : قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى : " ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) القصص ( 88 ) : إِلَّا مُلْكَهُ ، وَيُقَالُ: إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ " انتهى من " فتح الباري " ( 8 / 505 ).
ويلاحظ ما يلي : ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أن في رواية النسفي لصحيح البخاري ، لفظة ( إِلَّا مُلْكَهُ ) منسوبة إلى أبي عبيدة معمر بن المثنى ؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " قوله إلا وجهه إلا ملكه في رواية النسفي ، وقال معمر : فذكره ، ومعمر هذا : هو أبو عبيدة ، ابن المثنى وهذا كلامه في كتابه مجاز القرآن ، لكن بلفظ : إلا هو " انتهى.
" فتح الباري " ( 8 / 505 ).
وعلى هذا يحتمل أن يكون البخاري ذكر هذا التفسير كاختيار له ، ويحتمل أنه ذكره كتفسير من التفاسير من غير أن يكون قد اختاره ، وقدمه على غيره من الأقوال الواردة في تفسير الآية.
ثم إن التفسير ( إِلَّا مُلْكَهُ ) يستحيل أن يكون المقصود بملك الله أي : مخلوقات الله ، لأنه معلوم بطلان هذا المعنى لكل مسلم ؛ فالله تعالى قد نص أن مخلوقاته ستهلك.
فيبقى أن يقال أنّ المقصود بالملك إذا صفة الملك لله تعالى ، إلا أنه يبقى هنا إشكال وهو : لماذا خصّ صفة الملك من بين باقي صفات الله تعالى ؟ وأقرب ما يمكن الجواب به أن يقال : إن شطرا كبيرا من سورة القصص : هو ذكر لقصة شخصين تجبرا وكفرا بسبب ملكهما ، وهما فرعون وقارون.
قال الله تعالى في بداية قصة فرعون : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) القصص ( 4 ).
وقال الله تعالى في بداية قصة قارون : ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) القصص ( 76 ).
وذكر الله تعالى بين هاتين القصتين : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) القصص ( 58 ).
فناسب أن يقال : إن كل مالك ، وما يملك : سيهلك ، وستزول صفة الملك عنه ، ولا يبقى إلا الله تعالى ، فهو المالك على الحقيقة ؛ ولهذا يقول الله تعالى : ( يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) غافر ( 16 ).
فيكون هذا التفسير : لا يراد به نفي الوجه ، وإنما هو تفسير للقرآن بالقرآن ، وهو تفسير للفظ ببعض ما يتعلق به من الصفات والمعاني ، مما يناسب سياق السورة ، لأن بقاء الوجه يلزم منه بقاء الله تعالى وصفاته ، ومنها صفة الملك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فإن من عادة السلف في تفسيرهم أن يذكروا بعض صفات المفسر من الأسماء ، أو بعض أنواعه ؛ ولا ينافي ذلك ثبوت بقية الصفات للمسمى ، بل قد يكونان متلازمين.
" انتهى.
" مجموع الفتاوى " ( 6 / 390 ).
والحاصل ؛ أنه مادام هنا اشكال وابهام قائم هل هذا التفسير للبخاري أم لمعمر ؟ ولماذا اختار لفظة ( إِلَّا مُلْكَهُ ) ؟ فنرجع لإزالة هذا الإشكال إلى عادة البخاري ومذهبه مع نصوص الصفات ، وننظر إلى تصرّف البخاري مع هذه الآية في مواضع أخرى ؛ لأن كلام العالم المجمل والمشكل يفسر على وفق عادة هذا العالم ومذهبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فإنه يجب أن يفسر كلام المتكلم بعضه ببعض ويؤخذ كلامه هاهنا وهاهنا ، وتعرف ما عادته [ وما ] يعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلم به ، وتعرف المعاني التي عرف أنه أرادها في موضع آخر ، فإذا عرف عرفه وعادته في معانيه وألفاظه ، كان هذا مما يستعان به على معرفة مراده.
وأما إذا استعمل لفظه في معنى لم تجر عادته باستعماله فيه ، وترك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه ، وحمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عرف أنه يريده بذلك اللفظ بجعل كلامه متناقضا ، وترك حمله على ما يناسب سائر كلامه ، كان ذلك تحريفا لكلامه عن موضعه ، وتبديلا لمقاصده وكذبا عليه " انتهى من " الجواب الصحيح " ( 4 / 44 ).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والكلمة الواحدة يقولها اثنان ، يريد بها أحدهما : أعظم الباطل ، ويريد بها الآخر : محض الحق.
والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه ، وما يدعو إليه ويناظر عليه " انتهى من " مدارج السالكين " ( 5 / 3954 ).
والبخاري معروف بأنه يثبت صفات الله تعالى ، ومنها صفة الوجه ، فإنه في كتاب التوحيد من صحيحه أجرى هذه الآية على ظاهرها ولم يؤولها.
قال رحمه الله تعالى : " بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) القصص ( 88 ).
7406 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : ( قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ) [ الأنعام: 65 ] ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعُوذُ بِوَجْهِكَ ، فَقَالَ : ( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) [ الأنعام: 65 ] ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعُوذُ بِوَجْهِكَ ، قَالَ: ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ) [ الأنعام: 65 ] ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا أَيْسَرُ ) " انتهى من " فتح الباري " ( 13 / 388 ).
قال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله تعالى : " وأما قوله: " إلا ملكه " فهذا تأويل بعيد ، وهو مخالف لصنعه هنا ، حيث ذكر الآية ، ثم أتبعها بحديث جابر ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : ( أعوذ بوجهك ).
فهذا ظاهر جداً في أنه أراد إثبات الوجه صفة لله تعالى " انتهى من " شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري " ( 1 / 276 ).
ثالثا : من الأخطاء الشهيرة التي يقع فيها الناس كثيرا ، المثبت منهم والنافي : أنه إذا اعتقد إثبات صفة ، ظن أن كل نص ورد فيه " لفظ " هذه الصفة ، يلزم تفسيره بمعنى هذه الصفة ، والاستدلال به على إثباتها.
وعكس ذلك النافي : إذا رأى في قول قائل من أهل العلم ، تفسير نص ، بما لا يدل على إثبات الصفة بهذا النص ؛ ظن منه أن هناك تلازما بين ذلك ، وبين نفي الصفة ، واستدل بذلك التفسير على أن القائل المعين من السلف : ينفي هذه الصفة المعينة ، أو ربما انتقل من ذلك إلى دعواه : أن يتأول باب الصفات بعامة.
وكلا الأمرين خطأ واضح في الاستدلال ؛ فإنه لا يلزم من بطلان الدليل ، بطلان المدلول ، ولا يلزم من تأويل النص المعين ، تأويل الباب كله ، بل ولا نفي الصفة المعينة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَأَمَّا قُرْبُهُ بِنَفْسِهِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ " قُرْبًا لَازِمًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ؛ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ شَيْءٌ: فَهَذَا فِيهِ لِلنَّاسِ قَوْلَانِ.
فَمَنْ يَقُولُ هُوَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَقُولُ بِهَذَا.
وَمَنْ لَا يَقُولُ بِهَذَا : لَهُمْ أَيْضًا فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ هَذَا الْقُرْبِ ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، يَقُولُونَ: هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ ، وَيُثْبِتُونَ هَذَا الْقُرْبَ.
وَقَوْمٌ يُثْبِتُونَ هَذَا الْقُرْبَ؛ دُونَ كَوْنِهِ عَلَى الْعَرْشِ.
وَإِذَا كَانَ قُرْبُ عِبَادِهِ مِنْهُ نَفْسَهُ ، وَقُرْبُهُ مِنْهُمْ : لَيْسَ مُمْتَنِعًا عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مِنْ السَّلَفِ وَأَتْبَاعِهِمْ، مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ : لَمْ يَجِبْ أَنْ يُتَأَوَّلَ كُلُّ نَصٍّ فِيهِ ذِكْرُ قُرْبِهِ ، مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِ الْقُرْبِ عَلَيْهِ.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْقُرْبِ عَلَيْهِ : أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ قُرْبُهُ ، يُرَادُ بِهِ قُرْبُهُ بِنَفْسِهِ ؛ بَلْ يَبْقَى هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ ، وَيُنْظَرُ فِي النَّصِّ الْوَارِدِ ؛ فَإِنْ دَلَّ عَلَى هَذَا ، حُمِلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى هَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ.
وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ ؛ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ قَدْ دَلَّ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ هُوَ يَأْتِي ، فَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِعَذَابِهِ ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ وقَوْله تَعَالَى فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا.
فَتَدَبَّرْ هَذَا ؛ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، إذَا تَنَازَعَ الْنُّفَاةِ وَالْمُثْبِتَةُ فِي صِفَةٍ وَدَلَالَةٍ نُصَّ عَلَيْهَا ؛ يُرِيدُ الْمُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ اللَّفْظَ - حَيْثُ وَرَدَ - دَالًّا عَلَى الصِّفَةِ ، وَظَاهِرًا فِيهَا ، ثُمَّ يَقُولُ النَّافِي : وَهُنَاكَ لَمْ تَدُلَّ عَلَى الصِّفَةِ ، فَلَا تَدُلُّ هُنَا.
وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُ الْمُثْبِتَةِ: دَلَّتْ هُنَا عَلَى الصِّفَةِ ، فَتَكُونُ دَالَّةً هُنَاكَ.
بَلْ لَمَّا رَأَوْا بَعْضَ النُّصُوصِ تَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ ، جَعَلُوا كُلَّ آيَةٍ فِيهَا مَا يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - إضَافَةَ صِفَةٍ - مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ؛ وَهَذَا يَقَعُ فِيهِ طَوَائِفُ مِنْ الْمُثْبِتَةِ والْنُّفَاةِ ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْغَلَطِ.
فَإِنَّ الدَّلَالَةَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِحَسَبِ سِيَاقِهِ ، وَمَا يُحَفُّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ.
وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي أَمْرِ الْمَخْلُوقِينَ : يُرَادُ بِأَلْفَاظِ الصِّفَاتِ مِنْهُمْ ، فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ : غَيْرُ الصِّفَاتِ.
وَأَنَا أَذْكُرُ لِهَذَا مِثَالَيْنِ نَافِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : صِفَةُ الْوَجْهِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ إثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَةِ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ الصفاتية، مِنْ الْكُلَّابِيَة وَالْأَشْعَرِيَّةِ والكَرَّامِيَة ، وَكَانَ نَفْيُهَا مَذْهَبَ الْجَهْمِيَّة ، مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَمَذْهَبَ بَعْضِ الصفاتية مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ = صَارَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ : كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكْرُ الْوَجْهِ ، جَعَلَهَا مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ؛ فَالْمُثْبِتُ يَجْعَلُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تُتَأَوَّلُ بِالصَّرْفِ ، وَالنَّافِي يَرَى أَنَّهُ إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ صِفَةً ، فَكَذَلِكَ غَيْرُهَا.
مِثَالُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، أَدْخَلَهَا فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ طَوَائِفُ مِنْ الْمُثْبِتَةِ والْنُّفَاةِ حَتَّى عَدَّهَا " أُولَئِكَ " كَابْنِ خُزَيْمَة مِمَّا يُقَرِّرُ إثْبَاتَ الصِّفَةِ وَجَعَلَ " النَّافِيَةَ " تَفْسِيرَهَا بِغَيْرِ الصِّفَةِ حُجَّةً لَهُمْ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ.
وَلِهَذَا لَمَّا اجْتَمَعْنَا فِي الْمَجْلِسِ الْمَعْقُودِ ، وَكُنْت قَدْ قُلْت: أَمْهَلْت كُلَّ مَنْ خَالَفَنِي ثَلَاثَ سِنِينَ إنْ جَاءَ بِحَرْفِ وَاحِدٍ عَنْ السَّلَفِ يُخَالِفُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْته ، كَانَتْ لَهُ الْحُجَّةُ ، وَفَعَلْت وَفَعَلْت.
وَجَعَلَ الْمُعَارِضُونَ يُفَتِّشُونَ الْكُتُبَ ، فَظَفِرُوا بِمَا ذَكَرَهُ البيهقي فِي كِتَابِ " الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ " فِي قَوْله تَعَالَى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالشَّافِعِيِّ : أَنَّ الْمُرَادَ قِبْلَةُ اللَّهِ فَقَالَ أَحَدُ كُبَرَائِهِمْ - فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي - قَدْ أَحْضَرْت نَقْلًا عَنْ السَّلَفِ بِالتَّأْوِيلِ ؟ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا أَعَدَّ ، فَقُلْت: لَعَلَّك قَدْ ذَكَرْت مَا رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: الْمُرَادُ بِهَا : قِبْلَةُ اللَّهِ ! فَقَالَ: قَدْ تَأَوَّلَهَا مُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ ، وَهُمَا مِنْ السَّلَفِ.
قُلْت هَذِهِ الْآيَةُ : لَيْسَتْ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ أَصْلًا ، وَلَا تَنْدَرِجُ فِي عُمُومِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تُؤَوَّلُ آيَاتُ الصِّفَاتِ.
قَالَ: أَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوَجْهِ ؟ فَلَمَّا قُلْت: الْمُرَادُ بِهَا قِبْلَةُ اللَّهِ ، قَالَ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ؟ قُلْت: لَا ؛ لَيْسَتْ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ، فَإِنِّي إنَّمَا أُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ - هُنَا - الْقِبْلَةُ ، فَإِنَّ " الْوَجْهَ " : هُوَ الْجِهَةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ، يُقَالُ: قَصَدْت هَذَا الْوَجْهَ ، وَسَافَرْت إلَى هَذَا " الْوَجْهِ " ، أَيْ: إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ ؛ وَهَذَا كَثِيرٌ مَشْهُورٌ.
فَالْوَجْهُ : هُوَ الْجِهَةُ.
وَهُوَ الْوِجْهة.
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ، أَيْ مُتَوَلِّيهَا، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا كَقَوْلِهِ: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، كِلْتَا الْآيَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبَتَانِ ، وَكِلَاهُمَا فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ ، وَالْوَجْهِ ، وَالْوجِهَةِ : هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَتَيْنِ: أَنَّا نُوَلِّيهِ: نَسْتَقْبِلُهُ.
قُلْت: وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا وَأَيْنَ مِنْ الظُّرُوفِ ، وَتُوَلُّوا أَيْ تَسْتَقْبِلُوا.
فَالْمَعْنَى: أَيُّ مَوْضِعٍ اسْتَقْبَلْتُمُوهُ ، فَهُنَالِكَ وَجْهُ اللَّهِ.
فَقَدْ جَعَلَ وَجْهَ اللَّهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ ، هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، وَهِيَ الْجِهَاتُ كُلُّهَا ، كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْجِهَاتِ لَهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ : إضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ؛ كَأَنَّهُ قَالَ : جِهَةُ اللَّهِ ، وَقِبْلَةُ اللَّهِ.
وَالْغَرَضُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ: " فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ " : لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ التَّأْوِيلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ الَّذِي يُنْكِرُهُ مُنْكِرُو تَأْوِيلِ آيَاتِ الصِّفَاتِ؛ وَلَا هُوَ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَيْهِمْ الْمُثْبِتَةُ ؛ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ ، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَتْ دَالَّةً عَلَى ثُبُوتِ صِفَةٍ ، فَذَاكَ شَيْءٌ آخَرُ .
" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (6/15-17).
والله أعلم .
.
اقرأ ايضا
- سؤال وجواب | هل تخرج للعمرة بدون إذن زوجها الذي لا ينفق عليها ؟- سؤال وجواب | أريد أن أتخلص من ممارسة العادة السرية وأتوب ولكن كيف؟
- سؤال وجواب | هل الكف والأنامل من صفات الله تعالى ؟
- سؤال وجواب | شبهة حول نزول الله إلى السماء الدنيا مع اختلاف الثلث الأخير باختلاف البلدان
- سؤال وجواب | التردد بين الإقامة في الغرب أو الرجوع إلى بلاد الإسلام خوفاً على الأولاد
- سؤال وجواب | انتفاخ وغازات في البطن تسبب لي ضيق التنفس، فما العلاج؟
- سؤال وجواب | أعاني من وخز في الصدر، فهل هو مجرد وساوس أم مرض عضوي؟
- سؤال وجواب | هل "المقسط" من أسماء الله ؟
- سؤال وجواب | أشعر أن الله غاضب علي وأنه لم يعد يساندني.
- سؤال وجواب | كيف أكسب الأصدقاء، وأكون جزءا مهما في حياتهم؟
- سؤال وجواب | ما هي حقيقة علم الطاقة وما علاقته بالمس؟
- سؤال وجواب | اختصار:"لا حول ولا قوة إلا بالله"
- سؤال وجواب | أشعر بعدم الراحة أعلى البطن، فهل سببها نفسي؟
- سؤال وجواب | الإنفاق على الزوجة خاصة إذا كانت يتيمة وحصول الأجر الأخروي بذلك
- سؤال وجواب | العسل، فوائده وأضراره بالنسبة لمريض السكر، أفيدوني.
لم يعلق احد حتى الآن .. كن اول من يعلق بالضغط هنا