السلام عليكم أنا شاب عمري 24 عاماً، أعيش حالة نفسية صعبة بسبب الخجل الشديد واحمرار الوجه لأسباب تافهة، فقد يحمر وجهي أحياناً إذا تكلمت مع طفل صغير لا يتعدى عمره عشر سنوات.

وأعاني من الخوف الشديد من دخول المجالس التي تكتظ بالناس، وقد أضغط على نفسي أحياناً وأدخل بعض المجالس المكتظة بالناس، لكني عندما أدخل يحدث لي فقدان كبير في التركيز، وأشعر في نفس الوقت برعب داخلي وتزيد نبضات القلب بصورة مذهلة، وقد أضطر أحياناً أن أترك المحاضرات إذا تأخرت حتى لا يسألني الدكتور أمام الطالب عن سبب تأخري فأرتبك، فما الدواء المناسب لهذه الحالة؟ علماً بأني عندما كنت صغيرا كانت والدتي تضربني ضربا مبرحا ولا ترحمني، وذلك بسبب أشياء تافهة.

ولكم مني جزيل الشكر...

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حالتك هي حالة بسيطة، ومن الواضح أنك تعاني من القلق أو الرهاب الاجتماعي من درجة بسيطة إلى متوسطة، والقلق والرهاب الاجتماعي أسبابه غير معروفة، ولكن هناك بعض الدراسات تشير إلى أن هذا القلق ربما يكون مكتسبا من الطفولة.

وأكثر الناس عرضة للرهاب الاجتماعي هم الذين كانوا يعانون من الخوف من المدرسة أو لا يرغبون في الذهاب إلى الدراسة أو يترددون في الخروج من المنزل وافتقاد أمان البيت، وننصح دائماً في علاج الرهاب الاجتماعي بما يلي: أولا: أن يفهم الشخص أن هذا مجرد قلق وليس أكثر من ذلك، وهو ليس دليلا على ضعف الشخصية أو قلة الإيمان.

ثانياً: لابد من تصحيح المفاهيم وإدخال معايير جديدة في التعامل مع الذات ومع الآخرين، والمفاهيم المطلوبة هي أن ما يحدث من خوف وارتعاش وربما تلعثم وتسارع في ضربات القلب هي تغيرات فزيولوجية وليس أكثر من ذلك، واحمرار الوجه ناتج من زيادة تدفق الدم في هذه المنطقة، وهذه أيضاً عملية فزيولوجية بحتة وليس أكثر من ذلك.

والمهم في الأمر أن الذي يعاني من القلق والرهاب الاجتماعي دائماً يضخم ويجسد ويستشعر أعراضه الجسدية بصورة مضخمة ومبالغ فيها، فأرجو أن تستوعب هذه المعلومة جيداً، بمعنى أنت تعتقد أن وجهك محمر، ونحن لا نقول لك إنه لا يحدث احمرار في الوجه، ولكن الآخرين لا يقومون بملاحظة هذا الاحمرار بنفس الحساسية ودرجة القلق الذي تلاحظه أنت، وهكذا البعض يعتقد أنه يتلعثم ويرتجف أو أنه سوف يسقط أمام الآخرين، فهذا أيضاً ليس صحيحا.

وقد قام أحد العلماء بتصوير الأشخاص الذين يعانون من خوف اجتماعي في مواقف اجتماعية تتطلب المواجهة دون علمه، وهؤلاء الأشخاص قاموا بإخبار الطبيب بأنهم يحسون بالرعشة وبالتلعثم وبالتعرق وأنهم يخافون السقوط أو الفشل أمام الآخرين، وبعد أن عرض عليهم صور الفيديو التي قام بتصويرها اتضح لهم أنه كانت توجد مبالغة شديدة جداً في استشعار بالأعراض، بمعنى أن الأعراض هي أقل بكثير مما كانوا يستشعرون، فهذه نقطة مهمة ومطمئنة.

يأتي بعد ذلك العلاج السلوكي، والعلاج السلوكي يقوم على مبدأ التعريض، بأن تعرض نفسك للمواقف التي تحس فيها بالخوف، فهنا سوف يزداد عندك القلق ولكن بعد فترة وباستمرارك في نفس الوضع وعدم الهروب من هذا الموقف سوف يبدأ القلق في الانخفاض والقلة حتى يختفي.

وما تقوم به من دخول المجالس والجلوس مع الناس هو علاج أساسي وممتاز، وعليك أن تكثر من ذلك، وأطالبك بأن تضع برامج يومية بأن تذهب فيها إلى هذه المجالس، وأرجو أن تقتنع أن القلق سوف يظهر عليك، وهذه ظاهرة صحية، ولكن بإصرارك على الجلوس واستمرارك سوف تجد أن القلق ينخفض ويتلاشى، والتجنب والتهرب من الموقف يزيد القلق ولكن المواجهة هي العلاج الأفضل والعلاج الأمثل، فأرجو أن تكثر من ذلك.

وهناك ما نسميه بالمواجهة في الخيال، بمعنى أن تجلس في مكان هادئ وتتأمل أنك في مجلس كبير، وفيه كمية ضخمة من الناس، وقد طُلب منك أن تتحدث في موضوع معين، فعش هذا الخيال بكل قوة، وتصور أنك أيضاً تصلي في الصف الأول في المسجد دائماً وفي أحد المرات طلب منك أن تصلي بالناس وهكذا عش هذه الخيالات بكل جدية، وإذا طبقت ذلك مع التطبيق الفعلي والعملي هذا يمثل (60ـ 70%) من علاج الخوف الاجتماعي، وممارسة الرياضة الجماعية أيضاً هي مفيدة، وممارسة تمارين الاسترخاء، وتوجد كتيبات وأشرطة كثيرة، وكذلك على شبكة الإنترنت توجد برامج جاهزة لكيفية تطبيق الاسترخاء، فأرجو أن تكون حريصاً على ذلك، وهذه آليات علاجية فاعلة.

يبقى بعد ذلك العلاج الدوائي، حيث توجد أدوية ممتازة وفعالة، ومن أفضل هذه الأدوية العقار الذي يعرف باسم فلوكستين، ويوجد مستحضر محلي في الأردن وهو ممتاز جداً، فأرجو أن تعطي الصيدلي الاسم العلمي (فلوكستين)، ويمكن أن يعطيك المنتج المحلي التجاري، فتبدأ الجرعة بكبسولة واحدة عشرين مليجراماً ليلاً لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى كبسولتين -أي 40 مليجراما- ليلاً، وتستمر عليها لمدة ستة أشهر ثم تخفض الجرعة إلى كبسولة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر أخرى.

وهذا الدواء من الأدوية المفيدة، وإن شاء الله بتطبيقك للإرشادات السلوكية السابقة وتناولك للدواء سوف تجد أن حالتك قد تحسنت.

وأما ما ذكرته من أن والدتك كانت تضربك بشدة، فأرجو أن لا تأخذه بسلبية فهذا شائع جداً في مجتمعاتنا، وأؤكد لك أن والدتك تحبك؛ لأن حب الوالدة لابنها هو حب غريزي وجبلي وفطري، فهذا هو منهج التربية التي كانت ترى أنه هو الأفضل بالنسبة لك، وعموماً إذا كنت ترى أن هذه تجربة سلبية فأرجو أن تضعها في حظيرة الماضي ولا تهتم بها أبداً، ويجب أن لا تحمل أبداً على والدتك، بل بالعكس أدع لها لأنها هذا من حقها وهذا من برها.

وبالله التوفيق..