مجموعة نيرمي الإعلامية
سؤال وجواب | هل ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في أحد رسائله أنه أشعري ؟
اقرأ ايضا
- سؤال وجواب | طهارة وصلاة من يشعر بخروج قطرات من البول- سؤال وجواب | الاحتلام أمر طبيعي لا ينبغي أن يتحرج منه
- سؤال وجواب | أعاني من ضعف الانتصاب بسبب العادة السرية، ما نصيحتكم؟
- سؤال وجواب | بسبب طبعي الكتوم أصبحت أتحدث مع نفسي، فهل أنا مريضة نفسية؟
- سؤال وجواب | خجولة، وأعاني من رجفة في اليد خاصة، مما تسبب لي بالرهاب الاجتماعي
- سؤال وجواب | مذهب الشيخ ابن عثيمين في تارك الصلاة
- سؤال وجواب | ما يعفى عنه من النجاسات ومالا يعفى عنه
- سؤال وجواب | لون شفتي الغامق واسمرارها كيف أتخلص منه؟
- سؤال وجواب | حكم من ألغى بعض أشواط الطواف ثم بنى عليها بشوطين وأكمل عمرته
- سؤال وجواب | كثرة النوم عن الصلاة دليل على التفريط وعدم المبالاة
- سؤال وجواب | تستيقظ عند وقت الصلاة ولا تتمكن من القيام لأدائها
- سؤال وجواب | توضيح حول خروج المذي أثناء الصوم
- سؤال وجواب | ما سبب شعوري بالسعادة والراحة عند تناول الريتالين؟
- سؤال وجواب | فضل صلاة الفجر
- سؤال وجواب | لدي خوف من العراك (المشاجرة) حتى أني أتخيل ذلك
قرأت على النت أن الشيخ ابن تيمية قال في إحدى رسائله بأنه أشعري ؟ فهل هذا النقل صحيح ؟ وهل كتب ابن تيمية ذلك فعلا ؟.
الحمد لله.
أولا : الواقع أن المتأمل في هذه "الشبهة" ، أو لِنَقُل : في هذه "التهمة" ، يجد أن التدليل على بطلانها ، ومنافاتها لحال شيخ الإسلام ابن تيمية ، وجهوده ، ومعارفه هي أشبه شيء بقول المتنبي : وليس يصِحُّ في الأذهانِ شيءُ.
إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ ! وإنما مثل من يحتفي بهذه الأقوال ، والروايات ، في جانب ما استفاض وعرف عن شيخ الإسلام وحياته ، ووجده الناس من تصانيفه ومؤلفاته ، مثله كمثل من يتعلق برواية غريبة شاذة ، وحيدة فاذة ، تخالف ما تواتر من الأخبار ، واستفاض من الروايات والآثار ! روى الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التيمي ، رحمه الله ، قَالَ: " كَانُوا يَكْرَهُونَ غَرِيبَ الْحَدِيثِ وَالْكَلَامَ " انتهى من "المحدث الفاصل" ، الرامهرمزي (565).
وقال أبو يُوسُفَ: " مَنْ تَتَبَّعَ غَرِيبَ الْحَدِيثِ كَذَبَ ".
انتهى من "المحدث الفاصل" (562) ، "الكفاية" للخطيب البغدادي (142).
ولولا أن مثل هذه الروايات قد سيقت في مصادر تاريخية ، لها اعتبارها ، ومن الناس من قد يصدر عنها ، أو يغتر بما فيها ؛ لكان الإعراض عن الاشتغال بها أولى ، وأدعى لرفضها ؛ لكن : كيف ، وقد قيل ؟! و" لكُلِّ ساقِطَةٍ لاقِطَةٌ " ! ثانيا : أكثر ما غر من نقل مثل هذا الكلام ، ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في ترجمته له من "الدرر الكامنة" (1/148) ، في جملة حكايته لمحنته ، وحاله مع خصومه : " وقام القاضي زين الدين ابن مخلوف قاضي المالكية مع الشيخ نصر ، وبالغ في أذية الحنابلة ، واتفق أن قاضي الحنابلة شرف الدين الحراني كان قليل البضاعة في العلم ، فبادر إلى إجابتهم في المعتقد واستكتبوه خطه بذلك ، واتفق أن قاضي الحنفية بدمشق وهو شمس الدين ابن الحريري انتصر لابن تيمية ، وكتب في حقه محضرا بالثناء عليه بالعلم والفهم ، وكتب فيه بخطه ثلاثة عشر سطرا من جملتها أنه منذ ثلاثمائة سنة ما رأى الناس مثله ، فبلغ ذلك ابن مخلوف ، فسعى في عزل ابن الحريري، فعزل.
، وتعصب سلار لابن تيمية وأحضر القضاة الثلاثة الشافعي والمالكي والحنفي وتكلم معهم في إخراجه ، فاتفقوا على أنهم يشترطون فيه شروطا وأن يرجع عن بعض العقيدة ، فأرسلوا إليه مرات ، فامتنع من الحضور إليهم ، واستمر.
ولم يزل ابن تيمية في الجب إلى أن شفع فيه مهنا أمير آل فضل ، فأخرج في ربيع الأول في الثالث وعشرين منه ، وأحضر إلى القلعة.
ووقع البحث مع بعض الفقهاء ، فكتب عليه محضر بأنه قال : أنا أشعري.
ثم وجد خطه بما نصه : الذي اعتقد أن القرآن معنى قائم بذات الله ، وهو صفة من صفات ذاته القديمة ، وهو غير مخلوق ، وليس بحرف ولا صوت ، وأن قوله ( الرحمن على العرش استوى ) ، ليس على ظاهره ، ولا أعلم كنه المراد به ، بل لا يعلمه إلا الله ، والقول في النزول كالقول في الاستواء.
وكتبه : أحمد بن تيمية.
ثم أشهدوا عليه أنه تاب مما ينافي ذلك مختارا.
وذلك في خامس عشري ربيع الأول سنة 707 ، وشهد عليه بذلك جمع جم من العلماء وغيرهم ، وسكن الحال ، وأفرج عنه وسكن القاهرة ." انتهى.
وأول ما يقال في مناقشة مثل هذا الكلام : أننا أمام حكاية لحال سجين ، في حكم خصومه ، فهم الذي يحكمون فيه ، وهم الذين يشهدون ويحضرون ، وهم الذين ينقلون عنه ما قال ، أو يذكرون أنه قاله.
، وهو في ذلك كله تحت قهرهم وسلطانهم ، حتى قال الذهبي ، ثم ابن عبد الهادي : " ثم بقي سنة ونصفا ، وأخرج ، وكتب لهم ألفاظا اقترحوها عليه ، وهدد وتوعد بالقتل ، إن لم يكتبها " انتهى من "الدرة اليتيمة- تكملة الجامع" للذهبي (46) ، "العقود الدرية" لابن عبد الهادي (252).
وقد تتبع الشيخان المحققان : محمد عزيز شمس ، علي العمران : المصادر التي تكلمت عن هذه المحنة ، وما حصل فيها ، وقارنا بين ما ورد في هذه المصادر حول هذه المسألة ، ثم قالا : فتبين من هذا العرض أن : من المؤرخين من لم يذكر القصة ولا المكتوب أصلا.
ومنهم من أشار إليها إشارة فقط ، دون تفصيل للكتاب الذي كتبه ، مع ذكرهم ما صاحب كتابته تلك من التخويف والتهديد بالقتل.
ومنهم من فصلها وذكر نصَّ المكتوب ، لكن دون ذكرهم لما صاحب ذلك من تهديد وتخويف بالقتل ! وعلى هذا يمكننا القول : أن (ابن المعلم) و (النويري) قد انفردا من بين معاصري الشيخ بقضية رجوعه ، وسياق ما كتبه ، وتابعهما على ذلك بعض المتأخرين.
وعليه فيمكن تجاه هذه القضية أن تتخذ أحد المواقف التالية : الأول : أن نكذب كل ما ذكره المؤرخون جملة وتفصيلا، ونقول : إن شيئا من ذلك لم يكن.
الثاني : أن نثبت أصل القصة ، دون إثبات أي رجوع عن العقيدة ، ولا المكتوب الذي فيه المخالفة الصريحة لما دعا إليه الشيخ ، قبل هذا التاريخ وبعده ( أي 707هـ).
الثالث : أن نثبت جميع ما انفرد به (ابن المعلم) و (النويري) من الرجوع والكتابة ! فالأول : دفع بالصدر.
والثالث: إثبات للمنفردات والشواذ، وتقديمها على الأشهر والأكثر.
والذي يثبت عند النقد ويترجح هو : الموقف الثاني : أن الشيخ كتب لهم عبارات مجملة - بعد التهديد والتخويف - لكن ليس فيها رجوع عن عقيدته ، ولا انتحال لعقيدة باطلة ، ولا كتاب بذلك كله ، وذلك لأسباب منها : أن هذا الكتاب مخالف لعقيدة الشيخ ، التي كان يدعو إليها ويناضل عنها طوال حياته ، قبل هذه الحادثه وبعدها.
أنه لا يوجد في كتاباته ومؤلفاته أي أثر لهذا الرجوع ، أو إشارة إلى هذا ، أو الكتاب ، أو إلى ما تضمنه ، ولو كان قد حصل منه شيء من الكتابة لهم بذلك ، لكان حقيقا بعد ظهوره على أعدائه - على الأقل - وتمكنه منهم ، بعد انكسار الجاشنكير، ورجوع الناصر، أن يطلب هذا الكتاب ، أو ينفيه عن نفسه.
أن الشيخ رحمه الله قد حصلت له مضايقات كثيرة في مسائل عديدة ، قبل هذا التاريخ وبعده، سجن من أجلها وعوتب، فلم يعرف عنه أنه رجع عن شيء منها، بل غاية أمره أن يسكت عن الإفتاء بها مدة ، ثم يعود إلى ذلك ويقول : لا يسعني كتمان العلم ، كما في مسالة الطلاق " العقود " ( ص325) ؛ فكيف يكتب هذه المرة ما يناقض عقيدة أهل السنة ، ويقرر مذهب أهل البدع ؟! ، وما شأن الخصوم ، عند الشيخ رحمه الله ، إلا كما وصفهم هو بنفسه، لما قيل له : يا سيدي قد أكثر الناس عليك ؟! فقال : إن هم إلا كالذباب ، ورفع كفه إلى فيه ونفخ فيه.
"العقود " (ص268) ، ووصف الحافظ الذهبي ثبات الشيخ أمام خصومه فقال : " حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام ، قياما لا مزيد عليه.
وهو ثابت ، لا يداهن ولا يحابي ، بل يقول الحق المرّ الذي أداه إليه اجتهاده ، وحِدّة ذهنه ، وسعة دائرته في السنن والأقوال" ، وقال أيضا: " قد سجن غير مرة ليفتر عن خصومه ، ويقصر عن بسط لسانه وقلمه ، وهو لا يرجع ولا يلوي على ناصح إلى أن توفي ".
ومما يفت في عضد هذه الأكذوبة : أن جماعة طلبوا من الشيخ أن يقول : إن هذا الاعتقاد الذي كتبه وناظر من أجله الخصوم ، هو اعتقاد أحمد بن حنبل - يعني: وهو مذهب متبوع ، فلا يعترض عليه - فلا يرضى الشيخ بهذا، بل يصدع بأن هذا هو معتقد سلف الأمة جميعهم ، وليس لأحمد اختصاص بذلك.
" العقود " ( ص 218-219،240-241).
إن أقصى ما يمكن قوله في كتابة الشيخ لهم : إنها كتابة إجمالية في مسائل العقيدة، بما لا ينافي الحق ولا الصواب، وانظر نماذج لبعض ما كان يستعمله الشيخ مع خصومه ليدحرهم ويكبتهم ، وفي أنفسهم ما فيها : " العقود " (ص 212 ، 215 ، 240-241).
ولم يستطع الأعداء أن يجبروه على كتابة أكثر من ذلك الإجمال ، ثم وجدوا أنه لا فائدة في إشاعة ذلك المكتوب عنه بالوجه الذي كتبه ، فزوّروا عليه كلاما، ثم زوروا عليه توقيعه ، وأشهدوا عليه جماعة ، ليتم لهم ما أرادوا ، وقضية الكذب والتقول والتزوير على الشيخ باتت من أشهر خصال أعدائه.
انظر ذلك في مواضع كثيرة في " العقود " (ص200، 204 ، 207 ، 209 ، 328).
قال البرزالي في الموضع الأول عن خصومه : "وحرفوا الكلام ، وكذبوا الكذب الفاحش".
وقال في الموضع الثاني : " واختلفت نقول المخالفين للمجلس ، وحرفوه ، ووضعوا مقالة الشيخ على غير موضعها ، وشنع ابن الوكيل وأصحابه بأن الشيخ قد رجع عن عقيدته ، فالله المستعان ".
وقال الشيخ نفسه ـ في الموضع الثالث : " وكان قد بلغني أنه زُوِّر عليّ كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير، يتضمن ذكر عقيدة محرفة ، ولم أعلم بحقيقته ، لكن علمت أن هذا مكذوب".
وقال الشيخ في الموضع الرابع : " أنا أعلم أن أقواما يكذبون علي ، كما قد كذبوا علي غير مرة.
".
ومما يؤيد كذب هذه الأخلوقة : أن الكتاب الذي زعموا : كتب سنة 707 هـ ، فكيف يصح هذا ؛ وهم يطالبونه في سنة 708هـ بكتابة شيء بخطه في هذه المسألة نفسها ؟! فإنه لما جاءه المشايخ التدامرة نحو سنة 708هـ وقالوا : " يا سيدي ، قد حمّلونا كلاما نقوله لك ، وحلّفونا أنه ما يطلع عليه غيرنا : أن تنـزل لهم عن مسألة العرش ، ومسألة القرآن ، ونأخذ خطك بذلك ، نوقف عليه السلطان ونقول له : هذا الذي حبسنا ابن تيمية عليه ، قد رجع عنه ، ونقطع نحن الورقة " ، انتهى ! فقال لهم الشيخ : " تدعونني أن أكتب بخطي : أنه ليس فوق العرش إله يعبد ، ولا في المصاحف قرآن ، ولا لله في الأرض كلام ؟! ".
ودق بعمامته الأرض ، وقام واقفا ، ورفع رأسه إلى السماء ، وقال : " اللهم إنـي أشهدك على أنهم يدعونني أن أكفر بك وبكتبك ورسلك ، وأن هذا شيء ما أعمله ." ، ثم دعا عليهم.
ولما قالوا له : " كل هذا يعملونه حتى توافقهم ، وهم عاملون على قتلك أو نفيك أو حبسك ؟ ، فقال لهم : " أنا إن قتلت؛ كانت لي شهادة، وإن نفوني؛ كانت لي هجرة." ؛ فيئسوا منه ، وانصرفوا ! [ ذكره إبراهيم الغياني ، خادم شيخ الإسلام – الجامع 147-148].
فلو كان لهم كتاب بخطه في تلك المسائل - كما زعموا - لم يطلبوا منه أن يكتب لهم بخطه كتابا آخر.
فخلصنا أنه لم يكن معهم في المرة الأولى، إلا الكذب والتزوير والتحريف ! " انظر : "الجامع لسيرة شيخ الإسلام" (39-47).
على أن شيخ الإسلام ، قد حكى بنفسه ، طرفا من هذه المحنة التي اتصلت نحوا من ثمانية عشر شهرا ، وما كان منه لأعدائه وخصومه فيها ، وما طلبوه منه ، وما أجابهم به ، وذلك في أول كتابه الذي صنفه في الرد على مقالة الأشاعرة ، في مسألة "الكلام" ، وسماه : "التسعينية" ، قال رحمه الله بعد خطبة الكتاب : " أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ فِي آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسَبْعُمِائَةٍ , جَاءَ أَمِيرَانِ رَسُولَانِ مِنْ عِنْدِ الْمَلَإِ الْمُجْتَمِعِينَ ، مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَمَنْ مَعَهُمْ , وَذَكَرَا رِسَالَةً مِنْ عِنْدِ الْأُمَرَاءِ , مَضْمُونُهَا : طَلَبُ الْحُضُورِ وَمُخَاطَبَةُ الْقُضَاةِ ، لِتَخْرُجَ وَتَنْفَصِلَ الْقَضِيَّةُ , وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ خُرُوجُك , وَأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُخْتَصَرًا وَنَحْوُ ذَلِكَ ؟ فَقُلْت : سَلِّمْ عَلَى الْأُمَرَاءِ ، وَقُلْ لَهُمْ : لَكُمْ سَنَةٌ ، وَقَبْلَ السَّنَةِ مُدَّةٌ أُخْرَى ، تَسْمَعُونَ كَلَامَ الْخُصُومِ ، اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَإِلَى السَّاعَةِ لَمْ تَسْمَعُوا مِنِّي كَلِمَةً وَاحِدَةً ؛ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ , فَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ عَدُوًّا آخَرَ لِلْإِسْلَامِ وَلِدَوْلَتِكُمْ ، لَمَا جَازَ أَنْ تَحْكُمُوا عَلَيْهِ حَتَّى تَسْمَعُوا كَلَامَهُ , وَأَنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ كَلَامَ الْخُصُومِ وَحْدَهُمْ فِي مَجَالِسَ كَثِيرَةٍ , فَاسْمَعُوا كَلَامِي وَحْدِي فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ , وَبَعْدَ ذَلِكَ نَجْتَمِعُ وَنَتَخَاطَبُ بِحُضُورِكُمْ , فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَقَلِّ الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ : ( إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) ؟! فَطَلَبَ الرَّسُولَانِ أَنْ أَكْتُبَ ذَلِكَ فِي وَرَقَةٍ ، فَكَتَبْته ، فَذَهَبَا ثُمَّ عَادَا , وَقَالَا : الْمَطْلُوبُ حُضُورُك لِتُخَاطِبَك الْقُضَاةُ بِكَلِمَتَيْنِ ، وَتَنْفَصِلوا ؟ وَكَانَ فِي أَوَائِلِ النِّصْفِ مِنْ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ ، جَاءَنَا هَذَانِ الرَّسُولَانِ بِوَرَقَةٍ كَتَبَهَا لَهُمْ الْمُحَكَّمُ مِنْ الْقُضَاةِ , وَهِيَ طَوِيلَةٌ ، طَلَبْتُ مِنْهُمْ نُسَخًا ، فَلَمْ يوافقوا ، وتأملتها ، فوجدتها مكذوبة علي ، إلا كلمة واحدة : مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ حَقِيقَةً ، وأن كلامه حرف وصوت ، قائم به ، بلا تكييف وَلَا تَشْبِيهَ.
قُلْتُ : ليس هذا فِي كلامي ولا خَطِّي.
وَخَاطَبَنِي بِخِطَابٍ فِيهِ طُولٌ ، قَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
فَنَدِمُوا عَلَى كِتَابَةِ تِلْكَ الْوَرَقَةِ ، وَكَتَبُوا هَذِهِ.
فَقُلْت : أَنَا لَا أَحْضُرُ إلَى مَنْ يَحْكُمُ فِيّ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَبِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَيَفْعَلُ بِي مَا لَا تَسْتَحِلُّهُ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى , كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ.
وَقُلْت لِلرَّسُولِ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ بِحُضُورِكُمْ ؛ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَمْكُرُوا بِي كَمَا مَكَرُوا فِي الْعَامِ الْمَاضِي ؛ هَذَا لَا أُجِيبُ إلَيْهِ.
وَلَكِنْ مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْت قَوْلًا بَاطِلًا ، فَلْيَكْتُبْ خَطَّهُ بِمَا أَنْكَرَهُ مِنْ كَلَامِي ، وَيَذْكُرُ حُجَّتَهُ , وَأَنَا أَكْتُبُ جَوَابِي مَعَ كَلَامِهِ , وَيُعْرَضُ كَلَامِي وَكَلَامُهُ عَلَى عُلَمَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ , فَقَدْ قُلْت هَذَا بِالشَّامِ ، وَأَنَا قَائِلُهُ هُنَا , وَهَذِهِ عَقِيدَتِي الَّتِي بَحَثْت بِالشَّامِ ، بِحَضْرَةِ قُضَاتِهَا وَمَشَايِخِهَا وَعُلَمَائِهَا.
وَقَدْ أَرْسَلَ إلَيْكُمْ نَائِبُكُمْ النُّسْخَةَ الَّتِي قُرِئَتْ ، وَأَخْبَرَكُمْ بِصُورَةِ مَا جَرَى , وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّي , وَالْعُدْوَانِ ، وَالْإِغْضَاءِ عَنْ الْخُصُومِ مَا قَدْ عَلِمَهُ اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ , فَانْظُرُوا النُّسْخَةَ الَّتِي عِنْدَكُمْ.
وَكَانَ قَدْ حَضَرَ عِنْدِي نُسْخَةٌ أُخْرَى منهَا ، فَقُلْت : خُذْ هَذِهِ النُّسْخَةَ ، فهي اعْتِقَادِي ؛ فَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا فَلْيَكْتُبْ مَا يُنْكِرُهُ ، وَحُجَّتَهُ ، لِأَكْتُبَ جَوَابِي ؟ فَأَخَذَا الْعَقِيدَةَ وَذَهَبَا ، ثُمَّ عَادَا وَمَعَهُمَا وَرَقَةٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى كَلَامِي ، بَلْ قَدْ أَنْشَئُوا فِيهَا كَلَامًا طَلَبُوهُ.
وَذَكَرَ الرَّسُولُ أَنَّهُمْ كَتَبُوا وَرَقَةً ثُمَّ قَطَعُوهَا ثُمَّ كَتَبُوا هَذِهِ ، وَلَفْظُهَا : " الَّذِي نَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ : أَنْ يَنْفِيَ الْجِهَةَ عَنْ اللَّهِ وَالتَّحَيُّزَ ، وَأَنْ لَا يَقُولَ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَرْفٌ وَصَوْتٌ قَائِمٌ بِهِ , بَلْ هُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِهِ , وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ إشَارَةً حِسِّيَّةً , وَنَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا عِنْدَ الْعَوَامّ , وَلَا يَكْتُبُ بِهَا إلَى الْبِلَادِ , وَلَا فِي الْفَتَاوَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا ؟ فَلَمَّا أَرَانِي الْوَرَقَةَ ، كَتَبْتُ جَوَابَهَا فِيهَا مُرْتَجِلًا ، مَعَ اسْتِعْجَالِ الرَّسُولِ : أَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : " الَّذِي نَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ أَنْ يَنْفِيَ الْجِهَةَ عَنْ اللَّهِ وَالتَّحَيُّزَ " فَلَيْسَ فِي كَلَامِي إثْبَاتٌ لِهَذَا اللَّفْظِ ; لِأَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا : بِدْعَةٌ , وَأَنَا لَا أَقُولُ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ , وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأَمَةِ.
فَإِنْ أَرَادَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ , أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ رَبٌّ وَلَا فَوْقَ الْعَرْشِ إلَهٌ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْرُجْ بِهِ إلَى رَبِّهِ , وَمَا فَوْقَ الْعَالَمِ إلَّا الْعَدَمُ الْمَحْضُ ؛ فَهَذَا بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا.
وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَا تُحِيطُ بِهِ مَخْلُوقَاتُهُ , وَلَا يَكُونُ فِي جَوْفِ الْمَوْجُودَاتِ ؛ فَهَذَا مَذْكُورٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِي , فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَجْدِيدِهِ ؟ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : " لَا يَقُولُ : إنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَرْفٌ وَصَوْتٌ قَائِمٌ بِهِ بَلْ هُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِهِ " ؛ فَلَيْسَ فِي كَلَامِي هَذَا أَيْضًا وَلَا قُلْته قَطُّ ؛ بَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ الْقُرْآنَ حَرْفٌ وَالصَّوْتَ قَائِمٌ بِهِ , بِدْعَةٌ , وَقَوْلُهُ : إنَّهُ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِهِ بِدْعَةٌ ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ لَا هَذَا وَلَا هَذَا , وَأَنَا لَيْسَ فِي كَلَامِي شَيْءٌ مِنْ الْبِدَعِ , بَلْ فِي كَلَامِي مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ : أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.
أَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : " إنَّهُ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ إشَارَةً حِسِّيَّةً " ؛ فَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كَلَامِي ؛ بَلْ فِي كَلَامِي إنْكَارُ مَا ابْتَدَعَهُ الْمُبْتَدَعُونَ مِنْ الْأَلْفَاظِ النَّافِيَةِ , مِثْلُ قَوْلِهِمْ : إنَّهُ لَا يُشَارُ إلَيْهِ , فَإِنَّ هَذَا النَّفْيَ أَيْضًا بِدْعَةٌ.
فَإِنْ أَرَادَ الْقَائِلُ أَنَّهُ لَا يُشَارُ إلَيْهِ ، أَنَّهُ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الصَّحِيحَةِ فَهَذَا حَقٌّ.
وَإِنْ أَرَادَ : أَنَّ مَنْ دَعَا اللَّهَ لَا يَرْفَعُ إلَيْهِ يَدَيْهِ , فَهَذَا خِلَافُ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ مِنْ رَفْعِ الْأَيْدِي إلَى اللَّهِ فِي الدُّعَاءِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إذَا رَفَعَ إلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا إلَيْهِ صِفْرًا ) ؛ وَإِذَا سَمَّى الْمُسَمِّي ذَلِكَ إشَارَةً حِسِّيَّةً , وَقَالَ : إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : " أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ " فَمَا فَاتَحْتُ عَامِّيًّا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَطُّ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ : بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ الْمُسْتَرْشِدَ الْمُسْتَهْدِيَ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ) , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ( إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ) الْآيَةَ , فَلَا يُؤْمَرُ الْعَالِمُ بِمَا يُوجِبُ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ.
فَأَخَذَا الْجَوَابَ ، وَذَهَبَا فَأَطَالَا ، الْغَيْبَةَ , ثُمَّ رَجَعَا وَلَمْ يَأْتِيَا بِكَلَامٍ مُحَصَّلٍ ، إلَّا طَلَبَ الْحُضُورِ ! فَأَغْلَظْتُ لَهُمْ فِي الْجَوَابِ ، وَقُلْتُ لَهُمْ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ : يَا مُبَدِّلِينَ ، يَا مُرْتَدِّينَ عَنْ الشَّرِيعَةِ ، يَا زَنَادِقَةً , وَكَلَامًا آخَرَ كَثِيرًا ! ثُمَّ قُمْتُ ، وَطَلَبْتُ فَتْحَ الْبَابِ ، وَالْعَوْدَ إلَى مَكَانِي.
وَقَدْ كَتَبْت هُنَا بَعْضَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمِحْنَةِ الَّتِي طَلَبُوهَا مِنِّي فِي هَذَا الْيَوْمِ , وَبَيَّنْت بَعْضَ مَا فِيهَا مِنْ تَبْدِيلِ الدِّينِ , واتباعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ , لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ , وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ نَكْتُبُ مِنْهَا مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ." انتهى من "التسعينية" (1/109-119).
فبهذا يتبين بطلان هذه الفرية التي تعلق به من لم يحقق الأمر ، ولم يفهم شيئا عن سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ومنهجه.
وينظر أيضا ـ للفائدة ـ : "مجموع الفتاوى" (3/160) وما بعدها ، و"العقود الدرية" لابن عبد الهادي (253) وما بعدها ، ط عالم الفوائد.
والله أعلم ..
اقرأ ايضا
- سؤال وجواب | لا بأس بسد الفراغ بين الأسنان- سؤال وجواب | علاقتي مع الغرباء تتسم بالعدوانية ومزاجي متقلب. أفيدوني
- سؤال وجواب | يشك أنه مسحور ولا يريد طلب الرقية حتى يدخل في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب
- سؤال وجواب | هل يجوز شراء هاتف محمول ، لونه ذهبي ؟!
- سؤال وجواب | حكم من احتلم ولم يتيقن خروج المني منه
- سؤال وجواب | أعاني من آلام في الرقبة وأسفل الرأس والأذنين، والدوخة أحياناً.
- سؤال وجواب | أشك بأن زوجي مصاب باضطراب ثنائي القطبية.
- سؤال وجواب | كيف يمكنني علاج طنين الأذنين؟
- سؤال وجواب | رأيت في حلقي بقعة حمراء خلف الله اة فأصبت بالقلق. هل وضعي خطير؟
- سؤال وجواب | قلبي متعلق بشاب لا يستطيع الزواج بسبب ظروفه!
- سؤال وجواب | حكم إعطاء الزكاة للجدة
- سؤال وجواب | حملي في الأسبوع الـ21 ولم أشعر بحركة الجنين حتى الآن!
- سؤال وجواب | بعد إقلاعي عن الحشيش أصبت بالتوتر والقلق
- سؤال وجواب | هل للدولة حق فيمن وجد كنزاً
- سؤال وجواب | أجريت جراحة في أسناني فانتفخ خدي بعدها، فهل هذا أمر طبيعي؟
لم يعلق احد حتى الآن .. كن اول من يعلق بالضغط هنا