السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لدي خوف من عدم القدرة على النوم، وإذا لم أنم ستتدهور حالتي الصحية، وسأصبح ضعيفاً هزيلاً إلى أن أموت، هذا الخوف جعل من حياتي كل يوم كأنني في امتحان.

أنا أعيش كل يوم في قلق ورهبة الامتحان بأني أريد أن أنجح في امتحان النوم، وهذا ما سبب لي الاكتئاب والوسواس القهري في كل شيء، في الصلوات، وفي العبادات، وفي كل شيء، وصلت لمرحلة أني في مسألة إماطة الأذى عن الطريق، أصبحت كالمجنون ألتقط كل ما أشاهده، حتى الحصاة الصغيرة؛ لخوفي من أن تكون سبباً في أذى شخص ما.

كذلك وسواس ترتيب أحذية البيت، لكي لا يكون أسفلها مقلوباً للأعلى، وتطور الوضع إلى أني أتفقد أحذية الجيران كل يوم قبل النوم، ووساوس تفقد أجهزة البيت، والغاز، وصنبور المياه.

منذ ست سنوات بدأت بأخذ علاج اللوسترال إلى جانب الميرتازابين، وبعد خمس سنوات من الدواء شعرت بالتحسن، وخفت لدي أعراض الوسواس القهري والاكتئاب، ثم قللت من الجرعة لأتركه على مدة سنة كاملة، والآن عادت لي الأعراض السابقة وبشدة، وأصبح الوسواس القهري أشد من قبل بكثير.

ذهبت إلى الطبيب النفسي فأوصاني بالعودة للدواء، وأنا أعلم أن الإعراض عن الوسواس هو الحل، وأنني كلما طاوعت الوسواس كلما ازداد، لكنني لا أستطيع النسيان والتجاهل مهما فعلت، وتبقى الوساوس في رأسي لساعات وتتطور، وأحس عند الإعراض بأنني متوتر وقلق، وأخاف أن لا أستطيع النوم بسبب التوتر.

ماذا أفعل بمسألة إماطة الأذى عن الطريق التي أصبحت تحرجني، وغيرها من الوساوس؟ وهل العودة للدواء ممكن أن تكون بلا جدوى، بعد رفع الجرعة مرة أخرى؟ أفيدوني...

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في في موقعنا سؤال وجواب، وأسأل الله لك العافية.

أخي وساوسك هي وساوس أفعال في معظمها، وهي أفعال طقوسية، ولا بد -يا أخي- أن نعترف أن وساوس الأفعال فعلاً هي من الوساوس القوية والشديدة، والتي تتطلب برنامجًا علاجيًا مكثفًا، لكن في نهاية الأمر يمكن علاجها، هذا ليس بالصعب أبدًا.

العلاج الدوائي بالنسبة لك مهم، لأن الدواء يخفف القلق والتوتر، ويهشش الوساوس، ويجعلك تستطيع أن تتعامل معها سلوكيًا، وأنا أود أن أقترح عليك تركيبة دوائية، أراها هي الأنسب بالنسبة لك.

أن تستعمل (اللسترال) بجرعة لا تقل عن 100 ملغ، وتتناول معه (الانفرانيل) والذي يعرف باسم (الكلوايمبرامين) بجرعة 100 ملغ أيضاً، طبعاً هذه الجرعة تصل لها تدريجيًا، ويا حبذا لو أضفت عقار (الاريببرازول) بجرعة 5 ملغ، هذه تتناولها في الصباح، أعتقد هذه هي التركيبة الدوائية الفاعلة جدًا في علاج وساوس الأفعال، والوساوس الطقوسية.

أخي، طبعاً الوساوس تتمكن وتكون أكثر إطباقًا من خلال متابعتها وتطبيقها، وما يسمى بإشباع رغبة الوساوس، فيا أخي الكريم، لا بد أن تصل إلى قناعات مطلقة أن هذه الوساوس سخيفة، أنها حقيرة، ويجب أن تعامل على ضوء هذا، والوسواس الذي يشغلك الآن وهو موضوع إماطة الأذى عن الطريق، طبعاً هذا الوسواس قائم على حديث نبوي، وهذه من الفضائل العظيمة جدًا أن يميط الإنسان الأذى عن الطريق، لكن أي نوع من الأذى، أنت هنا لا بد أن تقف هنا وقفة وفي ذات الوقت يجب أن تقيم الأمور، فأنت حين تلتقط أي شيء موجود في الطريق هذا أذى لنفسك، والنفس أولى أن تحفظ، فأنا أعتقد أن المفهوم الشرعي نفسه يجب أن تراجعه، هذا مهم جداً.

حاول أن تطبق تمارين عملية، وأنا أفضل أن يكون معك شخص في المراحل الأولى للتطبيق، تخرج معه مثلاً في الشارع، وتسير في الطريق، وتتجنب التقاط الأشياء التي تقابلك، والتي اعتدت على إزالتها، ومهمة الشخص الذي يكون معك هو أن ينهاك، هذا نسميه بالمعالج المساعد، تحتاجه في المراحل الأولى للعلاج، على الأقل لمدة أسبوعين، يجب أن يكون في رفقتك في تمرين علاجي يومي، وهذا التمرين يجب أن لا يقل عن نصف ساعة، وبعد ذلك تطبق هذه التمارين لوحدك.

مبادئ علاج الوسواس سلوكيًا هي معروفة جداً: التحقير، التجاهل، وعدم مناقشة الوسواس، عدم تحليله، عدم حواره، أعرف أن ذلك ليس بالسهل، لكنه ليس بالصعب أبدًا، في ذات الوقت خاصة إذا طبقت الخطوة الثانية في العلاج وهي صرف الانتباه من خلال الإتيان بفكرة أخرى، مثلاً حين تفكر في موضوع إماطة الأذى عن الطريق بالكيفية التي تطبقها أنت وليس بالكيفية الشرعية المعروفة؛ تأتي فجأة بفكرة أخرى مخالفة تمامًا لهذا الوسواس، مثلاً تدرب نفسك على حسن إدارة الوقت، تتأمل في آية قرآنية، تتفكر في الكيفية التي ستطور بها نفسك في عملك، أي فكرة أخرى تبعدك من الوسواس وتهيمن على الطبقة العليا في تفكيرك.

كما تعرف -يا أخي- سلم التفكير أو درجة التفكير عند الإنسان معروف جدًا، الفكرة الأولى دائماً هي التي تطغى، وكثيرًا ما يطغى الوسواس من خلال أنه يكون في الطبقة العليا، ولذا يتبعه الإنسان وينشغل به، فحاول أن تجعل الوسواس يكون في الطبقات الدنيا وليس في الطبقات العليا، وذلك من خلال أن تصرف انتباهك عن الوسواس من خلال الإتيان بأفكار أخرى جميلة وطيبة، وتكون إيجابية.

التمرين الآخر -أخي الكريم- هو طبعاً التنفير، تربط هذه الوساوس من الناحية الفكرية، وحتى من الناحية التطبيقية بشيء يكون غير مرغوب للنفس، شيء مؤلم للنفس، مثلاً تصور أمامك سيارة احترقت، وأنت تفكر في هذه الوساوس، أو دائماً نحن نوصي بالتمرين البسيط جداً، والنافع جدًا، وهو أن تضرب يدك بقوة وبشدة على سطح صلب كسطح الطاولة مثلاً، وتربط الألم الذي ينتج عن الضرب تربطه بالوسواس، من ناحية الفكرة ومن ناحية الفعل أيضاً.

هذا التمرين يكرر عدة مرات ويأخذه الإنسان بجدية أيضاً؛ فهو يساعد كثيرًا.

كذلك مثلاً أن يشم الإنسان رائحة كريهة، وفي ذات الوقت يفكر في الوسواس؛ هذه كلها منفرات للأشياء التي لا ترغبها النفس، لكن عملية الربط النفسي مهمة جدًا، يجب أن تربط ما بين الاثنين مباشرة، دون تحليل الفكر الوسواسية أو الفعل الوسواسي.

أخي، بصفة عامة طبعاً الوساوس تتصيد الناس من خلال الفراغ، فأنت حاول أن تدير وقتك بصورة جيدة، وتبتعد عن الفراغ الزمني والفراغ الذهني.

كذلك -يا أخي الكريم- التواصل الاجتماعي، وممارسة الرياضة، والاطلاع، والقراءة، هذه كلها فيها خير للإنسان، وتبعده من الوسواس.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد..