ما صحة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: " كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعجِبُه الثُّفْل"، قرأت بأن معنى الثُّفْل هو : ما يبقى من الطعام في قعر القدر، وقرأت بأن أكل الطعام المتبقي في قعر القدر يسبب مرض السرطان، خاصة سرطان البنكرياس، فهل هذا صحيح؟.

الحمد لله.

هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "المسند" (21/26)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ" قَالَ عَبَّادٌ يَعْنِي: ثُفْلَ الْمَرَقِ.

قال محققو المسند: " حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، أبو جعفر المدائني- وهو محمد ابن جعفر البزاز- صدوق حسن الحديث، وهو من رجال مسلم، لكن فيه كلام ينزله عن رتبة الصحيح، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين " انتهى.

وأبو جعفر المدائني قد تابعه سعيد بن سليمان، كما عند الترمذي في "الشمائل" (185)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ" قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " يَعْنِي مَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ".

وصححه الشيخ الألباني في "مختصر الشمائل" (ص 104).

ورجّح البيهقي بأن الصحيح وقفه على عمر رضي الله عنه.

حيث قال رحمه الله تعالى: " قَدْ خُولِفَ عَبَّادُ فِي رَفْعِهِ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حدثَنَا عَفَّانُ، حدثَنَا حَمَّادٌ وَوُهَيْبٌ جَمِيعًا، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " كَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الثُّفْلُ، وَكَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ النَّبِيذَ".

وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالنَّبِيذِ الْحُلْوَ الَّذِي لَا يَشْتَدُّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ " انتهى من "شعب الإيمان" (8/81).

فالحاصل: أن هذا الخبر مختلف في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو وقفه على عمر رضي الله عنه.

واختلف أيضا في تفسير (الثُّفْلُ): فقيل: الثريد وهو طعام من خبز ومرق اللحم.

وقيل: هو ما بقي من الطعام.

قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى: " (الثُّفْلُ) هو في الأصل: ما يرسُب من كل شيء، أو يبقى بعد العصر.

وفُسِّر في الحديث: بالثريد، وبما يُقتات، وبما يلتصق بالقدر، وبطعام فيه شيء من الحبوب والدقيق، ونحوه مما بقي في آخر الوعاء.

وفسره شيخ الترمذي وهو الدارمي: بما بقي من الطعام.

قال المظهر: أي بما بقي في القدر، وهو المشهور عند أهل الحديث، والمسموع من أفواه المشايخ، ولعل وجه إعجابه صلى الله عليه وسلم أنه منضوج غاية النضج القريب إلى الهضم، ويكون أقل دهانة؛ فهو أهنأ وأمرأ، وفيه إشارة إلى تواضع وإيماء إلى القناعة.

" انتهى.

"المرقاة" (8 / 48).

وعلى القول بنسبة هذا الإعجاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أن المراد بـ ( الثُّفْلُ ) ما بقي في أسفل القدر.

فليس في هذا ما يستشكل؛ لأن المقصود بالمتبقي في أسفل القدر: ما تم نضجه.

وأما الذي يحذر منه الأطباء فالمقصود به الطعام المحترق في أسفل القدر وغيره.

والله أعلم.
.