عندي شبهة أرهقتني, فأرجو من فضيلتكم إيجاد حل لها, وهي: إذا كان كل شيء من الله خيره وشره, فلماذا نشكر الناس على فعلهم الحسن, أو نحبهم على أخلاقهم الحسنة؟ ولماذا نحن مأمورون بحبهم لأخلاقهم الحسنة إذا كانوا هم أصلًا لا يملكون شيئًا لأنفسهم - مثل حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم –؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:فهذه هي قضية الإيمان بالقضاء والقدر، والتي ذهب الناس فيها إلى طرفين ووسط، فأما الطرفان: فأحدهما: جعل العبد مسيرًا، فليس له مشيئة أو إرادة، وهذا هو مذهب الجبرية, والآخر جعله مخيرًا خالقًا لأفعال نفسه، فلا يجري عليه قضاء الله وقدره السابق، وهذا هو مذهب القدرية, والوسط ـ وهم أهل السنة ـ فالعبد عندهم ميسر لما خلق له، فلا يصح إطلاق كونه مسيرًا أو مخيرًا، بل هو مسير من وجه، ومخير من وجه آخر, بمعنى أنه من جهة يؤمن بقضاء الله وقدره الذي لا يخرج عنه شيء في الكون، ومن جهة أخرى يؤمن بأن الله تعالى قد خلق له إرادة, ووهبه مشيئة، بها يكتسب عمله, ويحاسب عليه, وقد سبق لنا إيضاح ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4054، 8652،