في علاج الوسواس الخاص بالاستنجاء: يشتكي بعض الموسوسين أنه يعاني أثناء الاستنجاء (التطهر بعد البول)، وكثير منهم يمكثون وقتا طويلا للتأكد من عدم نزول أي قطرات بول بعد الانتهاء من عملية التبول، وقد سبق معنا ما ذكره العلماء قبل قرون من وجود هذا الوسواس.
وهذه المسألة تجدها في فتاوى الطهارة بالسؤال عمّن أصابه سلس البول، ويسميها بعض الفقهاء بمسألة "صاحب القطرة والقطرتين".
وهنا لا بد من الأخذ في الاعتبار عدة نقاط: 1) هذه الوسوسة أكثر في الذكور من الإناث، وهي مرتبطة بنطاق رؤية العين لكل منهما، بسبب اختلاف الطبيعة التشريحية.
فالعضو المسؤول عن التبول عند الذكور يكون خارج الجسد، وبالتالي يمكن متابعته بشكل أسهل أثناء التبول والاستنجاء، بينما الأنثى يصعب عليها أن ترى مخرج البول مباشرة، ومن تعاني من الوسواس عادة، ما يكون خاصا بإفرازاتها المهبلية (أو الدم) الخارجة من الجسم فتراه بعينها في الملابس.
2) هناك سبب فيزيائي لنزول قطرات قليلة بعد تفريغ أي سائل من خلال مجرى ضيق، فإن خرطوم المياه مثلا تعلق على جدرانه الداخلية بعض ذرات الماء بعد استخدامه، ثم تجتمع بعضها ببعض مع الوقت لتشكل قطرة ثم تنزل، وهذا ما يحدث في العضو الذكري.
وبحكم أن طول مسار البول في الذكور أكبر من الإناث بخمسة أضعاف! –في الرجال البالغين يكون 20 سم بينما في النساء هو 4 سم فقط-، فإن تساقط ذرات البول بعد التبول عند الذكور أكثر، وحدوث هذا الوسواس لديهم أشهر.
3) يشتكي بعض الموسوسين أن ما ينزل منه هو مني أو مذي أو ودي، وحقيقة الأمر أن ما ينزل عادة هي قطرات بول، إلا في حالات مرضية مرضا عضويا.
في الحالة الطبيعية فإن المني أو المذي (وهو سائل شفاف لزج ينزل بعد الإثارة الجنسية، وهو في الرجل والمرأة): لا يمكن أن ينزلا بعد التبول، لأنهما مرتبطان بالإثارة الجنسية – والتي يحدث خلالها تغيرات فسيولوجية لدى الجنسين- ولا يكون ذلك ساعة التبول، ولو نزل أثناءه فهي حالة مرضية عضوية.
أما الودي (وهو سائل أبيض غير لزج)، فينزل في حالات التهابات البروستاتا عند الرجال، بالتالي فهي مرض عضوي يعالج عند أطباء الذكورة والتناسل.
بالتالي فما ينزل ويثير الوسواس عند أغلب المرضى هي قطرات بول، إلا في حالات مرضية لها علاج عضوي.
4) أن ممارسة الطرق المختلفة للضغط على المثانة لتفريغ البول، لن يُنهي نزوله، لأنه - وببساطة - : الكليتان تعملان طوال الوقت، وتفرزان البول في شكل قطرات يسيرة، تتجمع في المثانة إلى أن تمتلئ، فيحدث شعور الرغبة في التبول، ثم يعطي الشخص –إراديا- الأمر لأن ينفتح لديه محبس البول، فينزل.
في وضع الجلوس في الحمام يكون الشخص باستمرار سامحا لمحبس البول بالفتح، بالتالي كل قطرة تنشأ في الكلى تنزل مباشرة منه للخارج، فهي عملية مستمرة لا تتوقف.
بالتالي فهذه الأفعال ليس منها أي جدوى، بل هي تثبت الوسواس أكثر فأكثر، بحجة أن الموسوس كل دقيقة يجد قطرة جديدة تنزل منه فعليه التحرز أكثر.
هناك حديث نبوي يضع الحل العلمي لهذه المشكلة بشكل مباشر وهو سنة مهجورة سواء عند المرضى أو الصحاح من الناس، وهو نضح المياة (رشها) على الملابس من خارجها على منطقة الفرج بعد الوضوء (أو كما ذهب بعض العلماء أن النضح (الرش) الوارد في الحديث المقصود به أن يكون على الفرج نفسه، وسواء كان المراد الفرج أو الملابس، ففي الحالتين فإن فعل النضح مطلوب ومغزاه مفهوم)، فقد ورد في الحديث: أن الحكم بن سفيان الثقفي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم أخذ كفا من ماءٍ فنضح به فرجه "صحيح سنن ابن ماجة" (379) واللفظ له، "صحيح سنن النسائي" (134).
قال العلماء في شرح الحديث: "أي رشه عليه، لنفي الوسوسة وتعليم الأمة" انتهى[13].
فانظر إلى هذه السنة؛ كم هي بسيطة الفعل، شديدة الأثر في منع الوسواس، فالموسوس كلما أحس بللًا، سيقول هذا من أثر النضح؛ فيساعد هذا على اندفاع الوسوسة.
وأما في حكم غسل الملابس التي بها القدر اليسير من النجاسة، فهناك خلاف بين العلماء فيها وفي مقدار هذا القدر اليسير، فإذا كانت النجاسة يسيرة، كنقطة بول أو ودي، فيرى الشافعية أنه لا يلزم غسلها، ووافقهم المالكية فيما إذا عسر الاحتراز منها، كأثر الذباب من العذرة والبول، وذهب الحنفية إلى أن ما كان من النجاسة المغلظة، وهي ما ثبت بدليل مقطوع به كالدم والبول والخمر، فإنه يعفى عن قدر الدرهم وما دونه.
وخالفهم عدد من العلماء الآخرين.
فللمريض أن يأخذ بالأيسر من الأقوال في المسألة، فهي من الخلاف السائغ المعتبر، وهو من أصحاب الأعذار في المسألة [14]..