ضابط ما يحصل به الانصراف من صلاة الليل: هو أن يصلي المأموم مع إمامه؛ حتى ينتهي الإمام من صلاته كلها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) ([58])، فمن صلى مع الجماعة الأولى بعد العشاء عشرين ركعة، وأوتر مع إمامها فقد أكمل صلاة التراويح بالوتر مع الإمام، وحقّق شرط حصول أجر قيام ليلة بانصرافه مع الإمام، وليس عليه أن يصلي مع إمام آخر، في آخر الليل؛ لأن الصلاة الأولى تامة كاملة.
ومن أراد أن يصلي الصلاتين طلبا لمزيد الأجر: فقد أحسن، غير أنه لا يصلي الوتر مرتين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :إذا صلى الإنسان في رمضان مع من يصلي ثلاثا وعشرين ركعة واكتفى بإحدى عشرة ركعة ولم يتم مع الإمام، فهل فعله هذا موافق للسنة؟ فأجاب: "السنة الإتمام مع الإمام، ولو صلى ثلاثا وعشرين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة، وفي اللفظ الآخر: (بقية ليلته).
فالأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف، سواء صلى إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة أو ثلاثا وعشرين أو غير ذلك، هذا هو الأفضل أن يتابع الإمام حتى ينصرف" انتهى ([59]).
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله : " قيام رمضان يحصل بصلاة جزء من كل ليلة، كنصفها أو ثلثها، سواء كان ذلك بصلاة إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث وعشرين، ويحصل القيام بالصلاة خلف إمام الحي حتى ينصرف، ولو في أقل من ساعة.
وكان الإمام أحمد يُصلي مع الإمام ولا ينصرف إلا معه، عملاً بالحديث، فمن أراد هذا الأجر فعليه أن يصلي مع الإمام حتى يفرغ من الوتر، سواء صلى قليلاً أو كثيراً ، وسواء طالت المدة أو قصرت" انتهى ([60]).
لكن: هل يحصل له الأجر الوارد في الحديث إذا صلى نصف التراويح في مسجد ونصفها في آخر لظروف العمل؟ سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا كان الرجل في رمضان يصلي أول الليل في مسجد وآخر الليل في مسجد هل يكون الأجر مثله؟ فأجاب: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: )من قام مع الإمام حتى ينصرف-يعني: في قيام رمضان- كتب له قيام ليلة).
فإذا صلى مع الإمام الأول، ثم صلى مع الثاني: لم يصدق عليه أنه صلى مع الإمام حتى ينصرف؛ لأنه جعل قيامه بين رجلين.
فيقال له: إما أن تقوم مع هذا من أول الليل إلى آخره، وإما أن يفوتك الأجر" انتهى ([61]).
وعليه: إذا كانت ظروف العمل لا يتمكن معها المصلي من صلاة التراويح كاملة في مسجد واحد، فيرجى له الأجر على نيته المقترنة بما يقدر عليه من عمل.
فإن كان في المسجد الواحد إمامان لصلاة التراويح أو التهجد، فالانصراف يتحقق بالصلاة مع الإمامين معا: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلاً، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟ الذي يظهر الاحتمال الثاني – أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول" ([62])..