هل يبيح الإسلام الصيد ؟ وما هي شروط الصيد ؟ وهل يباح أن أصطاد سرا ؛ لأن الصيد محرم في الدولة التي أقطن فيها ؟.
الحمد لله.
أولا : الأصل في صيد البر الإباحة إلا لمن أحرم بالحج أو العمرة ، أو كان في حدود الحرم ، ولو لم يكن مُحرِما.
وأما صيد السمك وغيره من صيد البحر ، فمباح للمحرِم وغيره.
فمن اصطاد الحيوانات المباحة ، للانتفاع بها بالتكسب ببيعها ، أو أكلها ، أو هبتها ونحو ذلك : فلا حرج عليه باتفاق العلماء.
ثانيا : شروط الصيد في البر تتعلق بكل من الصائد والمصيد والآلة ، ونحن نذكر مختصرا في بيان ذلك : فمما يشترط للصائد لصحة الصيد ما يلي : - أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً ، مُمَيِّزًا ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ : ( الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ).
وَذَلِكَ لأِنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْعَاقِل لَيْسَ أَهْلاً لِلتَّذْكِيَةِ عِنْدَهُمْ ، فَلاَ يَكُونُ أَهْلاً لِلاِصْطِيَادِ ، وَلأِنَّ الصَّيْدَ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَصْدِ وَالتَّسْمِيَةِ ، وَهُمَا لاَ يَصِحَّانِ مِمَّنْ لاَ يَعْقِل ، كَمَا عَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
- أَنْ يَكُونَ حَلاَلاً ، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَمْ يُؤْكَل مَا صَادَهُ ، بَل يَكُونُ مَيْتَةً.
- أَنْ يَكُونَ ممن تحل ذبيحته ، بأن يكون مسلماً أو كتابياً ، فلا يحل صيد المشرك والمجوسي والشيوعي الملحد والمرتد ونحو ذلك.
وعلى ذلك فلا يحل صيد تارك الصلاة بالكلية ولا تحل ذبيحته لأنه كافر مرتد.
راجع إجابة السؤال رقم : (
- يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الإْرْسَال أَوِ الرَّمْيِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
- يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ أَنْ يَقْصِدَ بِإِرْسَالِهِ صَيْدَ مَا يُبَاحُ صَيْدُهُ ، فَلَوْ أَرْسَل سَهْمًا أَوْ جَارِحَةً عَلَى إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُسْتَأْنَسٍ ، أَوْ حَجَرٍ فَأَصَابَتْ صَيْدًا لَمْ يَحِل.
ثانيا : ما يشترط في المصيد : - يُشْتَرَطُ فِي الْمَصِيدِ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا مَأْكُول اللَّحْمِ أَيْ جَائِزَ الأْكْل ، وَهَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ الصَّيْدُ لأِجْل الأْكْل.
أَمَّا مُطْلَقُ الصَّيْدِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ : فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مَأْكُول اللَّحْمِ ، بَل يَجُوزُ عِنْدَهُمْ صَيْدُ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ وَمَا لاَ يُؤْكَل لَحْمُهُ لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ ، أَوْ لِدَفْعِ شَرِّهِ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَلاَ يُجِيزُونَ صَيْدَ أَوْ ذَكَاةَ غَيْرِ مَأْكُول اللَّحْمِ.
- أَنْ يَكُونَ الْمَصِيدُ حَيَوَانًا مُتَوَحِّشًا مُمْتَنِعًا عَنِ الآْدَمِيِّ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ - التَّوَحُّشُ بِأَصْل الْخِلْقَةِ وَالطَّبِيعَةِ ، أَيْ: لاَ يُمْكِنُ أَخْذُهُ إِلاَّ بِحِيلَةٍ.
أما الحيوانات الأهلية التي لها أصحاب فلا يجوز صيدها.
- أَنْ لاَ يَكُونَ صَيْدَ الْحَرَمِ : فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْحَرَمِ صَيْدُ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ - أَيْ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ - سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْكُول اللَّحْمِ أَمْ غَيْرَ مَأْكُول اللَّحْمِ.
- أَنْ لاَ يَغِيبَ عَنِ الصَّائِدِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَهُوَ قَاعِدٌ عَنْ طَلَبِهِ ، فَإِنْ تَوَارَى الصَّيْدُ عَنْهُ ، وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لَمْ يُؤْكَل ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَوَارَ، أَوْ تَوَارَى وَلَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ أُكِل ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ.
- إِذَا رَمَى صَيْدًا فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا ، وَبَقِيَ الصَّيْدُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً يَحْرُمُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ ) رواه أبو داود (2858) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود".
أَمَّا الْمَقْطُوعُ مِنْهُ ، وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْحَيُّ ، فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَكَاةٍ ، وَإِلاَّ يَحْرُمُ - أَيْضًا – بِاتِّفَاقٍ.
أَمَّا الْمَصِيدُ الْبَحْرِيُّ فَلاَ تُشْتَرَطُ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ : ( الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) صَيْدُ وَأَكْل جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ سَمَكًا أَمْ غَيْرَهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( أُحِل لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ) أَيْ مَصِيدُهُ.
فجميع حيوانات البحر التي لا تعيش إلى في الماء حلال ، حيها وميتها.
راجع إجابة السؤال رقم : (
ثالثا : شروط آلة الصيد : آلَةُ الصَّيْدِ نَوْعَانِ: أَدَاةٌ جَامِدَةٌ ، أَوْ حَيَوَانٌ.
أَوَّلاً - الأْدَاةُ الْجَامِدَةُ : - يشترط أَنْ تَكُونَ الآْلَةُ مُحَدَّدَةً تَجْرَحُ وَتُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ بِالْقَطْعِ أَوِ الْخَزْقِ ، وَإِلاَّ لاَ يَحِل بِغَيْرِ الذَّبْحِ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْحَدِيدِ ، فَيَصِحُّ الاِصْطِيَادُ بِكُل آلَةٍ حَادَّةٍ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَدِيدَةً ، أَمْ خَشَبَةً حَادَّةً ، أَمْ حِجَارَةً مُرَقَّقَةَ الرَّأْسِ ، أَمْ نَحْوَهَا تَنْفُذُ دَاخِل الْجِسْمِ.
- ويشترط أَنْ تُصِيبَ الصَّيْدَ بِحَدِّهَا فَتَجْرَحَهُ ، وَيُتَيَقَّنَ كَوْنُ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ ، وَإِلاَّ لاَ يَحِل أَكْلُهُ؛ لأِنَّ مَا يُقْتَل بِعَرْضِ الآْلَةِ أَوْ بِثِقَلِهِ يُعْتَبَرُ مَوْقُوذَةً لا تحل.
- يحل الصيد بالبندقية ، فإذا رميت بالبندقية صيوداً من طيور أو غيرها كالأرانب والظباء وسميت الله على ذلك حين إطلاق السهم فإنها تكون حلالا ، ولو وجدتها ميتة.
راجع إجابة السؤال رقم : (
- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الاِصْطِيَادِ بِالسَّهْمِ الْمَسْمُومِ إِذَا تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْل الصَّيْدِ أَوِ احْتُمِل ذَلِكَ ، لأِنَّهُ اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُبِيحٌ وَمُحَرَّمٌ ، فَغَلَبَ الْمُحَرَّمُ، كَمَا لَوِ اجْتَمَعَ سَهْمُ مَجُوسِيٍّ وَمُسْلِمٍ فِي قَتْل الْحَيَوَانِ.
فَإِنْ لَمْ يُحْتَمَل ذَلِكَ فَلاَ يَحْرُمُ.
ثانيا : الحيوان : يَجُوزُ الاِصْطِيَادُ بِالْحَيَوَانِ الْمُعَلَّمِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْجَوَارِحِ ، مِنَ الْكِلاَبِ وَالسِّبَاعِ وَالطُّيُورِ مِمَّا لَهُ نَابٌ أَوْ مِخْلَبٌ ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَالْفَهْدُ وَالنَّمِرُ وَالأْسَدُ وَالْبَازِي وَسَائِرُ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ ، كَالشَّاهِينِ وَالْبَاشِقِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا.
فَالْقَاعِدَةُ : أَنَّ كُل مَا يَقْبَل التَّعْلِيمَ وَعُلِّمَ يَجُوزُ الاِصْطِيَادُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَيَوَانِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ : - يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ ) المائدة / 4.
- أَنْ يَجْرَحَ الْحَيَوَانُ الصَّيْدَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَمُقَابِل الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
فَلَوْ قَتَلَهُ الْجَارِحُ بِصَدْمٍ ، أَوْ عَضٍّ بِلاَ جُرْحٍ لَمْ يُبَحْ ، كَالْمِعْرَاضِ إِذَا قَتَل بِعَرْضِهِ أَوْ ثِقَلِهِ ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَل الْكَلْبَ فَأَصَابَ الصَّيْدَ وَكَسَرَ عُنُقَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ ، أَوْ جَثَمَ عَلَى صَدْرِهِ وَخَنَقَهُ.
- أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مُرْسَلاً مِنْ قِبَل مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ مَقْرُونًا بِالتَّسْمِيَةِ ، فَلَوِ انْبَعَثَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، أَوِ انْفَلَتَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ ، أَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الإْرْسَال فَأَخَذَ صَيْدًا وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَل ، وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
- أَنْ لاَ يَشْتَغِل الْحَيَوَانُ بِعَمَلٍ آخَرَ بَعْدَ الإْرْسَال ، وَذَلِكَ لِيَكُونَ الاِصْطِيَادُ مَنْسُوبًا لِلإْرْسَال ، وَهَذَا الشَّرْطُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ فِي الصَّيْدِ مَنْ يَحِل صَيْدُهُ كَمُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ مَعَ مَنْ لاَ يَحِل صَيْدُهُ ، كَمَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ فَإِنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ لاَ يُؤْكَل ، وَذَلِكَ عَمَلاً بِقَاعِدَةِ تَغْلِيبِ جَانِبِ الْحُرْمَةِ عَلَى جَانِبِ الْحِل.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا، كَأَنْ رَمَيَا صَيْدًا أَوْ أَرْسَلاَ عَلَيْهِ جَارِحًا يَحْرُمُ الصَّيْدُ ، لأِنَّهُ اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، فَغَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ.
انظر : "الموسوعة الفقهية" (28/ 117-142).
ثالثا : إذا كانت قوانين الدولة وأنظمتها لا تسمح بالصيد وتمنع منه فلا يجوز الصيد ؛ لأن في ذلك مخالفة لأنظمة الدولة التي دخلها بتأشيرة وعقد عمل يجب عليه أن يلتزمه ويوفي لهم بما شرطوا ، وهم لا يسمحون له بدخول دولتهم إلا بالالتزام بأنظمتها وقوانينها ، والغالب أن منع الدولة الصيد يكون منوطا بالمصلحة العامة ، وحينئذ يجب الالتزام به.
وعلى فرض عدم وجوب الالتزام به فإن في مخالفته التعرض للعقوبة وربما للإبعاد من البلاد ، والعاقل لا يسعي إلى وقوع الضرر بنفسه وأهله.
راجع إجابة السؤال رقم : (
والله أعلم ..