كنت أعاني من الوسواس القهري ، فكنت إذا توضأت في رمضان أكثر البصاق خوفا من أن ينزل الماء في حلقي ، فمرة فقدت أعصابي ، فابتلعت الماء عمدا فكيف أكفر عن ذنبي ؟ ومرة كنت نائمة ، وكانت أمي تجفف لوزا وضعته بجانبي في رمضان ، فأحسست بشيء في فمي لا أدري بقايا طعام في فمي أو لوز فابتلعته كسلا أن أقوم فأتمضمض ، فماذا علي ؟ وفي رمضان آخر بقي قليل من ماء الوضوء في فمي فابتلعته عمدا ؟ وأخيرا ما حكم من تقيأ فابتلعه ، كسلا أن يقوم فيتمضمض ؟ أنا الآن مرضع ، وتبت إلى الله فكيف أكفر عن ذنبي ؟.
الحمد لله.
أولا : إذا تمضمض الصائم لزمه مج الماء ، ولا يشرع له كثرة البصق بعد المضمضة ، وهذه عادة سيئة تورث الوسواس والشك في العبادة.
ثانيا : قولك : " فقدت أعصابي فابتلعت الماء عمدا " : - إن كنت تقصدين أنك ابتلعت ماء المضمضة الذي لا يزال في فمك ، أو بعضه : فقد أفطرت ، فتجب عليك التوبة وقضاء ذلك اليوم.
- وإن كنت تقصدين ابتلاع الريق بعد المضمضة ومج الماء الذي في الفم : فلا شيء عليك ، قال البجيرمي رحمه الله في "حاشيته" (2/ 378): " وَلَا يَضُرُّ بَلْعُ رِيقِهِ إثْرَ الْمَضْمَضَةِ ، وَإِنْ أَمْكَنَ مَجُّهُ ، لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ " انتهى.
وكذلك في قولك : " بقي قليل من ماء الوضوء في فمي فابتلعته " : - إن كان هذا من ماء المضمضة فقد فسد صومك وعليك القضاء.
- وإن كانت رطوبة في الفم بعد المضمضة ومج الماء : فالراجح أنه لا شيء عليك.
ثالثا : من ابتلع بقايا الطعام التي بين أسنانه باختياره مع استطاعته إخراجها ، فإنه يفطر بذلك ، أما إذا ابتلعها من غير اختيار منه ، كما لو جرت مع ريقه إلى حلقه ولم يستطع ردها ، فصيامه صحيح ولا شيء عليه.
والذي يظهر من كلام السائلة أنها ابتلعت بقايا طعام كان في فمها عمدا ، وكسلت أن تقوم وتنظف فمها منه ، فإن كان ذلك بالليل فلا شيء عليها ، وإن كان بعد طلوع الفجر ، فعليها قضاء ذلك اليوم مع التوبة إلى الله.
رابعا : من غلبه القيء فلا شيء عليه وصيامه صحيح ، ومن تقيأ عمدا فعليه القضاء.
ومن غلبه القيء فبلعه : فإن كان عن غير عمد منه فلا شيء عليه ، وإن تعمد بلعه فسد صومه وعليه القضاء ، قال علماء اللجنة : " إذا تقيأ عمدا فسد صومه ، وإن غلبه القيء فلا يفسد صومه، وكذلك لا يفسد ببلعه ما دام غير متعمد " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/ 254).
والحاصل : أن الواجب عليك قضاء الأيام التي أفسدت صيامها عمدا ، سواء كان ذلك ببلع ماء في فمك ، غير ماء الريق فإن بلعه لا يفطر ، أو بلع ما تبقى في فمك من طعام ، أو ما وصل إليه من القيء ، فتقدري عدد هذه الأيام ، وتصومينها قضاء ، مع التوبة إلى الله عز وجل مما فعلت من ذلك ، وأنت مختارة.
وإنما يجب عليك قضاء ذلك : متى انتهيت من فترة رضاعك ، وأما المرضع ، فلا يلزمها قضاء ما عليها من الصوم في أثناء رضاعها ، متى شق ذلك عليها ، أو خافت على نفسها ، أو على ولدها من الصيام ، وهي في مدة الرضاع.
وأما ما غلبت عليه من شدة الوسواس ، وضغط الأعصاب ، فنرجو ألا يكون عليك بأس منه ، مع وجوب اهتمامك بترك الوساوس ، وعدم الالتفات إليها ؛ فخير علاج للوسواس إهماله وعدم الالتفات إليه ، وعدم الانشغال به.
والله تعالى أعلم ..