صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح أو الوتر، صحيحة على الراجح من قولي العلماء، والمسألة معروفة عند الفقهاء بصلاة المفترض خلف المتنفّل ([53]).
قال ابن قدامة رحمه الله: "وفي صلاة المفترض خلف المتنفل روايتان: إحداهما: لا تصح، واختارها أكثر أصحابنا، وهذا قول الزهري, ومالك, وأصحاب الرأي ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به, فلا تختلفوا عليه ) متفق عليه.
والثانية: يجوز.
وهذا قول الشافعي, وابن المنذر, وهي أصح ; لما روى جابر بن عبد الله أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة.
متفق عليه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين, ثم سلم, ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين, ثم سلم.
رواه أبو داود, والثانية منهما تقع نافلة, وقد أَمَّ بها مفترضين.
فأما حديثهم فالمراد به: لا تختلفوا عليه في الأفعال؛ بدليل قوله: (فإذا ركع فاركعوا, وإذا رفع فارفعوا, وإذا سجد فاسجدوا, وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون)" انتهى باختصار ([54]).
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما هو العمل عندما يأتي الفرد بعد صلاة العشاء وقد انتهت، وقام الإمام يصلي التراويح، فهل يأتم بالإمام وينوي العشاء؟ أم يقيم ويصلي منفردا أو مع جماعة إن وجدت؟ فأجابوا: "يجوز أن يصلي العشاء جماعة مع من يصلي التراويح، فإذا سلم الإمام من ركعتين قام من يصلي العشاء وراءه وصلى ركعتين، إتماما لصلاة العشاء" انتهى ([55]).
لكن من فاتته صلاة العشاء مع الإمام الراتب ودخل بعد الصلاة مباشرة، وقد بقي وقت عن صلاة التراويح، يسع صلاتهم للعشاء، فالأحسن لهم في مثل هذه الحال أن يصلوا جماعة لوحدهم؛ خروجاً من خلاف من منع من صلاة المفترض خلف المتنفل، من أهل العلم.
أما إذا دخل في أثناء صلاة التراويح، أو كان الإمام يشرع في التراويح بعد العشاء بوقت قريب، ويخشى من صلاة الجماعة الثانية أن يحصل من إحداهما تشويش على الأخرى؛ فالأحسن في هذه الحال أن يدخل مع الإمام في صلاة التراويح بنية العشاء، ثم إذا سلم الإمام من الركعتين، قام وأتم لنفسه.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : نلاحظ في بعض المساجد أن الذين يأتون بعد انتهاء صلاة العشاء وبداية التراويح يقيمون صلاة ثانية وهم بهذا يشوشون على من يصلي التراويح، فهل الأفضل في حقهم إقامة الصلاة جماعة، أم الدخول مع الإمام في صلاة التراويح بنية العشاء، وهل يختلف الحكم فيما إذا كان الداخل فردا أم مجموعة؟ فأجاب: "إذا كان الداخل اثنين فأكثر، فالأفضل لهم إقامة الصلاة وحدهم أعني صلاة العشاء، ثم يدخلون مع الناس في التراويح، وإن دخلوا مع الإمام بنية العشاء، فإذا سلم الإمام قام كل واحد فكمل لنفسه فلا بأس؛ لأنه ثبت عن معاذ رضي الله عنه: (أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فريضته، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فهي له نفل ولهم فرض)، أما إن كان الداخل واحدا فالأفضل له أن يدخل مع الإمام بنية العشاء حتى يحصل له فضل الجماعة، فإذا سلم الإمام من الركعتين قام فأكمل لنفسه صلاة العشاء، وفق الله الجميع للفقه في الدين" ([56]).
فإن كان المأموم الذي يريد أن يصلي العشاء مسافرا، وقد دخل مع إمامه في صلاة التراويح، فإنه في هذه الحال، يقتصر على ركعتين؛ لأن القصر في حقه رخصة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا دخل الإنسان إلى المسجد والناس يصلون صلاة التراويح وهو لم يصلِ صلاة العشاء فإنه يدخل معهم بنية العشاء، ثم إن كان مسافراً وقد دخل مع الإمام في الركعة الأولى سلم مع الإمام, لأن المسافر يصلي ركعتين، وإن كان مقيماً فإنه إذا سلم الإمام فإنه يأتي بما بقي عليه من الركعات الأربع" ([57])..