المسألة الرابعة: القراءة في الوتر: يقرأ في الركعة الأولى من الثلاث: سورة (سبح اسم ربك الأعلى) كاملة.
وفي الثانية: الكافرون.
وفي الثالثة: الإخلاص.
فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" ([93]).
واستحب بعض الأئمة أن يقرأ المعوذتين بعد سورة الإخلاص في الركعة الثالثة.
قال ابن المنذر رحمه الله: "وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْهَا بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَيَأْتِي بِالرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَيَقْرَأُ فِيهَا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ" انتهى ([94]).
واستدلوا بما رواه الترمذي: عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فقَالَتْ: (كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) ([95]).
وقد صحح هذا الحديث: الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وضعفه الإمام أحمد ويحيى بن معين والعقيلي والشوكاني وغيرهم.
قال ابن قدامة رحمه الله: "ويستحب أن يقرأ في ركعات الوتر الثلاث، في الأولى بـ (سبح)، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة: (قل هو الله أحد) وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي: يقرأ في الثالثة: (قل هو الله أحد) والمعوذتين، وهو قول مالك في الوتر ، وقال في الشفع: لم يبلغني فيه شيء معلوم، وقد روي عن أحمد أنه سئل: يقرأ بالمعوذتين في الوتر ؟ قال : ولِمَ لا يقرأ ؟.
وحديث عائشة في هذا لا يثبت، فإنه يرويه يحيى بن أيوب وهو ضعيف ، وقد أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين" انتهى ([96]).
وقول الإمام أحمد رحمه الله: ولِمَ لا يقرأ ؟ يعني : مع ضعف الحديث، فلا حرج عليه إذا قرأ المعوذتين مع قل هو الله أحد في الركعة الثالثة، وإن كان الأصح أن يقتصر على (قل هو الله أحد) فقط.
وبالرغم من ورود حديث ابن عباس وأبي بن كعب وعائشة رضي الله عنهما في قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السور الثلاثة فقد اختلف العلماء في ذلك فذهب أبو حنيفة إلى أنه يقرأ في الوتر ما يشاء، وكذا الإمام مالك، في ركعتي الشفع، كما ذكره ابن قدامة عنه، وقد نقلناه آنفاً.
وهو قول بعض التابعين كإبراهيم النخعي رحمه الله، فقد روى عبد الرزاق في "المصنَّف" (3/34) عن إبراهيم النخعي قال: اقرأ فيهن ما شئت، ليس فيهن شيء موقوت".
أي: محدد.
وجاء في " المدونة " (1 /212): وقال مالك: الوتر واحدة، والذي أقر به وأقرأ به فيها في خاصة نفسي: (قل هو الله أحد)، و (قل أعوذ برب الفلق )، و (قل أعوذ برب الناس) في الركعة الواحدة مع أمِّ القرآن: قال ابن القاسم: وكان لا يفتي به أحدا، ولكنه كان يأخذ به في خاصة نفسه".
انتهى.
وظاهر هذا، أنه لم يثبت شيء عند الإمام مالك رحمه الله في القراءة في الوتر، وإلا كان أفتى به.
ومن أوتر بواحدة، فإنه يقرأ ما شاء بعد الفاتحة، وليس هناك قراءة معينة وردت بها السنة، وإذا قرأ ب" قل هو الله أحد " فلا حرج عليه ([97])..