هل من المشروع لمن لا يعمل ولا يحضر المال، بل ينفق عليه أهله مثل والديه أو إخوته أو سائر أقاربه، مثل طالب في الجامعة يدرس ولا يعمل، أن يتصدق على الفقراء أو ينفق المال في وجوه الخير، علما بًأنه ليس ماله الخاص، بل ينفق من هذا المال على نفسه، وهل يعتمد على الأمر على كون المال الذي يملكه يحقق له الكفاية أم لا؟ لأن بعض الناس يكون على هذه الحال لكنه يقوم بادخار المال، فهل يدخره لنفسه أم يشرع له التصدق به طالما فاض المال عن حاجته؟ وهل تقبل منه الصدقة إن شاء الله تعالى؟ وماذا لو كان الشخص عليه دين ويريد أن يتصدق لا سيما وأن سداد الدين قد يتطلب وقتا ـ ربما سنوات ـ سواء في حال كان الشخص طالباً أم عاملاً أم غير ذلك؟ وهل تشرع له الصدقة؟ وهل تقبل منه إن شاء الله تعالى؟ أم يجب عليه إنهاء الدين الذي عليه قبل أن ينفق في أي من وجوه الخير، وبذلك فهو قد يترك الصدقة كليا وربما لسنوات طويلة؟..

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:فيشرع للطالب أن يتصدق على الفقراء أو ينفق المال في وجوه الخير إذا فضل عنه شيء مما ملكه له أهله، ففي حديث جابر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيءٌ فَلِذِى قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيءٌ، فَهَكَذَا وَهَكَذَا.

رواه مسلم.ويشرع له إيثار المحتاجين إن علم من نفسه الصبر، وإلا فالأفضل له أن يبقي لنفسه ما يستغني به، لما في حديث حَكِيم بْن حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ ـ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ ـ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ.

متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أفضل الصدقة: جهد المقل.

رواه أبو داود.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبق درهم مائة ألف درهم، فقال رجل: وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال: رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به.

رواه النسائي وابن خزيمة والحاكم.قال في عون المعبود: أي أفضل الصدقة قدر ما يحتمله حال القليل المال، والجمع بينه وبين قوله: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غني ـ أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين.وقال الصنعاني: ووجه الجمع بين هذا الحديث والذي قبله ما قاله البيهقي ولفظه: والجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ـ وقوله: أفضل الصدقة جهد المقل ـ أنه يختلف باختلاف أحوال الناس في الصبر على الفاقة والشدة والاكتفاء بأقل الكفاية، وساق أحاديث تدل على ذلك.

اهـ.وأما المدين: فقد فصل فيه الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في المجموع فقال: إذا أراد صدقة التطوع وعليه دين، فقد أطلق المصنف ـ الشيرازي ـ وشيخه أبو الطيب وابن الصباغ والبغوي وآخرون، أنه لا تجوز صدقة التطوع لمن هو محتاج إلى ما يتصدق به لقضاء دينه، وقال المتولي وآخرون: يكره، وقال الماوردي والغزالي وآخرون: لا يستحب، وقال الرافعي: لا يستحب، وربما قيل: يكره، هذا كلامه، والمختار أنه إن غلب على ظنه حصول الوفاء من جهة أخرى فلا بأس بالصدقة وقد تستحب، وإلا فلا تحل، وعلى هذا التفصيل يحمل كلام الأصحاب المطلق.اهـوالله أعلم..