أعرف إنسانا مات منذ ١٥ سنة، وهو مسلم موحد ويشهد أن محمدا عبد لله عليه الصلاة والسلام، وهو مغن مشهور قليل ويعزف العود، وأنا أحبه كثيرا، وهو عزيز على قلبي، فهل هو ـ رحمة الله عليه ـ يعد من أمة محمد عليه الصلاة والسلام أم لا؟ حيث رأيت حديثا عن البخاري ـ رحمه الله ـ أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن المعازف وأنه ليس من أمته من يستحلها، فهل يقال إنه رحمه الله ليس من أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟..
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه، أما بعد:فالغناء المصحوب بالمعازف حكى كثير من العلماء المحققين الإجماع على حرمته، وقد أوضحنا هذا وبينا بعض النصوص فيه في فتاوى عديدة منها ما هو مبين في الفتويين رقم: 987، ورقم:
اهـ.
وقد فسر أهل العلم مسألة الاستحلال باعتقاد حل هذه الأمور، وأنها ليست حراما، أو اعتياد فعلها وانتشارها بين الناس حتى تصبح لا تنكرها الألسن والقلوب، فلا يستشعر الناس حرمتها أثناء فعلهم لها، فأما مرتكب الحرام عالما بالحرمة فهو عاص فاسق بذلك، وأما المعتقد لحلية الحرام: فهو كافر إن علم بدليل التحريم وكذبه، وأما الجاهل فلا يكفر، بل يعلم بالحكم الشرعي، قال العيني: قَالَ ابْن التِّين: قَوْله: من أمتِي ـ يحْتَمل أَن يُرِيد من تسمى بهم ويستحل مَا لَا يحل، فَهُوَ كَافِر إِن أظهر ذَلِك، ومنافق إِن أسره، أَو يكون مرتكب الْمَحَارِم تهاوناً واستخفافاً فَهُوَ يُقَارب الْكفْر، وَالَّذِي يُوضح فِي النّظر أَن هَذَا لَا يكون إلاَّ مِمَّن يعْتَقد الْكفْر ويتسمَّى بِالْإِسْلَامِ، لِأَن الله عز وَجل لَا يخسف من تعود عَلَيْهِ رَحمته فِي الْمعَاد، وَقيل: كَونهم من الْأمة يبعد مَعَه أَن يستحلوها بِغَيْر تَأْوِيل وَلَا تَحْرِيف، فَإِن ذَلِك مجاهرة بِالْخرُوجِ عَن الْأمة.
اهـ.هذا، وننبه إلى أن الأصل هو عدم حب العصاة الذين يعزفون بالعود، بل يبغضون بقدر معصيتهم، ولا يجوز حبهم للإعجاب بشيء من مظاهر انحرافاتهم، وأما حبه بسبب علاقة عمل أو قرابة أو جوار، فلا يحرم بدليل حب النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بسبب إحسانه إليه، كما في أحد المعنين الذين ذكرهما المفسرون في معنى قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص: 69}.وقد أباح الشرع زواج العفائف الحرائر من نساء أهل الكتاب، ولم يحرج في محبتهن لجمالهن وحب الاستمتاع بهن.
فقد ذكر ابن حجر في معنى الآية أنه قيل: المراد أحببت هدايته، وقيل أحببته هو لقرابته منك.
اهـوبمثل ذلك فسرها البغوي وابن جزي.والله أعلم..