زوجة أخذت من أهلها فلوسا دون علم زوجها، وهو مسافر، وأخبرت زوجها ليلا، فقال لها إن عليها أن ترد هذه الأموال إلى أهلها في الصباح الباكر، وقال لها إذا استيقظت صباحا، دون أن تردي الفلوس إلى أهلها، سأغضب طول العمر، وستكون مشكلة كبيرة، وسيخرب عليها، والموضوع سيكبر، والذي كان يقصده وهو يتحدث معها أنها في حالة عدم رد الفلوس، وتنفيذ كلامه، ورغبته -كما قال- فمن الممكن أن يطلقها، ولكنه لم يتلفظ بهذا صراحة، ولم يقل لها ستكونين طالقا، بل مجرد تلميح فقط بالطلاق، وكان يقول هذا الكلام من باب التلميح.
وأثناء حديثه معها قام بتنبيهها، وتحذيرها من أن تأخذ أي مبالغ مالية من أي أحد بعد ذلك، سواء في حضوره، أو غيابه..
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:فهذه العبارات التي خاطب بها الزوج زوجته، وهي كما في عبارة السائل: سيغضب منها طول العمر، وسيخرب عليها، وستكون مشكلة كبيرة، والموضوع سيكبر؛ هي من قبيل التهديد، والتوعد لها، إذا لم ترد ما أخذت، وليست من باب تعليق الطلاق، فلا يترتب على عدم ردها لما أخذت طلاق، إذ ليس فيها طلاق منجز، ولا معلق، وإنما فيها توعد منه لها بما ذكر، ولو كان يحتمل الطلاق، فهو مجرد تهديد، ووعيد، لا يقع به طلاق.قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الوعد بالطلاق لا يقع، ولو كثرت ألفاظه، ولا يجب الوفاء بهذا الوعد، ولا يستحب.وإذا تقرر أن ما صدر من هذا الزوج لزوجته لا يعتبر تعليق طلاق، فلا داعي للتطرق إلى التفريعات التي سأل عنها السائل، والمترتبة على افتراض أن الموضوع موضوع تعليق الطلاق، ثم إن مجرد تحذيرالزوج لزوجته من أخذ شيء من أموال الناس في المستقبل لا يعتبر يمين طلاق، إن لم يقترن به ما يفيد ذلك.هذا وننبه إلى أهمية أمرين: 1 - مراعاة كل من الزوجين لأحاسيس ومشاعر الآخر؛ فلا تقدم الزوجة على ما من شأنه أن يغضب الزوج، أو يعتبره خادشا في قوامته، أو نقصا في مروءته، أو وسيلة لإهانته، فلا تقدم على أمر هي تعلم أنه يغضبه.2 - على الزوج أن لا يضيق على الزوجة، ويحجر عليها فيما لا يضره، ولا يمس من كرامته، وأن لا يجعل من الطلاق، أوالتهديد به وسيلة للإصلاح، بل عليه أن يعاملها بالرفق، والحكمة، مستحضرا في تعامله معها وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث يقول كما في صحيح مسلم:.
فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ.ويقول كما في الصحيحين: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ، لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ.والله أعلم..