المسألة الثالثة: عدد ركعات الوتر: أقل الوتر ركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ)([82])، وقوله عليه الصلاة والسلام: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) ([83]).
ويجوز الوتر بثلاث وبخمس وبسبع وبتسع وبأحد عشر.
فإن أوتر بثلاث فله صفتان كلتاهما مشروعة ([84]): الأولى: أن يسرد الثلاث بتشهد واحد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسلّم في ركعتي الوتر"، وفي لفظ: " كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن" ([85]).
قال النووي رحمه الله: "رواه النسائي بإسناد حسن، والبيهقي بإسناد صحيح" ([86]).
الثانية: أن يسلّم من ركعتين ثم يوتر بواحدة؛ لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك ([87]).
وقال ابن حجر رحمه الله: إسناده قوي([88]).
وأما إذا أوتر بخمس أو بسبع؛ فإنها تكون متصلة، ولا يتشهد إلا تشهداً واحداً في آخرها ويسلم، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بخمس وبسبع ولا يفصل بينهن بسلام ولا كلام" ([89]).
روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها ([90]).
وإذا أوتر بتسع فإنها تكون متصلة ويجلس للتشهد في الثامنة، ثم يقوم ولا يسلم ويتشهد في التاسعة ويسلم؛ لما روته عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا" ([91]).
وإن أوتر بإحدى عشرة، فإنه يسلم من كل ركعتين، ويوتر منها بواحدة.
وأدنى الكمال في الوتر: أن يصلي ركعتين ويسلّم، ثم يأتي بواحدة ويسلم، ويجوز أن يجعلها بسلام واحد، لكن بتشهد واحد لا بتشهدين، كما سبق.
فكل هذه الصفات في صلاة الوتر قد جاءت بها السنة، والأكمل أن لا يلتزم المسلم صفة واحدة، بل يأتي بهذه الصفة مرة وبغيرها أخرى.
وقد ظن بعض الناس أن هذه الأحاديث التي ذكرت بعض كيفيات الوتر معارضة لما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم (صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) وليس الأمر كذلك؛ لأن هذا الحديث وارد في صلاة قيام الليل ، وهذه الأحاديث إنما هي في صلاة الوتر.
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق أحاديث في أنواع وتره صلى الله عليه وسلم : " وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها, فَرُدَّتْ هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهو حديث صحيح, ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس, وسننه كلها حق يصدق بعضها بعضا, فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها: (مَثْنَى مَثْنَى) ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة, كالمغرب اسم للثلاث المتصلة, فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى, فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضُه بعضاً" انتهى ([92]).
وصلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالفها في الكيفية كما سبق بيانه..