ما الحكم في شخص يتصل بك ويقول لك : إنه يعاشر زوجتك ، وأنك الذي يحضرها له ، ويصفك بأنك قواد ؟ وأنا عندي ثقة في زوجتي ، ولا أشك لحظة في تصرفاتها ، وأبحث عن هذا الشخص ، ولو عثرت عليه قررت بأن أقتله بنفسي ..
الحمد لله.
أولا : لا شك أن تعرض الإنسان لعرض المسلم والوقوع فيه بالبهتان والكذب من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال ، وربما ابتلاه الله في عرضه بما يسوؤه جزاء صنعه الخبيث وفعله الشنيع.
وقد روى أبو داود (4876) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : ( إنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وإذا كان سباب المسلم فسوقا ، فكيف بالتعدي عليه في عرضه والتقول على زوجته بالباطل ؟! ثانيا : إذا ثبتت عليه بالبينة بأنه يتهم زوجتك المسلمة العفيفة بالفاحشة ظلما : فهذا رجل فاسق ، يقيم عليه الحاكم حد القذف ثمانين جلدة ، وترد شهادته إلا أن يتوب ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/ 4، 5.
قال الشيخ السعدي رحمه الله : " لما عظم تعالى أمر الزاني بوجوب جلده ، وكذا رجمه إن كان محصنا، وأنه لا تجوز مقارنته ، ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر، بين تعالى تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزنا فقال : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) أي: النساء الأحرار العفائف ، وكذاك الرجال، لا فرق بين الأمرين ، والمراد بالرمي الرمي بالزنا، بدليل السياق، ( ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ) على ما رموا به ( بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ) أي: رجال عدول، يشهدون بذلك صريحا، ( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) " انتهى من"تفسير السعدي" (ص/ 561).
ثالثا : اتهام المسلم العفيف بأنه قواد : موجب للتعزير والتأديب ، من الحاكم أو من ينوب عنه ، قال النووي رحمه الله : " ومن الألفاظ الموجبة للتعزير قوله لغيره : يا فاسق ، يا كافر ، يا فاجر ، يا شقي ، يا كلب ، يا حمار ، يا تيس ، يا رافضي ، يا خبيث ، يا كذاب ، يا خائن ، يا قواد ، يا ديوث " انتهى من "المجموع" (20/ 125).
وقال المرداوي رحمه الله : " يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ " يَا كَافِرُ، يَا فَاجِرُ، يَا حِمَارُ، يَا تَيْسُ، يَا رَافِضِيُّ.
يَا قَوَّادُ " وَنَحْوَهَا " انتهى من "الإنصاف" (10/ 217).
رابعا : مثل هذا الفعل الذي ذكرته ، إنما يكون عادة من فعل السفهاء ، أهل المجون والفسق ، الذين يسعون في الأرض فسادا ، فلا تلتفت إلى ما يقوله ، ولا تشغل نفسك به ، فإنما هي سفاهة من قول سفيه.
وكل ما يمكنك أن تفعله : هو أن تبلغ المسؤولين عنه ، ليتتبعوه ، ويعاقبوه بما يردعه ويردع أمثاله.
وأما ما ذكرته من أمر قتله ، لو قدر أنك وصلت إليه ، فأنت هكذا كمن يفر من الحر إلى النار ، ويعالج الخطأ بخطأ أكبر منه ، فليس للقذف مدخل في القتل ، إنما حده في الشرع ما ذكرناه لك ؛ ثم متى رأيت القتل علاجا لمثل هذا ؟! لا شك أنك سوف تزيد البلاء ، والضرر ، والشر والأذى ، فلا تشغل قلبك بنيران العداوة ، فتعجز عن النظر إلى الصواب من الأمور.
والذي ننصحك به : ألا تجعل مثل هذا الأذى هاجسا يفسد عليك عقلك وقلبك ، ويشتت أمرك ؛ فلمثل هذا يعمل أمثال هؤلاء السفهاء ، فاقطع كل سبيل من ناحيتك للتواصل مع مثل هذا ، ولو بتغيير رقم هاتفك ، أو عدم الرد على الأرقام الغريبة ، ونحو ذلك.
وليكن لك في نبيك صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فقد وقع المنافقون في عرض زوجته العفيفة الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات ، والتي اتفقت الأمة على كفر قاذفها ، ومع ذلك فقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأذى العظيم والبلاء الشديد ، ولم يقتل أحدا ممن خاض في ذلك ، وإنما أقام عليه حد الله ، كما روى أبو داود (4474) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي، قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ ذَاكَ، وَتَلَا - تَعْنِي الْقُرْآنَ - فَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ، أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ " وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
والله تعالى أعلم ..