صلاة التهجد والتراويح أسماء ومصطلحات داخلة في مسمى صلاة الليل.
لكن الفرق بينهما: أن التراويح تطلق -عند العلماء- على القيام من أول الليل في رمضان خاصة.
وصلاة التهجد: هي الصلاة التي تكون بعد نوم([3]).
فائدة: فرق أهل العلم بين صلاة الليل والوتر من جهة الحكم ومن جهة الكيفية: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية: أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل؟ قال: (مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) رواه البخاري.
وانظر "الفتح" (3/20).
وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر.
رواه البخاري.
وانظر: "الفتح" (2/487)، ورواه مسلم (1/51) بلفظ: (كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت).
وروى (1/508) عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها.
وروى (1/513) عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا).
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه، وهو رواية عن أحمد ذكرها في "الإنصاف" و"الفروع"، قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة.
والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي.
وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي "فتح الباري" (3/27): "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين.
قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه" انتهى.
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صاحب "زاد المستقنع" " انتهى([4]).
وكذلك من جهة الكيفية: فقالوا: أقل ما يحصل به القيام: ركعتان، وأكثره لا حد له؛ لحديث: (صَلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) ([5]).
وأقل ما يحصل به الوتر: ركعة واحدة؛ للحديث السابق.
قد ورد ما يفيد أن أقل القيام ركعة، لكنه لا يصح.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الليل، ورغَّب فيها حتى قال: عليكم بصلاة الليل ولو ركعة" ([6]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فَذَكَرْتُ قيامَ الليلِ، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نصفَه، ثلثَه، ربعَه، فُواق حَلْبِ ناقةٍ، فُواق حلْبِ شاةٍ"([7]).
(فُواق الناقة): "بضم الفاء وتفتح ما بين الحلبتين من الوقت، لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل، لتدر" انتهى ([8]).
واعلم أن الوتر غير قيام الليل، فلا يؤخذ من صحة الوتر بركعة، أن أقل القيام ركعة.
قال في "كشاف القناع" (5/ 23): "(وَهَلْ هُوَ ) أَيْ الْوِتْرُ (قِيَامُ اللَّيْلِ أَوْ غَيْرُهُ ؟ احْتِمَالَانِ؛ الْأَظْهَرُ: الثَّانِي)، أَيْ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ، لِحَدِيثٍ سَاقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: الْوِتْرُ وَالتَّهَجُّدُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ.قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَرَّقَ أَصْحَابُنَا هُنَا بَيْنَ الْوِتْرِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ" انتهى.
وبهذا يتبين أن صلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالف صلاة الليل في بعض الفروقات، منها: الكيفية ([9])..