سؤالي هو " هل يحرم اللعب بلعبة تسمى الليدو " ، وطبيعة لعبة " الليدو " هي نفس طبيعة لعبة الطاولة ، وفي موقعكم قد أشرتم إلى تحريم اللعب بالطاولة ، وقدمت حديثاً في تحريم لعب الطاولة ، وقد أضفتم أيضاً إلى أن جميع الألعاب التي تتم بالنرد " الزهر " كلها حرام.
مما يجعلني أستنتج بأن لعبة " الليدو " حرام ، ولكن لا يصح لي الاجتهاد في هذا الأمر لأنني لست عالماً.
من فضلكم أرجو تزويدي بمصادر الحديث الذي ذكرتموه في إجابتكم على السؤال رقم (
الحمد لله.
أولا : تقدم في إجابة السؤال رقم (
ولعبة "الليدو" لا تخرج عن هذا المعنى ؛ فهي لعبة تعتمد على الزهر كما في الطاولة ، وتتكون من ورقة اللعبة ، وحجر الزهر ، وأربع قطع مختلفة اللون ، لكل لاعب قطعة ، يضع كل لاعب قطعته في وسط الدائرة الموجودة في ورقة اللعبة ، ثم يلقي اللاعب الأول الزهر ، ويجاوب عن المسألة التي في دائرته حسب رقم الزهر الذي خرج له ، فإذا أجاب إجابة صحيحة خرج من دائرة البداية إلى نقطة الانطلاق ، وإذا أجاب خطأ بقي في مكانه ، ثم ينتقل الزهر إلى اللاعب الآخر ، وهكذا.
فحيث إنها تعتمد أساسا على رمي الزهر كما في النرد فهي لعبة محرمة.
ثانيا : جاء في "المعجم الوسيط" (2/912) : " ( النرد ) لعبة ذات صندوق وحجارة وفصين تعتمد على الحظ ، وتنقل فيها الحجارة على حسب ما يأتي به الفص ( الزهر ) ، وتعرف عند العامة ب ( الطاولة ) " انتهى.
وقد روى مسلم (2260) وأبو داود (4939) وابن ماجة (3763) وأحمد (
قال النووي رحمه الله : " قَالَ الْعُلَمَاء : النَّرْدَشِير هُوَ النَّرْد , فَالنَّرْد عَجَمِيّ مُعَرَّب , وَ ( شِير ) مَعْنَاهُ حُلْو ، وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُور فِي تَحْرِيم اللَّعِب بِالنَّرْدِ " انتهى.
وروى أبو داود (4938) وابن ماجة (3762) وأحمد (
وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " رقم (6529).
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (1270) عن عبد الله بن مسعود قال : ( إياكم وهاتين الكعبتين الموسومتين اللتين تزجران زجرا ؛ فإنهما من الميسر ).
صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" برقم (1270).
والكعبتان هما فصّا النرد ، والموسومتان : المعلمتان ، يعني بنقط.
ولأجل عدهما من الميسر ، استدل بعض أهل العلم بقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) المائدة/ 90، 91 ، قال القرطبي رحمه الله : " هذه الآية تدل على تحريم اللعب بالنرد والشطرنج ، قمارا أو غير قمار " انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (6 /291).
وروى البخاري في الأدب المفرد أيضا (1274) عن عائشة رضي الله عنها: " أنها بلغها أن أهل بيت في دارها- كانوا سكاناً فيها- عندهم نرد، فأرسلت إليهم : " لئن لم تُخرجوها لأخرجنكم من داري"، وأنكرت ذلك عليهم.
حسنه الألباني في " صحيح الأدب المفرد " برقم (1274).
وروى أيضا (1275) عن كلثوم بن جبر قال: "خطبنا ابن الزبير، فقال: " يا أهل مكة! بلغني عن رجال من قريش يلعبون بلعبة يقال لها: النردشير ، وإني أحلف بالله : لا أوتى برجل لعب بها إلا عاقبته في شعره وبشره ، وأعطيت سلبه لمن أتاني به".
حسنه الألباني في " صحيح الأدب المفرد" برقم (1275).
وروى (1277) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "اللاعب بالفصّين قماراً كآكل لحم الخنزير، واللاعب بهما غير قمار كالغامس يده في دم خنزير".
صححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد" برقم (1277).
ثالثا : قال شمس الدين الرملي الشافعي رحمه الله : " مُعْتَمَدُ النَّرْدِ الْحَزْرُ وَالتَّخْمِينُ الْمُؤَدِّي إلَى غَايَةٍ مِنْ السَّفَاهَةِ وَالْحُمْقِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : كُلُّ مَا مُعْتَمَدُهُ التَّخْمِينُ يَحْرُمُ " انتهى مختصرا من "نهاية المحتاج" (8 /295).
وقال قليوبي في "حاشيته" (4/320) : " والنرد هو المعروف الآن بالطاولة ".
وعدّ ابن حجر الهيتمي اللعب بالنرد من الكبائر ، كما في كتابه "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (3 /45) وقال رحمه الله بعد أن ساق الأخبار الواردة فيه : " عَدُّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ ، نَقْلًا عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا : يَحْرُمُ اللَّعِبُ بِهِ ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَيُفَسَّقُ بِهِ وَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ ، انْتَهَى.
وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ فَصَرَّحَ بِهِ فِي حَاوِيهِ ، وَعِبَارَتُهُ : الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ تَحْرِيمُ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَأَنَّهُ فِسْقٌ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ ، انْتَهَتْ ، وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَلَى عَادَتِهِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَكْرَهُ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ لِلْخَبَرِ : قَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا : يُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَالْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ : مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ عَالِمًا بِمَا جَاءَ فِيهِ ، مُسْتَحْضِرًا لَهُ : فُسِّقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فِي أَيِّ بَلَدٍ كَانَ ، لَا مِنْ جِهَةِ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ ، بَلْ لِارْتِكَابِ النَّهْيِ الشَّدِيدِ ." انتهى من "الزواجر" (3 /246-248).
فتبين بما سبق من النصوص الشرعية تدل على أن النرد محرم ، وقد تواردت على ذلك نصوص أهل العلم ؛ والنرد هو المعروف اليوم بالطاولة ، وكل ما كان في معناه ، مما يستخدم له الزهر ، فهو محرم مثله ، يجب اجتنابه كله ، ومن ذلك لعبة الليدو.
راجع لمزيد الفائدة أجوبة الأسئلة رقم (
والله أعلم ..