السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من وسواس قهري، ولكن ليست هذه هي المشكلة؛ فمشكلتي بإذن الله لها علاج -ولله الحمد-، ولكني أريد -فقط- أن أستفسر عن هذا المرض؟ ولقد قرأت أكثر من مقالٍ عن مرض الوسواس القهري والمرضى المصابين به، وقد ذكر لي بعضهم أن المرضى المصابين بالوسواس القهري أشخاصٌ أذكياء أو أن معدل الذكاء لديهم مرتفع، ولا أعلم حقيقة هذا الكلام، فهل هم بالفعل يمتازون بالذكاء العالي؟ ما يشككني بذلك ويجعلني أقتنع به أني شاهدت بعض المسلسلات والأفلام الأجنبية التي تقرر هذه الفكرة من خلال قصة الفيلم أو المسلسل، أو من خلال المخرج الذي أراد أن يقرر هذه الفكرة عند تصويره وإخراجه للفيلم مما يظهر أن لديه قناعة تامة بأن الشخص المصاب بالوسواس القهري لديه نسبة عالية من الذكاء.

أتمنى أن تجيبوني وتبينوا لي مدى صحة هذا الكلام، وهل هناك دراساتٌ تؤكد بأن مرضى الوسواس القهري يمتازون بالذكاء أو الفهم أو يمتلكون مهاراتٍ عالية؟ وشكراً لكم، وبارك الله فيكم على جهودكم الطيبة...

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فهنالك الكثير الذي أُثير عن المقدرات المعرفية والذكائية لدى مرضى الوسواس القهري، وخلاصة الحقائق العلمية أن بعض مرضى الوسواس القهري أو بعض الأشخاص الذين لديهم سمات الوساوس القهرية التي لم تصل للدرجة المرضية لديهم مقدرات معرفية عالية، وهذه حقيقةٌ ولكن بكلِّ أسفٍ تتعطل مقدراتهم المعرفية حين ينغمسون في وساوسهم؛ لأن الوساوس تعطِّل الإنسان من ناحية الأداء والإنتاج خاصة وأن بعض الوساوس تجعل الإنسان مدققاً وبطيئاً ومتشككاً ومتردداً، وهذا ينعكس سلباً على ذكائه.

إذن؛ فهنالك مجموعة من مرضى الوساوس أو الذين يحملون سمات الوساوس القهرية يتمتعون ويتميزون بمقدرات عقلية عالية، ولكن بالطبع هذا لا ينطبق على كل مرضى الوساوس؛ حيث أن بعض الذين يعانون من التخلف العقلي أيضاً لديهم الكثير من سمات مرض الوسواس القهري، ونعرف أن بعض مرضى الفصام لديهم أعراض وسواسية، وكذلك مرضى الاكتئاب، وهكذا.

إذن؛ فلا نستطيع أن نقول أن الأمر على إطلاقه بأن كل من يعانون من الوسواس القهري لديهم مقدرات، بل توجد شريحة بسيطة من مرضى الوسواس القهري يتميزون بمقدرات ذكائية عالية، وهم لا يمثلون الأغلبية من الذين يعانون من هذا المرض؛ وهذا هو الذي يوجد في الأبحاث العلمية.

وربما توجد سمات أخرى لمرضى الوساوس تعطي الناس انطباعاً بأنهم أذكياء، فهم أولاً يدققون في بعض الأحيان، ولديهم يقظة الضمير عالية جداً، ويتميزون بالصدق -وهذه أيضاً من السمات الطيبة- ويُعرف أن شفرة الفضيلة لديهم مرتفعة جداً، ويندر أن تجد مريض بالوسواس قهري في ساحة الجريمة؛ وهذه تعتبر بعض الأشياء البحثية التي ذُكرت عن الذين يعانون من الوساوس القهرية.

وأما ما ذكرتِهِ من الأمثلة التي وردت في الأفلام والمسلسلات فهي ربما تكون مختصة بالشريحة البسيطة التي ذكرتها لك، ودائماً مرض الوساوس القهرية هو من الأمراض التي أثارت الكثير من الكُتَّاب والروائيين وجعلتهم يتفاعلون ويُخرجون الكثير من القصص والدراما التي تخص الوسواس القهري والشخصيات التي تعاني من هذه الحالة.

وأود أن أرجع إلى البداية؛ فأنت ذكرت أنك تعاني من الوسواس القهري، وهو بالرغم من أنه لا يمثل مشكلة بالنسبة لك ولكن أرجو أن تحاول أن تعالجه حتى لا يتطور الأمر أو يسبب لك نوعاً من الاكتئاب الثانوي، وأنت تعرف أن طرق العلاج هي الطرق السلوكية التي تقوم على تحقير فكرة الوساوس، أو بفعل الوساوس وعدم اتباعها ومقاومتها واستبدالها بفعل مضاد، كما أنه توجد مجموعة طيبة من الأدوية تساعد في تقليل الوساوس القهرية.

وبصفةٍ عامة فوجود درجةٍ بسيطةٍ من الوساوس تجعل الإنسان ينجح في كثير من الأمور، وبخاصة الذين يعملون في مجالات الحسابات، ولكن بالطبع حين تكون الحالة شديدة تؤدي إلى كثير من الإعاقة الاجتماعية، وبفضل الله تعالى أصبح الآن علاج مرض الوساوس القهرية في المتناول.

وأسأل الله لك الشفاء والتوفيق.

وبالله التوفيق..